حراك السويداء.. دروس وتحديات
بخلاف المهللين والمخوّنين لحراك السويداء المطلبي، من المفيد تناول الحدث من زاوية نقدية، أعتقد انّها الأفضل من وجهة نظر مصالح جميع السوريين، الذين يأملون بحصول حلّ ما، يخفّف من عبء “الأزمة” الاقتصادية/السياسية الطاحنة، ويقلل من الخسائر!.
بداية أوّد التعبير عن الأسف الشديد لسقوط ضحايا، وحصول تخريب، وهي مؤشّرات على فشل القائمين على التظاهرة الإحتجاجية في إدراك طبيعة المخاطر التي تحول دون الحفاظ على سلميتها وتجهض بالتالي جهود تحقيق أيّ من المطالب المحقّة التي يسعى إليها المشاركون، ويأمل في تحقيقها جميع السوريين!.
في حراك السويداء المطلبي، الذي تمناه المشاركون أن ينتهي سلميّا كما بدأ، ويعبّر عن مطالب وهموم السوريين المشتركة، المرتبطة مباشرة بقضايا الحياة المعيشية وظروف العيش الكريم، الآمن، ويوصّل رسالة سياسية واضحة، تنال أوسع دعم وطني، وتفرض على السلطات المعنية أخذها بعين الاعتبار القصوى، ثمّة “مَنْ” نجح في استدراج مجموعة من المتظاهرين إلى داخل مبنى المحافظة، وربما دفع بعضهم لافتعال حرائق في مبنى حكومي، في مسعى لتشويه طبيعة الحراك، وخلق انقسام في الرأي العام حوله، بما يضعف تعاطف السوريين معه، ويبرّر العداء له واستخدام وسائل عنيفة لمواجهته، ونقل رسالة سياسية متناقضة!.
بغض النظر عن أهداف ونوايا المشاركين أو المنظمين، أعتقد أنّ ما نتج عن “اقتحام” مبنى المحافظة يُعيد إلى ذاكرة السوريين مشاهد عنف كانت غريبة عن طبيعة حراك 2011، ويخلق مشاعر إحباط وخيبة أمل، تزيد من كميّة خيبات الأمل التي نعيشها طوال سنوات؛ ويؤشّر على عجز القيادة الميدانية النخبوية عن تعلّم أهمّ دروس تجارب الكارثة السورية، وما دفعناه من أثمان باهظة:
“الحفاظ على سلميّة الحراك شعبي، وإبقاء الشعارات المطروحة تحت سقف أهداف مطلبية، إصلاحية، واقعية، قابلة للتحقيق بقوّة السوريين المستقلّة وإرادة النضال الديمقراطي السلمي هي أهمّ عناصر قوّته، وهي ما ينبغي ويجب أن تحظى بالأولويّة، تفادياً لما قد تؤدّي إليه من ضحايا، ومن تعميق لأسباب تقسيم السوريين، ووضعهم في مواجهة بعضهم بعضاً، أياً تكن الأساليب التي يستخدمها الخصوم؛ الرافضون للحراك شكلاً ومضموناً، الذين لهم مصلحة في تحويل طابعه السلمي إلى عنف موجّه ضدّ “مؤسسات الدولة” أو ضد سوريين آخرين، كأفضل السبل لتبرير مواجهته بأساليب عنيفة، وتخوين جمهوره وحواضنه!.
فإذا كانت ظروف السوريين القاسية توفّر تربة خصبة لظهور حركات احتجاج سلمية، تمثّل، في ظل موازين قوى الصراع الراهنة، أفضل وسائل “التمرّد” ضدّ وسائل وأدوات نهب سلطوي منفلت من أيّة ضوابط قانونية، أو رادع وطني وإنساني، فإنّها تكشف الحاجة المصيرية لوجود قيادة وطنية ديمقراطية، تكون على مستوى التحدّيات، ويُدرك القائمون عليها طبيعة الظروف السياسية العامّة، وما تخلقه من أخطار، ويحرصون على عدم تحوّل حراك السوريين السلمي، الشعبي، وأهدافه المشروعة، إلى ساحات حروب، تعمّق أشكال المعاناة، بما يجعل من عدم خروج الناس إلى الشوارع تعبيراً عن مطالبهم المحقّة أفضل من تحوّل حراكهم إلى مواجهات دموية، تُعمّق جراح السوريين، وتعزز مواقع القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، الساعية لتكريس حالة تفشيل جميع مقوّمات الدولة السورية!.
أعتقد أنّها مهمّة تاريخية، نخبوية بامتياز، وتمثّل أهمّ التحدّيات التي تواجهه النخب السياسيّة والثقافيّة السورية، إذا كانت تريد أن تخرج من دائرة الانقسامات والتنافس على “غنيمة” وهمية، وانعدام الثقل الوطني، والثرثرة الفارغة حول قضايا نظرية، وسياسيات الارتهان لأجندات القوى المعادية للتغيير الديمقراطي!.
ضمن هذا السياق العام، أعتقد أن الخطوة الأولى على مسار بناء جسم سياسي وطني ثوري، يملك مؤّهلات القيادة السياسية والميدانية هي إدراك طبيعة العدو ومصالح أطرافه، وسياساتها، وحركة موازين قوى الصراع، وكيفيّة دفعها باتجاه فرض إرادة السوريين المشتركة، ومصالحهم في بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية الموحّدة.
مؤسف ألا يدرك غالبية السوريين بعد كلّ ما دفعوا من أثمان أنّ ليس كلّ ما يريده الشعب يصبح حتمية، وإمكانية، بل يأخذ تحقيقه صيرورة صراع سياسي طويل ومرير، ومعادلات نضال معقّدة، تشكّل فيها معرفة طبيعة العدو، وقوانين موازين القوى، وكيفيّة جعلها تتوافق مع الإمكانية.
تحدّيات محفوفة بمخاطر جمّة، يحتاج مواجهتها إلى قيادة سياسية وطنية محنّكة، ما يزال قيامها بعيداً عن متناول السوريين – وهي أحد أبرز نقاط ضعف حركة الاحتجاج السلمي، ومسارات التغيير الديمقراطي!.
السلام والعدالة لجميع السوريين.