بايدن أو ترامب لا يلبيانها.. انتخابات أمريكا والحاجة لسياسة شرق أوسطية جديدة ومفيدة
تبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهدي دونالد ترامب وجو بايدن غير ذات رؤية استراتيجية تخدم المصالح الحيوية للبلاد، فهذه السياسة لم تستطع إيجاد مربعات تعاون وتشارك في القضايا الأكثر حيوية لبلدان هذه المنطقة.
في عهد حكومة دونالد ترامب السابقة، كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تفتقر إلى رؤية استراتيجية متناسقة ومتناغمة، فهي خضعت لتقديرات ترامب المزاجية وأحاسيسه وغريزته السياسية، أي أنها لم تأت استجابة لمعرفة بنى أنظمة ودول وشعوب منطقة الشرق الأوسط ومصالحها، بقدر أنها وضعت افتراضات غير واقعية لرسم أفق المنطقة سياسياً، مثل مشروع صفقة القرن بخصوص قيام دولتين على أرض فلسطين، هما دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية.
لكنّ صفقة القرن اصطدمت برفض قوتين هامتين في منطقة الشرق الأوسط (السعودية ومصر)، وهذا ما دفع ترامب إلى العمل على موضوع تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، حيث قام بجمع وزراء خارجية كلٍ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل في واشنطن وتشجيعهم لإقامة علاقات ديبلوماسية بينهم.
في الشهر الأخير من عام 2017، أعلن ترامب اعتراف بلاده بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وعمد إلى نقل سفارة بلاده إليها، وهذا الأمر أغضب الشعوب العربية وأنظمتها، لأنه تجاهل عن قصدٍ الحقوق العربية بالأراضي التي احتلتها إسرائيل بعدوانها عام 1967.
كذلك أعلن ترامب أنه لن يسمح بدخول لاجئين مسلمين إلى بلاده، ثم قلّص معارضته في هذا الأمر لتشمل ست دول في المنطقة مثل سورية والعراق وليبيا… الخ.
سياسات ترامب تلك لم تكن ذات فائدة استراتيجية على المديين المتوسط والبعيد لبلاده، فهي أظهرت أنه منحاز لإسرائيل ضدّ مصالح شعوب المنطقة، وأنه لم يعتمد سياسة متوازنة ذات موضوعية وصدقية، بل كانت سياسته تخضع لرؤاه أكثر مما تنفع وتخدم المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
ترامب الذي مزّق الاتفاق بين مجموعة خمسة زائد واحد مع إيران وانسحب منه، المتعلق بشأن برنامجها النووي، والذي تمّ توقيعه في عهد سلفه الرئيس باراك أوباما، لم يكن لديه استراتيجية واضحة وذات نفع بالنسبة لبرنامجي إيران النووي والبالستي، أي أنه اعتمد سياسة العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية على إيران، في وقت استمرت فيه الأخيرة بعمليات تخصيب اليورانيوم من أجل صنع قنبلتها النووية.
إذاً يمكن القول إن سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب مقلقة لحلفاء وأصدقاء بلاده، وهذا ما جعلهم يبحثون عن توازنات سياسية دولية جديدة، مثل العلاقة مع الصين أو توسيع العلاقات مع روسيا البوتينية.
بالنسبة للرئيس جو بايدن، فهو حين انتخب في عام 2020، حدثت بلبلة حول عملية انتخابه، فهذا الرجل العجوز كان يعاني من تراجع في قدراته الفكرية والجسدية، وسياسته الخارجية لم تكن في أي لحظة إلا امتداداً لسياسة الرئيس أوباما، حيث كان بايدن نائباً له.
كان المطلوب من بايدن استعادة الهيبة الأمريكية عالمياً، هذه الهيبة أضعفتها سياسة ترامب المزاجية والارتجالية أحياناً، كذلك كان المطلوب منه تحسين الوضع الداخلي في الولايات المتحدة خصوصاً في ظل انتشار فيروس كوفيد19، أي ما يسمى (كورونا)، حيث فشل في السيطرة على المرض، وتضاعف عدد ضحايا هذا الفيروس.
وبايدن الذي أهمل الملف السوري، ولم يوله الاهتمام الذي يستحقه، خصوصاً بالعمل على إسقاط نظام الإبادة الأسدي، وجد نفسه بمواجهة مع روسيا التي شنّت حرباً على أوكرانيا المسالمة، فبوتين الذي لم تردعه أمريكا في سورية، استفاد من عدم الردع فهاجم أوكرانيا بدون رحمة.
أما وعود بايدن لناخبيه بانتعاش اقتصادي أمريكي فقد ثبت أن التضخم الاقتصادي بدأ يلتهم قدرات المواطن الأمريكي المالية، وهو ما قال فيه بايدن (التضخم يسبب الألم في أمريكا).
أما جهود بايدن لإعادة إيران إلى مربع الاتفاق النووي فقد كانت فاشلة، وهو لا يزال يستخدم مبدأ الجزرة أولاً والعصا ثانياً إذا استلزم الأمر.
إن المنافسة المحتملة على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بين عجوزين هما (ترامب وبايدن) هي منافسة لن تخدم استراتيجيات أمريكا في ظل تغيّر موازين القوى الدولية، وهذا سيزيد من الأضرار التي ستلحق بمصالح الدولة الأعظم في العالم (أمريكا). فهذه المنافسة ستعيد إنتاج الخيبة الأمريكية على مستويات تحسين الوضع الاقتصادي الأمريكي، وتعيد إنتاج الخلل المزمن في السياسات الخارجية المنحازة لإسرائيل على حساب شعوب المنطقة وأنظمتها.
إن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد حرب إسرائيل على شعب غزّة، وقيامها بتدمير بيوت السكان المدنيين، وتدمير البنى التحتية في القطاع المنكوب، لم تتمكن قيادة بايدن في اكتشاف أن عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بقيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية هو من يقف خلف هذا التطرف، وهو من يأتي بتمكين اليمين المتطرف في إسرائيل أو غزة.
المصالح الأمريكية في العالم تحتاج من الحكومة القادمة إلى البيت الأبيض في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادم رؤية متوازنة وحلولاً أكثر إنصافاً، فحومتا ترامب وبايدن لم تنصفا الشعب السوري، وتراجعت القضية السورية في ظلهما إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة.
فهل سيستطيع الحزبان الجمهوري والديمقراطي بتقديم مرشحين للرئاسة بصورة تنفع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل سيستبدل الحزب الديمقراطي مرشحاً قوياً وليس عجوزاً مقارنة ببايدن العجوز؟.
وهل سيتمكن مرشح جمهوري آخر غير ترامب التنافس على مقعد رئاسة أمريكا؟.
الاختيار للناخب الأمريكي ولسطوة الإعلام، فهل سيصل إلى البيت الأبيض رئيسٌ أمريكي قوي يحترم كفاح الشعوب من أجل حرياتها وكرامتها، أم أن قدر تلك الشعوب مزيداً من الإحباط واليأس وتراجع قيم حقوق الإنسان. أمريكا بحاجة لرئيس يعيد لها مكانتها بالدفاع عن حقوق الإنسان ونشر قيم الحرية فهل سيصل إلى البيت الأبيض رئيسٌ يحمل على كاهله بناء مجتمع دولي أكثر توازناً وتطوراً وديمقراطية؟ الشعوب تنتظر ذلك.