fbpx

حق الانتفاع والفرق بينه وبين عقد الإيجار في القانون السوري

0 399

إنّ المجتمعات الحريصة على النهوضِ والمضيِّ نحو بناء حضارتها، تجعل القانون من أوليّاتها، لأنه محور حياة الأفراد، ينظم العلاقات بين الأفراد فيما بينهم، ويضمن المحافظة على الأمان والاستقرار الاجتماعي والقانوني كمنظومة اجتماعية، وضبط العلاقات التعاقدية، إضافة إلى التوفيق بين حاجات الناس وحاجات المجتمع والدولة تحت شعار المصلحة العامة، بغطاء مظلة القوانين المتناغمة مع الدستور. 

القوانين الوضعية في جميع المجتمعات كثيرة ومتنوعة وبما يتعلق بالعلاقات التعاقدية المدنية، سنمرُ على (حق الانتفاع) لأهميته في حياة الناس ونتناوله بلغة بسيطة تصلح أن تكون على سبيل التوعية القانونية المجتمعية، وليس ورقة بحثية أكاديمية، فالمواطن الذي لا يعرف حقوقه وواجباته القانونية سيُضيعُ كثيراً من حقوقه أو من حقوق غيره، وقد يرتكب المخالفات دون أن يعلم، مع ملاحظة أن القانون لا يحمي المغفلين. 

ورد حق الانتفاع في القانون المدني السوري بالمادة /936/ على أنه ((حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله))

فحق الانتفاع حق عيني مكتسب بجميع أسباب اكتساب الملكية العينية باستثناء الإرث، ينصبُ على شيء يخص الغير، يمنح مالكه سلطة مباشرة على هذا الشيء، بموجبها يستعمله أو يستغله من دون إذن مالك الرقبة، ويقعُ على المنقولات والعقارات، يصحُ حق الانتفاع بعوض أو بدونه، وقد يكون محصوراً بزمنٍ محددٍ أو غير محدد، لكنه لا يحقق آثاره القانونية إن لم يكن مسجلاً في السجل العقاري حسب الأصول، ولا يجوز إنشاء حق انتفاع لشخصٍ اعتباريٍّ.

 وبما أن حق الانتفاع يستوجب التسجيل في السجل العقاري ليحقق نتائجه الملزمة، فما هو الأثر القانوني لحق الانتفاع؟

إنه يقّسم حق الملكية إلى جزءين: الأول يختص به المنتفع وهو الاستعمال والاستغلال، والثاني يظلُ لمالك الشيء المنتفع به ويقتصر على حق التصرف، يعني أن حق المالك محصور في الرقبة، في حين أن حق المنتفع محصور في المنفعة.

لذلك نلحظ أن المالك يقوم بجميع الأعمال القانونية والمادية اللازمة في استعمال الشيء واستغلاله دون الرجوع إلى مالك الرقبة. 

أنواع حق الانتفاع:

– قد يقع على عقار للسكن، فإذا كان الشيء عقاراً سكنياً فله أن يسكنه، وله كذلك الحق بتأجيره أو رهنه أو أي تصرف لكن لا يملك حق بيع هذا العقار كونه لا يملك حق الرقبة.

– قد يكون أرضاً زراعية، له الحق في الثمار والاستفادة منها بأي طريق قانوني كان، لكن لا يحق له بيع الأرض.

– كما تنص المادة (938) من القانون المدني السوري على أنه “يجوز في الأمور العقارية إنشاء حق الانتفاع على الحقوق التالية: الملكية، التصرف، السطحية، الإجارتين، الإجارة الطويلة”.

– حق الانتفاع لا يرد فقط على الحق العيني العقاري، وإنما يرد أيضاً على المنقولات.

حالات انتهاء حق الانتفاع:

1- ينقضي حق الانتفاع بموت المنتفع.

2- أو بحلول الأجل المحدد له (أجل فاسخ) على ألا يتجاوز هذا الأجل أكثر من ثلاث سنوات بعد وفاة المنتفع.

3- يمكن أيضاً بالتنازل عن حقه للغير دون الرجوع إلى مالك الرقبة لإعلان هذا التنازل.

4- زوال حق الانتفاع بوضع اليد على الحق 

عندما يزول الحق بوضع اليد نكون أمام حالة اعتداء على حق الانتفاع، وفي هذه الحالة يحق لكل من صاحب المال والمنتفع على حد سواء طلب رفع التعدي عن هذا الحق، ويمكن إزالة هذا التعدي بطريقين:

أولاً الطريق الجزائي:

– إقامة دعاوى جزائية كدعوى غصب العقار، كما ورد في قانون العقوبات السوري المادة (723) 

أو رفع دعوى تختص بسرقة المحاصيل والثمار الزراعية، كما ورد بالمادة (633) من قانون العقوبات السوري. 

ثانياً الطريق المدني:

– رفع دعوى أمام القضاء المدني لحماية حق الانتفاع (كدعوى منع التعرض) التي نصت عليها المادة (70) من قانون أصول المحاكمات المدنية: “من حاز عقاراً واستمر حائزاً له سنة كاملة، ثم وقع له تعرض في حيازته، جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض”.

– ويحق للمنتفع رفع دعوى استرداد الحيازة وفق نص المادة (66) من قانون أصول المحاكمات المدنية: “يجوز أن يسترد الحيازة من كان حائزاً بالنيابة عن غيره”.

قد يختلط الأمر لدى الناس بالمعاملات لوجود بعض التشابه بين عقد الإيجار وحق الانتفاع، حيث أن المنتفع والمستأجر ينتفعان بشيء لا يملكانه ولمدة زمنية معينة، لكن الفروق بين عقد الإيجار وحق الانتفاع على درجة من الأهمية بما لا تحتمل اللبس والغموض:

1- حق الانتفاع هو حق عيني يجب شهره بالصحيفة العقارية بينما حق المستأجر شخصي لا يجب شهره إلا في أحوال استثنائية، كأن يكون عقد الإيجار مبرماً لمدة أكثر من 9 سنوات والعقد هنا هو الإيجار الخاضع للقانون المدني. (ملاحظة نحن في هذا البحث لا نتناول الإيجار التجاري “أي التاجر الذي يستأجر متجراً لممارسة التجارة” حيث له أحكامه الحقوقية بما يتعلق بطبيعته لسنا بصددها).

2- ينقضي حق الانتفاع بوفاة المنتفع، أما حق المستأجر فلا ينقضي بوفاة المستأجر فيجوز انتقال حقوق العقد والتزاماته إلى الخلف العام (الورثة)

3- المنتفع يستفيد بالشيء محل الانتفاع دون وساطة صاحبه، فهو يسخر الشيء محل الانتفاع لأقصى درجة الانتفاع، لا يرجع بتصرفاته إلى مالك الرقبة، بينما المستأجر فلا يتسنى له هذا الانتفاع إلا بواسطة المؤجر.

4- إن مصدر حق الانتفاع يكون سبباً من أسباب كسب الحقوق العينية عدا الميراث، أما مصدر الإيجار فهو دائماً العقد.

5- حق الانتفاع قد يكون بعوض أو بدونه، أما الإيجار فيعتبر من المعاوضات فهو بعوض.

وإذا ثار اللبس في بعض الأحيان عما إذا كنا بصدد إيجار أو بصدد حق انتفاع، فالعبرة بقصد المتعاقدين، و يستدل على هذا القصد من ظروف العقد وأحكامه وطبيعة المعاملة، ففي العقود يجب إيضاح حقيقة العلاقة بين طرفي العقد لضمان استقرار العلاقات القانونية، وبشكل عام ل بد من المرور على القاعدة القانونية (العقد شريعة المتعاقدين).

وهذا يعني أن العقد هو القانون الناظم للحقوق بين المتعاقدين وهو بمثابة القانون الوضعي داخل العقد، لذا إرادة المتعاقدين هي التي حددت الشروط في العقد الملزمة للأطراف، وهي منجزة لآثارها في العقد طالما أنها لم تخالف النظام العام والقوانين السارية، الإرادة في التعاقد تنطلق من مبدأ حسن النية السائد والرائد الذي يدعم الثقة والصدق في التعامل، ويستلزم الأمانة والإخلاص والنزاهة في تنفيذ الالتزامات المترتبة على جميع أطراف العقد، وكلما كانت العقود واضحة بما بجميع بنودها أصبحت العلاقات التعاقدية والحقوق المكتسبة مُصانة ومستقرة أكثر، وترسخ قواعد العدالة بما يشير إلى ترسيخ أواصر الثقة بين المتعاقدين في المجتمع.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني