fbpx

‎انتفاضة السويداء من سلطان باشا الأطرش إلى سليمان الوحش، ونهاية النظام الأسدي

0 545

‎جماهير محافظة السويداء التي هتفت بصوت عالٍ “الشعب يريد إسقاط النظام”، كانت تهتف ضد نظام حكمٍ فاسد متوحش، يحكم البلاد بغير شرعية شعبية حقيقية، وفوق كل ذلك أوصل البلاد بعد حربه على الشعب السوري إلى حافة المجاعة والعوز.

‎نظام أسد المتوحش هو نظام يتغلغل فساده ونهبه لمقدرات الشعب في كل مفاصل حياة السوريين، فكلّ شيء لديه قابل للبيع والشراء والمساومة والاحتكار والنهب، فهو نظام لم يؤتمن على استقلال البلاد وحرية العباد، بل إنه انتهكهما بفظاظة ووحشية قلّ مثيلها في عصرنا على المستوى العالمي.

‎جماهير محافظة السويداء تعرف تماماً مراكز تحكم النظام بحياة الناس، فمقر محافظة السويداء ليس مقرّاً مدنيّاً، بل هو عبارة عن فرع أمن يتحكم بقوة السلاح بقضايا الشعب وحقوقه، وهذا هو ما دفع الناس لاقتحام هذا الوكر الفاسد وحرقه، فهذا الوكر القذر ليس منشأة عامة، بل أداة من أدوات القهر والفتك والنهب والفساد يمارس عبرها النظام ظلمه العلني.

‎السويداء، لا بل معظم سوريا المسيطر عليها من قبل نظام اسد، بلا مازوت، وبلا طحين وبلا مواصلات، باختصار السويداء بلا حياة حقيقية، وهو أمر دفع الناس إلى الشوارع لكنس عملاء النظام وأدواته في هذه المحافظة الأبية.

‎السويداء لم تتخل عن انتمائها الوطني السوري في أي يوم من الأيام، حتى مع انفجار الثورة السورية عام 2011، فلقد أيدت الثورة ودعمتها، ورفضت أن يحمل أبناؤها السلاح بوجه أخوتهم السوريين، ولهذا اشتبكوا مع النظام مراراً، مما دفع رجال السويداء إلى تشكيل حركة قوات الكرامة التي قادها الشهيد وحيد البلعوس.

‎السويداء تعرّضت لتهديد النظام مراراً، فكان ينقل بحافلاته عصابات ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ويضعهم على تخوم السويداء بسلاحهم، ليفتكوا ويطوعوا أهل هذه المحافظة، التي رفضت الانضمام إلى حربه ضد السوريين.

‎النظام عمل على معاقبة أهالي السويداء فمنع عنهم مستحقات الحياة اليومية من المحروقات، ليجبرهم على الانصياع لحكمه الظالم، وهو سبب كافٍ لانفجار انتفاضة السويداء الأخيرة.

‎السوريون الذين يعيشون تحت هيمنة نظام أسد المتوحش باتوا يدركون أن النظام وميليشياته يعملون بأقصى ما يمكن على نهب السوريين والتحكّم بمقدرات معيشتهم اليومية، حيث ارتفعت أسعار السلع بمقدار مئات المرات قياساً على أسعار السلع قبل الثورة بقليل، في حين ارتفعت الأجور بما لا يزيد عن عشرة أضعاف في أحسن الأحوال، وهذا يعني أن الراتب الشهري المتوسط الذي كان يكفي نوعاً ما لحياة الأسرة، بات لا يكفيها في أحسن تقدير لمدة أسبوع واحد.

‎تجويع السوريين الغاية منه إذلالهم أولاً، والادعاء أمام المجتمع الدولي أن أوضاع السوريين المعاشية السيّئة يقف خلفها عقوبات دولية بحق النظام، وهذه كذبة حقيرة، فأوضاع الناس المعاشية التي وصلت حدّ المجاعة سببها حرب النظام على السوريين، وتدمير مؤسساتهم وشركاتهم والبنى التحتية للاقتصاد في الزراعة والصناعة والخدمات.

‎تجويع السوريين لعبة قذرة يمارسها النظام بحق من يحكمهم بالقوة، وهو يمارسها مع غياب الدعم الروسي والإيراني عنه، بسبب ما يعانيه حليفاه من اضطرابات داخلية في إيران، وحربٍ ظالمة افتعلها الديكتاتور الروسي بوتين ضد شعبٍ آمنٍ هو الشعب الأوكراني.

‎المجتمع الدولي والدول المانحة تدرك قذارة لعبة النظام، ولهذا، لا تقبل الانصياع للابتزاز الروسي، بدخول المساعدات الإنسانية الخاصة بالشعب السوري في أنحاء سوريا عن طريق منافذ حدودية يتحكم بها النظام، لأنها تدرك أن هذه المساعدات سيتبخر أغلبها نتيجة نهب النظام لها، لاستخدامها كعامل ابتزاز ضد قوى الثورة والمعارضة، أو لبيعها من قبله لتمويل عملياته العسكرية ضد الشعب السوري.

‎تجويع السوريين هو الذي جعلهم يحسّون بأن كرامتهم تُداس وتُذلُ من قبل مافيا النظام المتوحش المتحكم بلقمة عيش الشعب السوري، وهذا أساس في انتفاضة السويداء، وفي مظاهرات اللاذقية التي رفع المتظاهرون فيها أرغفة الخبز، ليقولوا للعالم أجمع أن النظام هو من يجوّعهم ويُذلهم، ولا يهتم لحياتهم، بل لبقاء نهبه وسيطرته على البلاد والعباد.

‎إن انتفاضة السويداء مؤشر حيوي على فقد السوريين لصبرهم على نظام لا يمتثل لأي قرار دولي بالتغيير السياسي في البلاد، ولهذا رفع متظاهرو السويداء شعار الثورة السورية الأثير (الشعب يريد إسقاط النظام).

‎إسقاط النظام بات شعاراً غير كافٍ لاستعادة الحقوق المهدورة والمنتهكة للسوريين، ولهذا يجب المطالبة علناً في الداخل عبر التظاهرات والاحتجاجات بمحاسبة مجرمي النظام، الذين قتلوا السوريين بالبراميل المتفجرة وبقصف الطائرات الحربية وباجتياح المدن.

إن إطلاق شبيحة النظام النار عشوائياً – كالعادة – على أهل السويداء البارحة تدلل على جبن النظام وإفلاسه.

إفلاس هذا النظام وصل لدرجه الشح في تبرير إجرامه، فشبيحته وأزلامه لم يعد لديهم سوى توجيهه تهم التخوين والعمالة لإسرائيل وأمريكا متناسين أن جد زعيمهم سليمان الأسد أو من كان يلقب بـ سليمان الوحش، كان قد طالب بعريضة مقدمة لسلطة الانتداب الفرنسي، وهي محفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية تحت رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936 بعدم إنهاء الانتداب الفرنسي والدعوة إلى فصل الساحل السوري، وتباكى على حال اليهود المهاجرين إلى فلسطين ودافع عنهم. ومتناسين أيضاً أن ابن خال زعيمهم طالب إسرائيل بالتوسط للنظام لدى المحافل الدولية عندما أشار إلى أن أمن النظام من أمن إسرائيل.

وتناسوا أيضاً ما نشر عن محاولات تودد النظام لإسرائيل في عام 2019 لتوقيع سلام يتنازل فيه عن الجولان أو يؤجره مقابل إعادة تأهيله في المحافل الدولية، والاعتراف فيه كنظام شرعي دولياً.

إن تهم التخوين والعمالة لإسرائيل أصبحت بالية، وخدعة لا تنطلي على الشعب السوري.

وإذا أردنا الإشارة إليها فهي مثبته بالأدلة ضد النظام الأسدي وليس ضد من ثار ويثور عليه.

إن عدم محاسبة مجرمي الحرب في سوريا في الهيئات الدولية ومحاكمها، وعدم محاكمة من نهب قوت الشعب وتاجر به هو تخلٍ عن حقوق مثبتة لا يقبلها شرع دولي أو ديني.

‎إن انتفاضة السويداء هي الخطوة الأولى بتشقق آخر جدران النظام الأسدي المتوحش، والذي على ما يبدو لن يستطيع حليفاه أن يحميانه من سقوطه المحتّم، ولن يستطيع تجاوز مأزقه الأخير بعد أمله الميؤوس منه في الاستمرار في استعباد السوريين، سيما وأن حاضنته الطائفية بدأت بالاحتجاج على جوعها وفقرها المدقع وانهيار بناها الاجتماعية.

‎السوريون ينتظرون لحظة سقوط نظام أسد المتوحش، ليعلنوا بدء دورة الحياة السورية من جديد، الحياة التي تحكمها حقوق وواجبات متساوية لكل المكونات السورية، في ظلَ دولة ديمقراطية تحكمها مؤسسات منتخبة وليس أفرع الأمن والعسكر.

 السوريون لن يكلوا أو يستكينوا حتى إسقاط نظام بشار المتوحش حفيد سليمان الوحش، فها هي السويداء البطلة، قلب الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، التي أنجبت بطلها سلطان باشا الأطرش تنتفض.

فشتان ما بين سلطان السويداء الذي طالب بإنهاء الانتداب الفرنسي وباستقلال ووحدة سوريا الأم، وبين سليمان القرداحة الذي طالب باستمرار انتداب المحتل الفرنسي ومانع الاستقلال ودعا لفصل الساحل السوري عن الوطن السوري الأم وتباكى على حال اليهود المحتلين في فلسطين.

فنظام أسد مكانه المزبلة كما قالها أبطال السويداء، فمهما طال الزمن، هو ساقط، وسيتم جلبه للعدالة، وبشار أسد نفسه لن يفلت من العقاب، فقدره قد حدد بالحجم الهائل من المجازر الشنيعة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها.   

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني