انتخابات الدم
الانتخابات التي يروج لها النظام بنصف شعب رد عليها المجتمع الغربي عموماً والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص بأنها غير شرعية.
لقد تفرغ نظام بشار الأسد برمته للترويج لإعادة تدوير القائد الوحيد الأوحد الذي لا يرتقي غيره إلى مستوى تأمين الحدود مع إسرائيل بهذه الطريقة الاحترافية من ضبط الجبهة مع فلسطين والجولان دون أن يتمكن أي كان من إطلاق طلقة واحدة في هذا الاتجاه، ودون أن يرتقي غيره إلى مستوى إفقار شعب يعيش على أغنى أرض، حيث تذهب خيرات البلاد إلى الآخرين مقابل حماية كرسي حكمه وهذا كان قبل ثورة الكرامة وليس فقط الآن.
فالنظام الدكتاتوري المتسلط كان يعلم أن ساعة الحقيقة لانتفاضة الشعب في وجهه قادمة لا محالة لذلك عاش على الفساد وعلى سرقة أموال الدولة والشعب وتحويل ما أمكنه منها إلى حسابه في بنوك الخارج والقسم الآخر لحلفائه الذين سيتدخلون لحمايته من هذه الساعة التي كان ينتظرها.
الماكينة الإعلامية للنظام مفرغة اليوم لتلميع صورة مجرم قاتل تلطخت يداه بدم أكثر من مليون إنسان سوري، إذ لم يترك وسيلة أو أداة إجرام إلا واستخدمها لإركاع هذا الشعب الذي ثار مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بدءاً من سلاح الحصار والتجويع مروراً بقصف المدن والقرى بالمدفعية والصواريخ والدبابات، وبإلقاء البراميل المتفجرة فوق السكان الآمنين، وصولاً إلى استخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً، وسلاح النابالم الحارق، وحرق المحاصيل الزراعية، واقتلاع الأشجار، وسرقة وتعفيش البيوت، فضلاً عن القتل تحت التعذيب في زنازين الإجرام حيث تم توثيق أكثر من خمسين ألف حالة وصلت إلى المجتمع الدولي عبر ما سمي (صور قيصر) الذي صدر لاحقاً كعقوبات أميركية على النظام باسم هذا المصور البطل الذي غامر بحياته ليوثق جزءاً من هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية.
في الحقيقة إذا أردنا سرد ما ارتكبه النظام من فظائع فإننا سنحتاج إلى مجلدات.
وبعد كل ما فعله بشار الأسد، وبعد أن سلم البلد للاحتلال المزدوج (الروسي والإيراني) يريد أن يبقى رئيساً إلى أن يسلم العهدة إلى حافظ الثاني بدعم من هؤلاء المحتلين!
ففي إطار الترويج لانتخابات بشار لولاية رابعة وبعد أن تم الإعلان عن ذلك عبر وزير خارجية النظام فيصل المقداد الذي قال إن انتخابات الرئاسة سوف تجري في موعدها ووفق دستور 2012 يكون النظام قد أطلق رصاصة الرحمة على مخرجات عمل اللجان الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة قبل أن تولد وتبصر النور، وبالتالي فإن المتجمع الدولي أمام تحد واختبار حقيقيين فإما نزع الشرعية عن النظام وعن انتخاباته بالأفعال وليس بالأقوال وإما إنهاء مسرحية اللجان الدستورية، ومعها إنهاء دور الوسيط الدولي رقم 4 (كير بيدرسون) بعد لجنة الدابي والإبراهيمي وديمستورا التي أفضت جميعاً إلى لا شيء.
لقد قام النظام فعلاً بالتحشيد وبالتجييش استعداداً لإعادة تدوير بشار الأسد وفي هذا الإطار قام وزير الإعلام في حكومة الأسد، عماد سارة، بإصدار تعميم داخلي بضرورة وضع خطط تغطية “على مراحل”، تتعلق جميعها بانتخابات أبريل المقبل، على أن يتم البدء بها بين شهري فبراير ومارس المقبلين، كما قام بشار الأسد باستدعاء مجموعة من الإعلاميين المقربين منه ليلقنهم الخطوط العريضة لما يجب أن يفعلوه بقوله (إن عليهم الاستعداد للجهاد الأكبر) باعتبار أن الانتخابات هذه المرة ستكون مختلفة كلياً عن سابقاتها إذ إن النظام اليوم يغرق بانهيار اقتصادي غير مسبوق على وقع العقوبات الاقتصادية الأميركية عليه، وهو عاجز عن تأمين أدنى مقومات الحياة لمن يعيش في مناطق نفوذه، وقد بدأ عدد لابأس به منهم بالحراك علناً ضده، فضلاً عن أن أكثر من نصف سكان سوريا يعيشون خارج قبضة الرقيب الأمني على صناديق الاقتراع في حال تم دعوة هؤلاء للإدلاء بأصواتهم.
أيضاً التحدي الأخطر للنظام هو الرفض المسبق للاعتراف بالانتخابات من أساسها طالما لم يطبق القرار الدولي 2254 الذي ينص على سلال أربع منها الانتقال السياسي عبر حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وقد تابعنا أهم التصريحات بهذا الخصوص الصادرة عن المندوبة الأميركية في مجلس الأمن الدولي (كيلي كرافت) التي أكدت على أن أية انتخابات سوف يجريها نظام الأسد وفقاً للدستور السوري الحالي لن تحظى بالشرعية من قبل الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي.
أيضاً بريطانيا أكدت عدم اعترافها بأية انتخابات في سوريا دون إقرار دستور جديد، حيث قال سفيرها في الأمم المتحدة “جوناثان آلن”، إنه بدون دستور جديد لن يكون بالإمكان إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشمل السوريين كافة، بمن فيهم الموجودون في الشتات بموجب قرار مجلس الأمن 2254.
وأضاف “آلن” خلال جلسة إحاطة بمجلس الأمن، إن خطط إجراء انتخابات في سوريا وفقاً للدستور القديم سوف “تتعارض” مع العملية السياسية، مشيراً إلى أن بريطانيا “لن تعترف بأية انتخابات لا تكون حرة ونزيهة”.
وبالتالي نحن اليوم أمام الكثير من التساؤلات وأهمها:
هل هذه التصريحات سوف تترجم إلى خطوات عملية أم أنها ستبقى تصريحات نارية في اللسان وصفر في الميزان؟؟؟
وهل سيترك المجتمع الدولي أكثر من 12 مليون مهجر محرومين من حقهم في التصويت ليساق المحتجزون بلقمة أطفالهم في مناطق النظام إلى البصمة بالدم لجلادهم تحت أعين الرقيب الأمني في مسرحية الانتخابات المفترضة، أم سيكون للمجتمع الدولي قول آخر؟
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”