انطلاقة حركة التحرير والبناء
بعد محادثات استمرت وقتاً طويلاً أقدمت فرقة أحرار الشرقية ومعها ثلاثة فصائل عسكرية هي جيش الشرقية والفرقة العشرون ولواء صقور الشام “قطاع الشمال” والتي تنحدر غالبيتها من محافظات المنطقة الشرقية في سورية إضافة إلى منطقة القلمون وسط البلاد. على الانخراط بتأسيس (حركة التحرير والبناء)، التي تتبع إدارياً للفيلق الأول التابع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة. وشغل فيها أبو حاتم شقرا منصب نائب القائد العام للحركة. وقد تركزت أهداف التشكيل العسكري الجديد على تعاهد بين قادة وأبناء الفصائل المذكورة لتحقيق ما يلي:
الثبات على مبادئ الثورة السورية، والتمسك بأهدافها لإسقاط نظام الإبادة والإجرام، والخلاص من آثاره المدمّرة على الشعب السوري، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية أرضاً وشعباً، والحفاظ على مكوناته ومنع التغيير الديمغرافي.
وجاء في التعهد التأكيد على أن الفصائل المذكورة هم حماة لهذا الشعب الكريم، وأنهم خادمون له، وإن التشكيل العسكري الجديد سيساهم بإقامة نظام عادل يصون حرية المواطنين وكرامتهم أساسه الحكم الرشيد، كما سيعمل على استقرار الوضع الأمني في المناطق المحررة، ويساعد في تحسين سبل العيش الكريم للمواطنين السوريين في أماكن تواجد الفصائل المذكورة، ويعمل على إقامة أوثق علاقات مع قبائل وعشائر ومكونات المناطق المحررة من عرب وكرد وتركمان الخ.
إن انطلاقة حركة التحرير والبناء أتاحت لفرقة أحرار الشرقية مزيداً من العمل الدؤوب لتحقيق أهداف الثورة السورية بما بخص تحرير الأراضي السورية من الاحتلالات المختلفة وفي مقدمتها الخلاص من الاحتلال الإيراني الذي يشكّل خطراً على وحدة الشعب السوري واستقلال دولته.
شرق سورية عمق “أحرار الشرقية الحيوي”
حين تشكّلت فرقة أحرار الشرقية عام 2016 كان غالبية مقاتلي الفرقة ينحدرون من المناطق الشرقية في سورية بمحافظاتها الثلاث (دير الزور والرقة والحسكة)، وهذا يعني أن هذه الفرقة تشكّلت لتعبّر عن مصالح هذه المنطقة الهامة من سورية، والتي كانت مهملة، وخضعت للاحتلالات سواء الاحتلال الإيراني عبر ميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني، أو لميليشيات أسدية أو كردية تابعة لحزب إرهابي هو حزب العمال الكردستاني (PPK)، الذي ينحدر من أكراد تركيا، ويقوم بأعمال إرهابية ضد الأمن القومي التركي تحت شعار بناء دولة كردية على أراضي أربع دولٍ هي “تركيا، سورية، العراق، إيران”.
إن مقاومة قوات الاحتلال المختلفة تحتاج إلى ارتباط وثيق بين عشائر وسكان المحافظات الثلاث وفرقة أحرار الشرقية، وهذا كان محور اهتمام عميق لدى قيادة الفرقة، ولا سيما قائدها أبو حاتم شقرا، الذي يعرف ويعي أهمية هذا الارتباط من أجل تحريرها ثم وضع خطط تنميتها الشاملة موضع التنفيذ بالتوافق السياسي مع الدولة السورية الجديدة بعد زوال نظام الاستبداد.
إن تغيير البنى الاجتماعية عبر وضع برامج لتطويرها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً، يحتاج إلى رؤى استراتيجية تشتق من حركة الواقع الملموس، هذه الرؤى لا يمكن تحقيقها بدون ذراع سياسية دينامية، ليست إيديولوجية أو عقائدية، فالأخيرة تغلق باب الواقع على مقاسها وهذا موقف لا يخدم التطور الإنساني على صعده التي ذكرناها.
إن فهم الواقع يحتاج إلى منهج تحليلي علمي صارم، ولعلّ ذلك هو ما دفع قائد أحرار الشرقية أبو حاتم شقرا إلى دراسة العلوم السياسية في جامعة ماردين التركية، حيث أدرك أبو حاتم أن الحرب هي سياسة بطريقة أخرى، وتحتاج إلى رؤى استراتيجية من أجل أن تكون ذات بعدٍ تحريري للبلاد والعباد.
هذه الرؤية هي من تدفع باتجاه بناء ذراعٍ سياسية (حزب أو تيار سياسي)، وهذا يتطلب وجود فهم عميق لطبيعة الواقع وتعقيداته، ووضع برنامج أولويات أساسية من أجل أن يحدث تغيير باتجاه تطوير البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي بدون تطورها يدخل المجتمع في نفق عجزه البنيوي عن مواكبة التطور البشري العام.
إن التركيز على مفهوم الشرقية بالمعنى الفكري سيجعل من هذه المنطقة مجالاً حيوياً لفعل تطوير وتغيير عميقين، لا يستطيع القيام بهما من كان لا يدرك بنية هذه القبائل والعشائر وحاجات تطورها الإنساني الطبيعي.
ولعل التفاوت التطوري بين مناطق سورية هو أحد العوامل التي يجب أن تؤخذ بالحسبان في بناء الدولة الجديدة وتطورها، وهو أمرٌ يحتاج العمل عليه، لردم هوّة فرق التطور بين المنطقة الشرقية المهملة تاريخياً والمدن المحافظات الأكبر كدمشق وحلب، وحمص، واللاذقية، وحماة.
التطوير مطلوب في هذه المناطق، وهو دافع لتشكيل تيار سياسي أو حزب سياسي يشتغل على ردم الهوة فرق التطورية، وهو ما تراه أحرار الشرقية ببعدها الفكري النظري/السياسي، والذي إذا تمّ الشغل عليه سيكون هناك تواصل بين فرقة أحرار الشرقية خلايا سياسية تتشكل في مناطق الشرقية أولاً وفي مناطق سورية الأخرى ثانياً. فهل ستشتغل فرقة أحرار الشرقية على هذا الأمر بصورة متزامنة مع تطوير نفسها كذراعٍ عسكرية متطورة فعلياً؟
الواقع يحتاج هذا الأمر ويجب العمل بشكلٍ دؤوب على ذلك.