الهوية السورية
يسألونك عن مشكلة الهوية في سوريا اﻵن قل إنها كشفت عن وجهها المحجوب اﻵن.
الهوية شعور بالانتماء لا يظهر إﻻ إذا أحس المرء بخطر عليها. إني اﻵن لا أتحدث عن هوية الفرد التي يصنعها بنفسه بل هوية الانتماء للجماعة.
ونشوء الهوية السورية حديث نسبياً وذلك بعد أن أخذت هذه المنطقة الجغرافية اسم سوريا في إطار الدولة.
من يومها أي منذ أن حدد الاستعمار الفرنسي حدودها وحتى اليوم والهوية السورية تعاني من عوامل كابحة لوجودها وكان العامل الأكبر لكبحها هو النظام السياسي الذي نشأ بعد 1970.
فسوريا بالأصل وطن هويات متعددة متصالحة هويات اثنيه وطائفية وعشائرية ومناطقية هويات متعايشة دون أي نوع من أنواع النفي،بل ومتداخله داخل الجماعات المختلفة فالفرد لا يجد حرجاً بالقول إنه عربي سوري سني دمشقي أو حلبي أو عربي سوري علوي أو درزي.. وكل هذه الصفات هي تعبير عن هويات متداخلة، كان من السهل على السوري أن يعلن عن هويته العربية على أنها الأساسية وينحي الهويات الأخرى جانباً دون أن يلغيها من وجوده.
كان مشروع الدولة الوطنية قائماً على تأكيد الهوية السورية وهي غير أيديولوجية لأنها هوية الدولة، فيما نزع البعث والقوميون العرب إلى تأكيد هوية قومية خارج جنسية الدولة، نزع الإخوان المسلمون إلى إبراز الهوية الإسلامية، وعندي أن عدم انتصار الهوية السورية بوصفها هوية الدولة قد أخّر عملية الاندماج الهوياتي.
كان الحدث الأخطر في تاريخ سوريا عندما شرع النظام بعد 1970 بطبع هوية السلطة بالطابع الطائفي وإلغاء حال الدولة لصالح حال السلطة. ومع تغول السلطة وتهميش المجتمع تهميشاً كلياً تحطمت الهوية السورية واستيقظت كل الهويات النائمة علناً أو سراً.
ولأول مرة في تاريخ سورية استيقظت الهوية السنية بوصفها هوية أكثرية تشعر بظلم وتهميش، ومعها راحت الجماعات الطائفية الأخرى تتقوقع حول ذاتها.
لم ينتبه النظام إلى خطورة ما قام به غير مكترث بتحطيم الهوية السورية.
وما إن اندلعت شرارة الثورة حتى راحت كل هوية تعبر عن ذاتها بهذا الشكل أو ذاك، وحدها القوى الحية أعلنت الهوية السورية هوية جامعة وفي تناقض مع هويات أصولية متخلفة من كل الأنواع، وعبرت عن نفسها بالمليشيات التي نبعت من كل بقاع التخلف الإيراني واللبناني والعراقي والأفغاني والشامي.
دون قيام هوية الدولة على أنقاض هوية السلطة لا أمل في الخلاص لأن انتصار هوية الدولة مقدمة ضرورية لانتصار هوية الذات في حقل الحرية.