توقيف بشار أسد وإمكانيّة التنفيذ
تداولت وسائل الاعلام اليوم الأربعاء الواقع في 26/6/2024 خبراً مفاده قيام محكمة استئناف باريس برد طلب مكتب المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب إلغاء مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد تأسيساً على حصانته باعتباره رئيس وهذه الحصانة تحمي عادةً رؤساء الدول على رأس عملهم من الاختصاص القضائي للمحاكم الأجنبية.
وتصديق قرار قاضيي التحقيق المتضمن إصدار مذكرات التوقيف بتاريخ 14/11 بحق بشار الأسد، مع تأكيدها على مذكرات التوقيف الصادرة أيضاً بحق أخيه ماهر الأسد والعميد غسان عباس والعميد بسام الحسين بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واستخدام غاز السارين ضد سكّان الغوطة الشرقيّة ومعظّميّة الشام في 21 آب 2013 التي ذهب ضحيّتها حوالي 1400 شهيد.
– عرّفت المادة ’’212‘‘ المعدلة بموجب القانون رقم 711/2013 من القانون الجنائي الوطني الفرنسي الجريمة ضد الإنسانيّة بأنّها: يشكل ايضا جريمة ضد الانسانية ويعاقب عليها بالسجن المؤبد كل من الأفعال التالية المرتكبة بتنفيذ خطة منسقة ضد مجموعة من السكان المدنيين في سياق واسع النطاق أو منظم: الاعتداء العمد على الحياة، الإبادة، الاستعباد، الترحيل أو النقل القسري للسكان، الحبس أو أي شكل آخر من الحرمان المشدد للحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
– كما اعتبر المشرّع الفرنسيّ استخدام الغازات الخانقة من جرائم الحرب وفقاً للمادة ’’461-23‘‘ المعدّلة بالقانون رقم’’930/2010‘‘ التي تنصّ على أنّه: يعاقب على ما يلي بالسجن مدى الحياة لاستخدام السم أو الأسلحة المسممة. استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو المندمجة وجميع السوائل أو المواد أو العمليات المماثلة، لاستخدام الكرات التي تشوه بسهولة في جسم الإنسان، استخدام الأسلحة أو المقذوفات أو المعدات أو أساليب القتال التي كانت موضوعاً لها الحظر العام وبعد أن أدرجت في مرفق للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قبلت من فرنسا.
– كما أن القانون الفرنسي أقرّ بالمسؤوليّة الجزائيّة للأشخاص الاعتباريّة ما دون ’’الدولة‘‘ عن الجرائم ضد الإنسانيّة وفرض عقوبة الغرامة والمصادرة عليها كعقوبة جزائيّة: وفقاً للمادة ’’462-6‘‘ والمادة ’213‘‘ المعدلة بموجب القانون رقم ’’40/2012‘‘ التي تنصّ على أنّه: يعاقب الأشخاص الاعتبارية المدانة جنائيين في الظروف المنصوص عليها في المادة 121-2 بجرائم ضد الإنسانية بالإضافة الى الغرامة وفقا للوسائل المنصوص عليها في المادة 131-38 بالعقوبات التالية:
1- العقوبات المذكورة في المادة 131-39.
2- المصادرة لكل أو جزء من أموالهم، أو التي لهم حرية التصرف فيها وفقاً لحقوق المالك بحسن النية.
– وحدّد مسؤوليّة الأشخاص الاعتباريّة بموجب المادة ’’121-2‘‘ الأشخاص المعنوية، باستثناء الدولة، مسئولين جنائيا وفقا للمواد ’’121-4 إلى 121-7‘‘ عن الجرائم المرتكبة لحسابهم من خلال أجهزتهم أو ممثليهم. غير أن السلطات المحلية ومجموعتها غير مسؤولين جنائياً إلا عن الجرائم المرتكبة في تنفيذ الأنشطة التي قد تكون خاضعة واتفاقات التعاقد من الباطن على الخدمات. المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية لا تنفي تلك التي للأشخاص الطبيعية المرتكبين أو المتواطئين لنفس الأفعال، وفقاً لنصوص الفقرة الرابعة للمادة ’’121-3‘‘.
– كما أنّ المشرِّع الفرنسي أسقط التذرّع بأسباب الإباحة في القوانين الوطنيّة في معرض الملاحقة بالجرائم ضد الإنسانيّة: وفقاً للمادة ’’462-8‘‘ والمادة ’’213-4‘‘ المعدلة بموجب القانون رقم 800/2004 التي تنصّ على أنّ: الجاني أو الشريك في الجريمة المشار إليه في الباب الفرعي الحالي لا يعفى من مسئوليته لمجرد ارتكابه فعل منصوص علية أو مصرح به في التشريعات أو اللوائح أو فعل مأمور به من قبل السلطة الشرعية. ومع ذلك، المحكمة تأخذ في اعتبارها هذه الظروف عند تحديد العقوبة وتثبيت معدلها.
– كما أنّه لم يعتد بالتقادم المسقط في معرض الملاحقة عن الجرائم ضد الإنسانيّة: وفقاً للمادة ’’213-5‘‘ المعدلة بموجب القانون رقم’’ 800/2004‘‘ التي تنصّ على أنّه: لا تسقط الدعوى العامة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في الباب الفرعي الحالي بالتقادم، وكذلك العقوبات الصادرة.
– كما أنّه أخذ بمبدأ مسؤولية القادة والرؤساء: وفقاً للمادة ’’462-7‘‘ و المادة ’’213-4-1‘‘ المعدلة بموجب القانون رقم ’’711/2013‘‘ التي تنصّ على أنّه: دون الإخلال بأحكام المادة ’’121-7‘‘ يعتبر شريك في الجريمة المشار إليها في الباب الفرعي الحالي القائد عسكري أو من يحل محله، الذي قد ارتكبت الجريمة من قبل مرؤوسين خاضعين لسلطته أو لرقابته الفعلية، والذي كان على علم أو كان من واجبة أن يعلم بأن مرؤوسيه قد ارتكبوا أو كانوا على وشك ارتكاب هذه الجريمة، ولم يتخذ جميع التدابير الضرورية والمناسبة التي كانت بإمكانه لمنع أو قمع تنفيذ الجريمة أو لإحالة المسألة إلى السلطات المختصة من أجل التحقيق والملاحقة القضائية، دون الإخلال بأحكام المادة ’’121-7‘‘ يعتبر شريكاً في الجريمة المشار إليها في الباب الفرعي الحالي الرئيس الذي لا يمارس مهام القائد العسكري، والذي قد ارتكبت الجريمة من قبل مرؤوسين خاضعين لسلطته أو لرقابته الفعلية، وكان على علم بأن مرؤوسيه قد ارتكبوا أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجريمة أو قد تجاهل عمداً الاعتداد بمعلومات تدل على ذلك بوضوح ولم يتخذ جميع التدابير الضرورية أو المناسبة التي كانت بإمكانه لمنع أو لقمع تنفيذ الجريمة أو لإحالة المسألة إلى السلطات المختصة من أجل التحقيق والملاحقة القضائية حيث أن هذه الجريمة متعلقة بأنشطة تندرج تحت مسئوليته ورقابته الفعلية.
– كما اعتبر إصدار الأوامر والتعليمات بارتكاب هذه الجرائم من صور الاشتراك الجرميّ: وفقاً للمادة ’’121-7‘‘ التي تنصّ على أنّه: يكون شريك في الجريمة أو الجنحة الشخص الذي قام على علم بتسهيل أو ارتكاب الجريمة من خلال المساعدة أو التحريض، كما يكون أيضاً شريك في الجريمة الشخص الذي حرض على جريمة أو أعطى تعليمات بارتكابها من خلال العطية، الوعد، التهديد الأمر، وإساءة استغلال السلطة.
– وقد أخذ المشرّع الفرنسي بالولاية القضائيّة العالميّة بموجب المادة ’’113-5‘‘ التي تنصّ على أنّ: القانون الجنائي الفرنسي ينطبق على أي شخص مذنب في أراضي الجمهورية، كما متواطئ أو جريمة أو جريمة ترتكب في الخارج إذا كان القانون أو القانون الفرنسي يعاقب على الجريمة أو الجريمة وبموجب القانون الأجنبي وإذا وجد بموجب قرار نهائي للولاية القضائية الأجنبية.
– وحيث أنّ الحكومة الفرنسيّة وقّعت دون إبداء أية تحفظات على ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة بتاريخ 18 تموز 1998 وصدّقته في 9 حزيران 2000. الذي دخل حيز النفاذ سنة 2002، وفي سنة 2004 قام المشرّع الفرنسي بتعديل القانون الجنائي الفرنسي بما يتوافق مع الوفاء بالتزامات التعاون ومبدأ التكامل المنصوص عنهما الميثاق، نستنتج بأنّ المشرّع الفرنسيّ أدخل تجريم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة وجريمة الإبادة الجماعيّة والمبادئ الأساسيّة في الميثاق في نصوص القانون الجنائي الوطني ومنها:
– المسؤولية الجنائية الفردية المنصوص عنه بالمادة ’’25‘‘ منه.
– عدم الاعتداد بالصفة الرسمية المنصوص عنه بالمادة ’’27‘‘ منه.
– مسؤولية القادة والرؤساء الآخرين المنصوص عنه بالمادة ’’28‘‘ منه.
فإن الدعوى تسير نحو إدانة بشار أسد وباقي المتهمين وخاصّة بعد إزالة عقبة ’’حصانة بشار أسد‘‘ من قبل محكمة الاستئناف التي نصّت عليها المادة ’’29‘‘ من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 واعتبرتها بأنها “حرمة مصونة لا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض والاعتقال، ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللاّئق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه وحريته وكرامته”.
وحيث أنّ عدم الاعتداد بالحصانة كمانع من موانع العقاب من أهم المبادئ التي أقرّتها اللجنة القانونية الموكلة لصياغة مبادئ نورمبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب في الحرب العالميّة الثانيّة نصت في المبدأ الثالث على أن ” مقترف الجريمة يسأل عنها ولو كان وقت ارتكابها يتصرف بوصفه رئيسا للدولة أو حاكماً”.
ومبدأ الحصانة في القانون الدولي: لا يطبق على الأفعال التي يعتبرها القانون الدولي أفعالاً إجرامية، ذلك أن مديري هذه الأفعال لا يمكن أن يكونوا في حماية وضعهم الوظيفي للتخلص من العقاب”.
وحيث أن حصانة الرؤساء هي محل خلاف قانوني بين تيّارين أحدهما يعتبرها من ’’المجاملات الدوليّة‘‘ والثاني يعتبرها من القانون الدولي العرفي وعليه فإنّ تقديم النص على العرف وترجيحه عند التعارض واجب مُلزم للقاضي وبالتالي فإن تطبيق أحكام الميثاق أولى وفقاً للمادة ’’55‘‘ من الدستور الفرنسيّ من تطبيق العرف ويصبح مبدأ عدم الاعتداد بالحصانة للرؤساء وكبار المسؤولين من مستلزمات تطبيق الولاية العالمية للقضاء الوطني.
مدى إلزامية تنفيذ المذكرة: لتنفيذ المذكرات القضائيّة الدوليّة طريقين وهي:
طريق الإنتربول: بموجب قرار المنظمة رقم ’’10‘‘ لسنة 2010 الخاص بالتعاون بشأن الطلبات الجديدة المتصلة بقضايا الإبادة الجماعيّة والجرائم المرتكبة ضد الإنسانيّة وجرائم الحرب يمكن للمنظمة ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم إذا كانت الطلبات مقدمة من قبل: محاكم دوليّة. أو من كيانات أنشأها مجلس الأمن الدولي رهناً بالترتيبات الخاصة المتفق عليها فيما يتعلق بهذا النوع من الطلبات، أو مقدمة من البلدان الأعضاء إلا عندما يتعلّق بأحد رعايا بلد عضو آخر وعندما يعترض هذا البلد على الطلب في غضون ’’30‘‘ يوماً من قيام الأمانة العامة بتبليغه إيّاه.
وعليه يمكن للسلطات الفرنسيّة اللجوء للإنتربول الذي يتوجب عليه إبلاغ النظام بمضمون الطلب الذي سيعترض حتماً على الطلب وبالتالي سقوط الطلب وعدم قدرة الإنتربول على تنفيذ مذكرة التوقيف حتى لو وجِد ’’بشار أسد‘‘ على أراضي أي دولة عضو في الإنتربول.
طريق اتفاقيّات التعاون القضائي وتسليم المجرمين:
– استناداً إلى قرار الجمعيّة للأمم المتحدة رقم ’’3074‘‘ لسنة 1973 المتضمّن مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
– اتفاقيات تسليم المجرمين: المبدأ إنّ أغلب دول العالم لا تسلم مواطنيها للمحاكم الأجنبيّة ومنها سورية وبالتالي لا مجال لطلب تسليم المتهمين بالدعوى.
– تقديمهم من دولة ثالثة أثناء تواجدهم على أراضيها:
القاعدة في هذه الحالة هي: أن أمر التسليم يخضع لمبادئ المعاملة بالمثل، وقواعد المجاملات والأخلاق الدولية وأعمالاً لتلك المبادئ، فعلى الدولة المطلوب منها التسليم أن تقوم باستشارة الدولة التي ينتمي إليها الشخص المطلوب بجنسيته فقط من باب الاستشارة وهى مجرد استشارة قد تأخذ بها الدولة المطلوب منها التسليم أو لا تأخذ بها وذلك وفقاً لتقديرها ومصالحها.
والاستثناء من تلك القاعدة: أن تتضمن نصوص معاهدة التسليم بين الدولة الطالبة والدولة تُلزم الأخيرة باستشارة الدولة التي ينتمي إليها الشخص المطلوب منها التسليم، نصاً بجنسيته، ومثال تلك المعاهدات الدوليّة أو المعاهدات الثنائية.
– كما أن هناك عقبة قرار محكمة العدل الدولية لسنة 2006 الذي يحول دون تعاون الدول مع القضاء الفرنسي: هذا القرار الذي حسم أمر إسقاط الحصانة عن الرؤساء ورؤساء الحكومات وحصره فقط بالمحكمة الجنائيّة الدوليّة، ولم يقرّ بإسقاطها أمام المحاكم الاجنبيّة التي تأخذ بمبدأ الولاية العالميّة.
وفي هذه الحالة ايضاً أرى استحالة قيام دولة ثالثة بتسليم بشار الى القضاء الفرنسي ما عدا دول الاتحاد الأوروبيّ التي تتبنّى مبدا الولاية العالميّة للمحاكم الوطنيّة.