fbpx

جلادٌ جديد أم ثورة؟.. رسالة من مقابر الأسد

0 185

عندما ننظر إلى تاريخ سوريا المعاصر، نجد أن نظام الأسد، الأب والابن، ارتكب جرائم مروعة ستظل محفورة في الذاكرة السورية والعالمية لعقود. قمع الحريات السياسية والفكرية، بناء دولة بوليسية قمعية تسيطر عليها أجهزة مخابرات لا ترحم، معتقلات مظلمة تحولت إلى مسالخ بشرية، وتعذيب ممنهج أدى إلى مئات آلاف الضحايا. في كل زاوية من الوطن، هناك مأساة مخفية، وفي كل قرية أو مدينة، هناك أمٌ ثكلى وأب فقد ابنه، ولا تزال المقابر الجماعية شاهدة على هذا العهد المظلم.

بعد سنوات من الثورة والمعاناة والألم، خرجت أصوات الحرية لتطالب بدولة جديدة، دولة تحترم الإنسان وحقوقه، تضمن العدالة والمساواة، وتقطع جذور الاستبداد. لكن وسط كل هذه الآمال، تأتي التحذيرات والتخوفات من أن تقع القوى الموجودة على الأرض اليوم في نفس الفخ الذي وقعت فيه أنظمة الاستبداد.

إن من يكشف اليوم جرائم نظام الأسد، ويفضح ممارساته في التعذيب والقمع، ومن يخرج المعتقلين من السجون، عليه أن يفهم أن استبدال جلاد بجلاد آخر لا يحقق أهداف الثورة ولا يحرّر الإنسان. كشف المظالم يجب أن يكون خطوة لبناء العدالة الحقيقية، لا مبرراً للانتقام أو لتكرار ذات السياسات التي لطالما عانى منها الشعب السوري.

وهنا نخصّ بالذكر هيئة تحرير الشام، وهي من القوى الفاعلة على الأرض السورية اليوم. إن أي ذريعة إيدلوجية دينية أو سياسية لتبرير الاعتقالات التعسفية، التعذيب، أو تكميم الأفواه، ستضعكم في نفس خانة النظام الذي خرجت الثورة لإسقاطه. المأساة التي عاشها السوريون في ظل نظام الأسد يجب أن تكون درساً قاسياً لكل من سيحكم سوريا، إن الاستبداد لا دين له ولا لون، وإن القمع تحت أي مسمى لن يجلب إلا المزيد من الظلم والانقسام.

إذا كنّا نسعى حقاً لبناء سوريا جديدة، سوريا تُحترم فيها حقوق الإنسان ويُصان فيها كرامة المواطن، فيجب أن تبدأ هذه القيم من اليوم. الحرية لا تُبنى عبر السجون، والعدالة لا تُحقق عبر التعذيب أو المقابر الجماعية. إن الممارسات التي بررها النظام بأنها لحماية “أمن الدولة” أو “محاربة الإرهاب” لم تجلب سوى الخراب والدمار، واليوم يجب أن نتعلم أن أي مبررات مشابهة ستُعيد إنتاج المأساة بشكل جديد.

سوريا الجديدة تتطلب طي صفحة الاستبداد بكل أشكاله، والبدء في تأسيس دولة تعتمد على القانون والعدالة والحرية. لا يمكننا مواجهة الظلم بالظلم، ولا يمكننا هدم النظام القائم لإقامة نظام مشابه له تحت عناوين أخرى. من يريد أن يبني دولة قوية ومستقرة، عليه أن يبدأ من احترام الإنسان أولاً، فالإنسان السوري الذي ضحّى طوال هذه السنوات يستحق دولة تُصان فيها كرامته وحقوقه.

لكل القوى الفاعلة على الأرض، ولمن يحمل مسؤولية بناء المستقبل: سوريا لن تُبنى بالمعتقلات ولا بالقمع، بل بالمصالحة والعدالة والمساواة. لا تقعوا في فخّ الطغيان، ولا تجعلوا التضحيات تذهب هدراً. حرّروا الإنسان لا من السجون فحسب، بل من الخوف والاستبداد، ليبدأ فجرٌ جديدٌ يحمل معه مستقبلاً يستحقه كل السوريين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني