fbpx

حرب الأعياد في سوريا

0 290

ربما بدأت تلك الحرب في الستينيات من القرن الماضي عندما حول النظام في سوريا ومصر هزيمة خمسة حزيران إلى نكسة، ووقتها مُنِع عرض مسرحية الراحل سعد الله ونوس لأنها، أي المسرحية تتكلم حول كيف حولوا الهزيمة والخيانة إلى نكسة، وفيما بعد حولوا النكسة إلى انتصار خلال حرب السادس من تشرين وبدأت الاحتفالات تعم أرجاء الوطن. ومن خلال ضخ إعلامي هائل حولوا الحرب إلى انتصار ورغم أن الفنان دريد لحام في مسرحيته الشهيرة ضيعة تشرين، التي ألفها الراحل محمد الماغوط، قال في نهايتها: “حاربنا”، ولم يقل انتصرنا.

وعود على بدء، أي عيد الثامن من آذار، الذي تحول إلى عيد عند الكثير من الفلاحين ونكسة عند الكثير من الملاكين.

ومع بدء حوادث الثمانينيات بين السلطة وحركة الإخوان المسلمين، ألغيت الكثير من مناسبات إحياء الأعياد، وأهمها عيد الرابع في الساحل السوري وريف حمص وحماه.

ما أود قوله بأن الكثير من الأعياد الموجودة في المنطقة تم تهميشها عن قصد واستبدالها بأعياد (التصحيح والبعث المجيد)، فعيد “نوروز” مثلاً جرى التأثير عليه بقرار رئاسي؛ إذ تم تغيير موعد الاحتفال بعيد الأم في سوريا من 13 أيار إلى 21 آذار، ليكون بذلك عيداً رسمياً في الدولة، دون ذكر عيد “نوروز” الذي يصادف في اليوم نفسه. تغييب هذه الأعياد لتعويم فكر مركزي ممنهج ومسير بعيد واحد فقط وهنا يقتحمنا عيد الحركة التصحيحية والكثير من الأعياد الوطنية.

عيد القوزللي الذي يحتفل به بعض مواطني الريف في الساحل السوري 13-14 كانون الثاني بمناسبة حلول السنة الشرقية الجديدة، يصادف رأس السنة الشرقية  13 كانون الثاني وتسمى القوزلّه وهي من الكلمة الآشورية قوزلو وتعني إشعال النار فتقام في هذا اليوم احتفالات اجتماعية بمشاركة الجميع من أهل المنطقة وزوّارهم وأصدقائهم، رقص ودبكات شعبية وغناء فولكلوري مستقى من تراث المنطقة ويتبادل الناس الزيارات فيما بينهم وتفتح موائد الكرم التي تضم الفواكه والحلويات والتمر والزبيب وخبز القوزله وهو يخبز فقط بهذه المناسبة على التنور، هذا الخبز يحضر من الدقيق الكامل وزيت الزيتون والفليفلة الحمراء والملح والسمسم وحبة البركة أحياناً. ولذلك فإن أرغفة خبز القوزله تدوم طازجة لفترة طويلة ولأكثر من شهر كامل كما يتصالح المتخاصمون وتُزار العائلات المنكوبة حديثاً وتُواسى بكلمات المجاملة والإطراء كما تقدم مساعدات مادية للأسر القفيرة.

ويروي الباحث عيسى إبراهيم:

كانت تردد كلمة “عيد مبارك عليك أو عليكم”. والآن أصبح الناس يقولون كل عام وأنتم بخير. وفي بعض القرى تستمر الاحتفالات لثلاثة أيام كما هو الآن في قرى باب جنة – الدالية – الحارة والبودي.. فتحضر الأكلات اللذيذة من كبة وكبيبات وهي كبة محشوة بالسلق.

وتقدم الذبائح كقرابين إلى الله «جل جلاله» وتقام الدبكات الشعبية الأصيلة في المنطقة وتسمى صبحة لأنها تبدأ من الصباح الباكر. حيث يتشارك الدبكة، رجّال ونساء وشباب وصبايا، (ختيارية والولاد الزغار..) على وقع المجوز وخبطات الأقدام المتناغمة معاً على الأرض بفناء المزارات المقدسة في أعالي الجبال أو في السهول والوديان، حيث الطبيعة، والصوت يتداعى في الفضاء.

يروي الباحث والصحفي سهيل خليل عن بيتهم في القوزللي :”وفي عيد القوزلة، كنا نشعل نيراناً من الحطب ولسبب ما غامض كالبحر كانت دموعنا تنهمر. والقوزلة كلمة آرامية تعني البداية، والبداية هنا رأس السنة على الحساب الشرقي، كانت احتفالات القوزلة أكثر جمالاً وكان لابد لكل أسرة أن تربي جدياً، كان أبي يشتري الجدي في شهر أيلول ويبدأ بتربيته والعناية به وتغذيته على أوراق التين الصفراء وفي الشتاء كان يطعمه ثمار السنديان والبلوط، كنا نصحو صباح يوم القوزلة والفرح يعلو الوجوه لأننا سنأكل لحماً. كان أبي ينزل الى الوادي القريب ويقطع عدداً من عيدان البطم ويشذبها كي تصبح صالحة لشك قطع اللحم وكان يُعلّق الجدي أمام البيت لأن البرادات لم تكن معروفة بعد، يستمر الاحتفال لمدة أسبوع وفي اليوم الأخير يكون الجدي قد صار عظيماً وهنا تقوم الوالدة بطبخ هذه البقايا مع البرغل بحمص. وتجتمع العائلة مساءً، وهنا كان لابد من الغناء وعلى الجميع الغناء مهما كان الصوت رديئاً. وأذكر أن جارنا دخل في يوم من أيام القوزلة وهو يفرك من البرد قائلاً: (مطر وغيوم والدنيا متمطر) فقال له والدي: (هذا بداية لموال عتابا، فاسمع مطر وغيوم والدنيا متمطر أمان يارب دخيلك ما تم طير تعا يا خال سمعنا مطمطر نغم غريب عمرو ما نسمع فقال له جارنا وم امعنى سمعنا مطمطر؟ قال له أبي: أنا قلت نغم غريب عمرو ما انسمع). 

وفي كتاب “اللاذقية حضارة المتوسط الأولى”، يرد ما يلي:

القوزلة:

المعروف أن اسمها مشتق من فعل (قزل) أي: أشعل النار، ويستخدم في العامية (قوزل) أي شارك بالاحتفال بمناسبة القوزلة.

أما هل لهذا الاحتفال من مناسبة تاريخية؟ فهذا غير مؤكد حتى الآن. وإذا كان له أي صلة بالعقائد الدينية، فربما يعود ذلك إلى أساس عقيدي موروث من الكنعانيين.

الاحتفال بهذه المناسبة يكون يوم الأول من كانون الثاني حسب التقويم الشرقي، وهذا على الأغلب يعني أنه احتفال برأس السنة الشرقية.

مراسم الاحتفال تبدأ قبل أسبوع وربما أكثر، حسب ظروف المناطق والقرى، وتبدأ الدبكات على أصوات الطبول، ثم تنحر الذبائح قبل (القوزلة) بيوم واحد، وترتفع ألسنة اللهب في كل تنور في القرية، وفي هذا اليوم يدهن الخبز بالزيت، وتصنع أقراص محشوة باللحم، و(فطائر بالفليفلة) و(الكبيبات بالسلق) و(اليبرق)، ويعم الابتهاج والسرور جميع بيوت القرية في هذا اليوم الذي لا ينسى، أما الحلويات التي يتناولها الناس في هذه المناسبة، فقد كانت الدبس والحلاوة.

أما العادات الاجتماعية في هذا اليوم فتبدأ بزيارة الأرامل واليتامى والمفجوعين، والفقراء، وتزار القبور، أو يُحل خلاف بين شخصين أو أكثر، وهذا ما كان حسب التقويم الشرقي.

وكما ذكرتُ سابقاً من أن تلك الأعياد تم تغييبها، إلا فيما ندر بحجج متنوعة وغير مقنعة مقابل تمكين الأعياد الرسمية.

الآن وبعد مرور أكثر من عقدٍ على المطحنة السورية، أصبح عيد السوريين العيش بأمان تحت سقف القانون. وكل السوريين، أو ما تبقى منهم بالداخل، ينتظرون العيد، والعيد عندهم وصول رسالة الغاز والخبز عبر البطاقة الذكية لشعب كاد أن يقتله ذكاؤه. كل عام وسوريا بخير. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني