بعد إعدام الآلاف.. الأسد ينهي العمل بمحاكم الميدان العسكرية
بعد أكثر من نصف قرن على استحداثها، أنهى النظام السوري، الأحد، العمل بمحاكم الميدان العسكرية، التي يؤكد حقوقيون أنها أصدرت أحكام إعدام بحق “الآلاف”، في خطوة قابلها ناشطون بحذر في انتظار اتضاح مداها.
وأعلنت رئاسة النظام السوري في بيان الأحد، أن بشار الأسد أصدر مرسوما ينهي العمل بمرسوم صادر عام 1968 يتضمن “إحداث محاكم الميدان العسكرية”.
وأوضحت أن القضايا المرفوعة أمام محاكم الميدان ستحال “بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية”.
وبات المرسوم نافذا من تاريخه.
وواجهت هذه المحاكم انتقادات خصوصا في فترة النزاع الذي بدأ عام 2011.
وقالت منظمة العفو الدولية إن هذه المحاكم تعمل “خارج نطاق قواعد وأصول النظام القانوني السوري”.
وفي تقرير أصدرته عام 2017، نقلت عن قاضِ سابق فيها قوله “يسأل القاضي عن اسم المحتجز، وعما إذا كان قد ارتكب الجريمة أم لا. وسوف تتم إدانة المحتجز بصرف النظر عن إجابته”.
وأضافت “يخضع المحتجزون قبل إعدامهم لإجراءات قضائية صورية لا تستغرق أكثر من دقيقة واحدة أو اثنتين.. وتتصف هذه الإجراءات بأنها من الإيجاز والتعسف بحيث يستحيل معهما أن يتم اعتبارها إجراءات قضائية معتادة”.
ووصفت الإجراءات بـ”مهزلة… تنتهي بإعدام المحتجزين شنقاً”.
واعتبر المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال، في منشور له على فيسبوك أن إلغاء هذه المحاكم “إزاحة لأهم الكوابيس الجاثمة على صدر العدالة”.
وقال إنه بجانب أنها كانت “محكمة سرية لا يدخلها محامي ولا يوجد فيها ضمانة حق الدفاع، وقراراتها لا تقبل الطعن وتخضع بالمطلق للسلطة التنفيذية التي تملك الحق بإلغاء أحكامها، كانت أيضا مرتعاً خصباً للفاسدين من المحتالين والنصابين والسماسرة الذين يزعمون أن لهم يد طولى فيها ويتقاضون من المساكين مبالغ خيالية بسبب ذلك وهم كاذبون”.
وفي تعليقها على القرار، قالت الهيئة السورية للمعتقلين، في منشور على فيسبوك “كانت هذه المحاكم استثنائية لا يوجد بها أي ضمانات دستورية ولا يحق للمتهم الماثل أمامها تقديم أي دفوع أو توكيل محام أو مراجعة أي قرار أو حكم يصدر عنها إضافة إلى سريتها”.
واعتبرت الهيئة أنها كانت “إحدى الأدوات التي مارس بها النظام السوري القتل منذ بداية حكمه واستخدمها لإبادة أي صوت معارض له، كما كانت إحدى آليات الترهيب التي نشطت منذ بداية الثورة والتي ارتبط اسمها بسجن صيدنايا العسكري سيء السيط”.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً منذ 2011 تسبّب بمقتل حوالى نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتيّة وأدّى إلى تهجير الملايين. وبدأ النزاع باحتجاجات شعبية قمعها النظام، وتشعّب مع انخراط أطراف خارجيين ومسلحين وتنظيمات جهادية.
وأفاد المحامي السوري غزوان قرنفل بأن محاكم الميدان التي أنشئت بعد حرب يونيو 1967، توسّع اختصاصها ليشمل المدنيين في الثمانينات بعد أحداث مدينة حماه (وسط) التي قمعها النظام بالقوة.
وقال لوكالة فرانس برس إنها “لا تتقيد بقواعد الأصول وأحكامها لا تقبل الطعن”، و”لا دور للمحامي” في إجراءاتها.
وأشار الى أن “الكثير من المعتقلين خلال سنوات الثورة والصراع المسلح صدرت بحقهم أحكام بالاعدام عن تلك المحاكم ونفذت فور المصادقة عليها”.
ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى مختلف الأطراف وخصوصاً النظام، مجهولاً.
وقدّر قرنفل بأن يكون “الآلاف أعدموا بأحكام صادرة عن تلك المحاكم”.
وقال ناشط لفرانس برس طالبا عدم كشف اسمه إن صدور المرسوم “تأخر كثيرا… بعدما قضى جراء تلك المحاكم آلاف السوريين وربما عشرات الآلاف”.
وقال أن الإجراء “مطلب قديم للناشطين، “لكن توقيته “ليس واضحا”، داعيا الى “التعامل مع القرار بحذر وانتظار ما قد ينتج عنه قبل الترحيب به، خاصة أن النظام لم يعترف يوما بمخالفة هذه المحاكم لحقوق الانسان والمعتقلين”.
وأشار الى أن المرسوم “قد يساعد معتقلين كثرا لا يزالون يقبعون في سجون النظام تحت وطأة هذه المحاكم الميدانية ينتظرون أحكام إعدامهم”، متحدثا عن أن بعض العائلات “كانت تدفع آلاف الدولارات لوسطاء ومحامين فقط لإنقاذ المعتقل بإخراجه من محكمة الميدان إلى محاكم عسكرية عادية”.
وأوضح دياب سرية من “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” أنه “اذا تمّت إحالة المعتقل إلى المحاكم العسكرية، سيسمح له بمحامٍ على الأقل”.
وأشار الى أن “حوالى 70 بالمئة من المعتقلين في سجن صيدنايا بعد العام 2011، عرضوا على محكمة الميدان العسكرية التي حكمت على أغلبهم بالإعدام”.
وأمل في أنه “إذا سُمِح بالاطلاع على أرشيف تلك المحاكم.. أن يعلم الأهالي مصير أحبائهم المفقودين والمختفين قسرا منذ سنوات”.
المصدر: الحرة