fbpx

ثلاثة عشر عاماً من الصراع.. ماذا بعد؟

0 111

ثلاثة عشر عاماً من الصراع في سوريا، دون أن تبدو في الأفق أي لائحة لخلاص جديد.

ومع أن الرقم ثلاثة عشر ليس مكرساً للتفاؤل، ويتعمد السياسيون الغياب في اليوم الثالث عشر لأنه يوم نحس مستمر، ولكن قراءة عقلانية لهذه العشرية السوداء التي مرت بنا يجعلنا ندرك أن الأيام تتنافس في نحسها وبؤسها ومكرها، وأنه لا وجه لتمييز يوم بالنحس عن سواه، فالمسألة في القلب والعقل وحين يملك المرء الإرادة والبصيرة فكل الأيام أمل وتفاؤل، وحين يفقد الإرادة فالأيام كلها منحوسة وكذلك الأماكن والجهات والأغاني والأفكار.

وفيما يقف المحللون السياسيون عند قراءة الأرقام والإحصاءات وافتراض الخرائط الخفية فإن مسؤولية الدين والثقافة أن تتناول الواقع من جانب إنساني، وأن تطرح الحلول الممكنة لوقف هذا الانهيار الرهيب الذي حولنا في سوريا إلى لعبة للأمم.

فهل يوجد أمل في الخلاص بعد عقد أسود من المظالم والجرائم والهزائم؟

لا شك أبداً في الدوافع النبيلة التي دفعت السوريين في آذار 2011 للخروج سلمياً إلى الشوارع مطالبة بحقوقهم ورفضاً للفساد والمظالم، وقد انتشرت الثورة في كل أنحاء سوريا خلال شهور قليلة وصار واضحاً أن البلاد ذاهبة إلى واقع جديد.

فيما بعد ونتيجة القمع الباطش اندفع العنيفون نحو السلاح وكانت الكارثة!!

واليوم لا يوجد في تاريخ السوريين نكبة أكبر من هذه النكبة مليون بين قتيل وجريح ومفقود، ونحو عشرة ملايين بين نازح ولاجئ، ووطن مدمر واقتصاد بائس جعلنا في ذيل دول العالم، وصنف 90% من السوريين تحت خط الفقر!

وتحول البلد نهباً للطامعين، وفيه اليوم ستة جيوش نظامية ترفع أعلام دول أجنبية، إضافة إلى عشرات الفصائل الغريبة المرتزقة التي تدمر بمنهجية وانتظام نسيح الإنسان في سوريا.

في تحليل الكارثة لم أكتب إلا رؤوس أقلام، والقراء يعرفون أكثر مني واقع الحال وظروف عيش السوريين في الداخل والخارج والشتات والنزوح.

إن أي كلام فارغ عن انتصارات سيكون أكبر إهانة للسويين وسيكون احتقاراً تاماً لروح الإنسان وكرامته!!

هناك خمس كيانات قائمة في سوريا يحكمها سوريون متحاربون، تملك الأرض، ولكل منها علمها وجيشها واقتصادها وحلفاؤها الدوليون.

الإدارة الذاتية شرق الفرات والمعارضة المرتبطة بتركيا في شمال حلب وشرقها وجبهة تحرير الشام في إدلب والحراك الثوري في السويداء والنظام في دمشق، ولكل إقليم من هذه الأقاليم التي يفرضها الواقع جيش وسلاح ونظام اقتصادي وعلاقات دولية، وتوشك ان تصبح في أمد قريب كياناً مألوفاً، ينسى به السوريون شكل وطنهم.

ولكن.. ما المطلوب الآن؟

التقسيم القائم منذ عشر سنوات هو مسؤولية الدولة في دمشق، ولا يوجد حل للكارثة إلا من دمشق.

ما هي الحلول التي طرحها النظام خلال 13 عاماً؟؟

للأسف لا شيء إلا المواجهة بالبسطار والمدفع، وتخوين المعارضين، وإعلان الانتصارات.. وهذا الأسلوب لن يعيد لاجئاً ولن يوحد وطناً ولن يبني مصالحة ولن يأتي بأي استثمار.

هذه مناشدتي للدولة السورية.

الأيام تمضي بسرعة والعالم بات مشغولاً بقضايا أخرى، والكبار ليسوا في وارد التوافق على حل في سوريا، وانتظار الآخرين مقتلة وعبث.

والوعود الإيرانية بتحرير الجولان وفلسطين كالوعود الأمريكية والتركية بإسقاط النظام!

الشيء الوحيد الذي نملكه هو أن نبني الثقة بأنفسنا، فبقدر ما يوجد أشرار هنا وهناك، يوجد أيضاً أخيار هنا وهناك.

رسالتي من أفق الثقافة والدين ليست النفخ في نار المحرقة، بل هي الدعوة إلى المصالحات ونهاية الحروب وفقه التنازلات والبحث عن المستقبل.

نعم يجب أن نكون هناك، عند أي دعوة للتسامح والتعاون ونسيان الماضي وبناء المستقبل، أن نكون في كل مبادرة تعيد الثقة بين السوريين وتدعوهم للتفكير في مستقبلهم.

الغرباء لن يريقوا دماءهم ولا دموعهم من أجل سوريا، إنهم فقط يبحثون عن مصالحهم، وهذا أمر طبيعي، يجب أن نتعامل معه بعقل، وحين ننجز الوفاق بيننا فسيكن من السهل أن نقول للغرباء لقد تمم الله الصلح بيننا وشكر الله سعيكم وعظم الله أجركم.

هناك عدد محدود من الأشرار الذين لا يؤمنون بأي حل سلمي ويبحثون عن مزيد من الحروب، وحين نبني الثقة بين السوريين فسيجد هؤلاء أنفسهم معزولين في هامش الحياة ولن يعود لخطابهم التخويني والمؤامراتي والانتصاراتي أي معنى أمام الواقع الجديد.

نعم نراهن نحن الذين نؤمن بالإنسان أن الحل في سوريا بيد السوريين وأن لا شيء يقف في وجه إرادة الإنسان للخير والجماعة والوحدة.

بغير ذلك لن نرى إلى الأبد صورة لسوريا الموحدة، وستلتحق هذه الأقاليم المنفصلة بما يشبهها، أو تقوم كيانات كريهة غير مقبولة يعاني أبناؤها الخوف والحصار والحرمان إلى عقد طويلة فالعالم ليس جميعة خيرية، وإنما هو تدافع مصالح، وعلينا أن نكون في الجانب الصحيح من التاريخ.

هي دعوة للثقة بالجميع والبناء على ما لديهم من حق وخير، وتطبيق للقاعدة الذهبية نتعاون فيما اتفقنا فيه ونتعاذر فيما اختلفنا فيه، ونجعل الإنسان وحده محور سعينا وبرامجنا في السياسة والإدارة والمجتمع.

نعم يوجد ألف سبب للثقة كما أنه يوجد ألف سبب للقطيعة، لقد جربنا القطيعة فكانت النتائج كارثية على الإنسان السوري ولا زال المستقبل يحمل الأسوأ والأشد بؤساً وقتامة، فلنجرب بناء الثقة وتدوير الزوايا والبناء على المشترك والتعاذر في الاختلاف واللقاء على خدمة الإنسان.

نكفر بعقولنا إذا افترضنا أن الجهة الأخرى بدون ضمير!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني