حرق المصحف الشريف بين السياسة والعنصرية
بلغت ظاهرة الإسلام فوبيا في أوروبا مبلغاً مقلقاً لدرجة أنها أثارت الخوف في صفوف المسلمين هناك، وقد اتخذت في بعض الدول طابع العنصرية وفي بعضها الآخر طابعاً سياسياً، حيث بتنا نشهد بين الفينة والأخرى قيام المتطرفين اليمينيين بحرق المصاحف الشريفة أو الاعتداء على المساجد والمسلمين أو الاعتداء على المسلمات في الشوارع أو الميادين العامة، كما أخذ الأمر طابع السلوك الرسمي من خلال سن التشريعات التي تجبر المسلمين لقبول ممارسات وسلوكيات تتعارض مع أصول عقيدتهم وثقافتهم تهدد بنية الأسرة المسلمة، وبالتالي تفكيكها، وكان آخر هذه الممارسات ما قام به مجنس عراقي في السويد من حرق المصحف أمام أحد المساجد وقد تبين أن الفاعل هو أحد قادة الميليشيات المسيحية في العراق، التي كانت تقاتل في صفوف الحشد الشيعي، والذي تثبت ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الموصل ومناطق أخرى من العراق.
خرج علينا مسؤولون أوروبيون ليبرروا هذا الفعل الدنيء بأنه حرية رأي وفكر، في تفسير لا يأتلف مع المنطق ولا مع المواثيق الدولية وخاصة العهد الدولي لحقوق الإنسان والعهد الخاص للحقوق السياسية لسنة 1976.
بداية يجب أن نعلم أن هناك حوالي مليون مسلم في السويد من سوريا والعراق وأفغانستان وفلسطين والبوسنة والشيشان وتركيا، وأن عدد المسلمين في أوروبا حسب مركز المحفوظات الألماني لمعهد الإسلام نحو “53” مليون مسلم أي ما نسبته حوالي “6%” من سكان أوروبا ومنهم حوالي “16” مليون مسلم في دول الاتحاد الأوروبي أي ما نسبته “3.2%” من عدد السكان.
ما يعني أن المسلمين هم جزء أساسي من تركيبة السكان في أوروبا ويمكن تصنيفها أقلية دينية أو طائفة دينية مثلها مثل باقي الطوائف الدينية والعرقية ومن حق هذه الأقلية التمتع بالحقوق الأساسية التي أقرتها المواثيق الدولية والأوروبية ومنها:
- الإعلان المتعلق بحقوق الانسان والأفراد الذين ليسوا من مواطنين البلد الذي يعيشون فيه الذي تم اعتماده بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم “144/40 تاريخ 1985/12/13 الذي نص على أن للجميع الحق في التمتع بحماية متكافئة من القانون دون تمييز وأن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يمثل انتهاك للإعلان وضد أي تحريض على تمييز.
- الحق في حرية الفكر والرأي والدين ولا يخضع الحق في الجهر بينهم أو معتقدات إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحركاتهم الأساسية.
- الحق في الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم وتقاليدهم.
- الجزء الخامس من الميثاق الاجتماعي الأوروبي المعدل لسنة 199 الذي نص على أن: يكفل التمتع بالحقوق المذكورة في هذا الميثاق دون تميز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الجنس أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو المنشأ الاجتماعي أو الصحة أو الانتساب إلى أقلية قومية أو الميلاد أو أي وضع آخر.
- المادتين “21 و22” من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي لسنة 2000 واللتان أكدتا على عدم التمييز وحظره واحترام الاختلاف الثقافي والديني واللغوي.
- المادتان “52 و54” منه اللتان نصتا على أنه: يجب أن ينص القانون على أي تقييد بشأن الحقوق والحركات التي يقرها هذا الميثاق ويجب احترام جوهر تلك الحقوق والحركات وفقاً لمبدا التناسب أي جواز وضع القيود إذا كانت لازمة وتفي بشكل حقيقي بأهداف المصلحة العامة التي يقرها الاتحاد أو الحاجة لحماية حقوق وحركات الآخرين.
- حظر استخدام الحقوق: لا يفسر أي شيء في هذا الميثاق على أنه يتضمن أي حق للمشاركة في أي نشاط أو للقيام بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات التي يقرها هذا الميثاق أو إلى تقييدها إلى حد أكبر من التي ينص عليها فيه.
وبناء على ما سبق فإنه من واجب حكومات الاتحاد الأوروبي حماية الحقوق الأساسية للمسلمين وتعزيز هذه الحقوق من خلال تضمين القوانين الوطنية نصوص تحمي هذه الحقوق وفرض عقوبات جنائية على من يقوم بانتهاكها أو التعدي على المسلمين ومقدساتهم أو الازدراء بهم وبدينهم وقرآنهم.
وبالتالي فإن هذه الممارسات لا يمكن تصنيفها في خانة حرية الفكر والرأي وإنما هي ممارسات عنصرية وانتهاك للمواثيق الدولية والأوروبية.
وإن تقاعس الحكومة السويدية عن القيام بواجباتها الواردة في المواثيق الدولية والأوروبية يجعلها في محل شبهة التستر على هذه الانتهاكات وتمكين مرتكبيها من الإفلات من العقاب، وإن ذلك يأتي في سياق الصراع السياسي بينها وبين تركيا حول مكافحة التنظيمات الإرهابية وملف دخول السويد في عضوية حلف الناتو التي تعترض عليه تركيا بسبب موقف الحكومة السويدية الداعم للتنظيمات المصنفة على لوائح الإرهاب التركية.