النيجر ترغم أميركا على الرحيل عن غرب إفريقيا.. روسيا تملأ الفراغ
غطت الأحداث الساخنة بالشرق الأوسط على القرار الصادم الذي اتخذته النيجر بإنهاء تعاونها العسكري مع أميركا حيث اعتبره الكثير من المراقبين إذلالا غير مسبوق لأميركا من طرف دولة ضعيفة في غرب إفريقيا، فيما أكد آخرون أن القرار جاء كنتيجة طبيعية للتقارب بين النيجر وكل من روسيا وإيران خاصة بعد الأنباء التي أكدت أن النيجر ستزود إيران باليورانيوم.
منذ أن أنهى المجلس العسكري الحاكم في النيجر تعاونه مع الجيش الأميركي بوقف العمل باتفاقية التعاون العسكري التي تربط البلدين منذ 2012، باعتبارها “غير قانونية” وتم “فرضها من جانب واحد”، خرجت عشرات المظاهرات بشكل يومي في النيجر للتأكيد على أن رحيل القوات الأميركية أصبح مطلبا شعبيا، وشارك في المظاهرات شخصيات سياسية ودينية وحقوقية إضافة إلى كبار قادة المجلس العسكري بهدف الضغط على القوات الأميركية المتواجدة شمال البلاد من أجل تسريع خروجها.
وتزامنت المظاهرات مع تلقي النيجر أول دفعة من المعدات العسكرية الروسية التي تم الاتفاق عليها كجزء من التعاون الأمني الجديد مع موسكو، وقبل ذلك وصل نحو 100 مدرب روسي إلى نيامي للمشاركة في تدريب قوات النيجر التي تعاني من توالي هجمات دامية تنفذها جماعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” غرب البلاد، وجماعة بوكو حرام في الجنوب الشرقي.
موافقة على مضض
استجابة لهذه الضغوط بدأت الولايات المتحدة محادثات مع النيجر لمناقشة انسحاب قواتها المنتشرة هناك، وأكدت أنها سترسل وفدا إلى نيامي للاتفاق على تفاصيل هذا الانسحاب.
وقال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر: “يمكننا أن نؤكد بدء المناقشات بين الولايات المتحدة والنيجر بشأن الانسحاب المنظم للقوات الأميركية”، وأضاف أن “وفدا صغيرا من البنتاغون والقيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا” يشارك في المناقشات.
وأوضح أن الولايات المتحدة “ستواصل استكشاف الخيارات الممكنة للتأكد من أننا قادرون دائما على مواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة”.
وتمتلك الولايات المتحدة قاعدة كبيرة للطائرات بدون طيار بالقرب من أغاديز، تكلّف إنشاؤها 100 مليون دولار.
وبعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس النيجري محمد بازوم نهاية يوليو/تموز الماضي، سارع النظام العسكري الجديد إلى المطالبة برحيل الجنود من القوة الاستعمارية السابقة فرنسا والاقتراب من روسيا، مثلما فعلت مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابي عامي 2020 و2022، ومنذ ذلك الوقت والنيجر تحاول الاستفادة من الوجود العسكري الأميركي بالضغط على واشنطن للاعتراف بالحكم العسكري.
إذلال أم ضغط روسي؟
يبدو أن قرار النيجر فاجأ أميركا التي كانت تراهن على استمرار تعاونها العسكري مع نيامي حتى بعد الانقلاب من أجل الاحتفاظ بقاعدة أغاديز الجوية شمال البلاد، والتي تستخدمها القوات الأميركية لمراقبة منطقة الساحل وشمال إفريقيا وبشكل خاص لمراقبة التحركات في ليبيا.
ولعل المفارقة التي أثارت اهتمام المراقبين أن قرار النيجر جاء مباشرة بعد زيارة قام بها وفد أميركي هام برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية مولي فيي استمرت ثلاثة أيام، وفي هذا الصدد قال الباحث النيجري محمد داي إن الوفد لم يتمكن من لقاء رئيس المجلس العسكري عبد الرحمن تياني، لأن العسكر كانوا غاضبين من طريقة تصرف الوفد الأميركي ونددوا في بيان بعدم احترام الوفد للممارسات الدبلوماسية، كما نددوا بما وصفوه بالموقف المتعالي الذي من شأنه أن يقوض طبيعة العلاقات بين البلدين، ثم بعدها جاء القرار باعتبار الوجود العسكري الأميركي في النيجر غير قانوني..”.
ويشير الباحث في حديثه لـ “العربية.نت” إلى أن أخطاء الوفد الأميركي ليست هي السبب الحقيقي وراء القرار لكنها كانت السبب المباشر له، ويضيف أن “العسكر كانوا يأملون أن يأتي الوفد لمناقشة أمور تهم التعاون كالاعتراف بالحكم العسكري وتكثيف التعاون لكن حين لم يحدث ذلك، ولم يكن ضمن أعضاء الوفد ولا في برنامج المحادثات ما يرغب به العسكر، ولذا تقرر إنهاء الوجود العسكري الأميركي بالنيجر”.
وكانت واشنطن قد علقت تعاونها مع النيجر بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في يوليو/تموز الماضي، كما أنها لا تنفك عن اتهام النيجر بالسعي لتزويد إيران باليورانيوم.
بعد فرنسا جاء الدور على أميركا
منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب في 26 يوليو/تموز 2023، أعطى المجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني أولوية لمسألة مراجعة اتفاقيات التعاون العسكري مع عدة دول حيث أنهى تعاون بلاده مع فرنسا وغادر آخر الجنود الفرنسيين النيجر في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث محمد داي: “بعد الفرنسيين جاء الدور على الأميركيين، فالمجلس العسكري يدرك أهمية موقع النيجر وكيف كان التنافس بين أميركا وفرنسا للسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، الغنية بالثروات الطبيعية كالمعادن والنفط واليورانيوم والتي كان بالأساس تابعة للنفوذ الفرنسي، لكن أميركا تمكنت من الدخول بقوة للمنطقة عام 2012 بدعوى مكافحة الإرهاب”.
ويشير إلى أن أميركا كانت تسعى إلى وأد الحركات الإرهابية وحصار المد المتطرف في الشمال الإفريقي، لكن الانقلاب العسكري ودخول روسيا المنطقة أثر على أهدافها، ويقول: “تعتبر النيجر حلقة وصل مهمة في الحرب ضد الإرهاب بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا، لذلك فهي تعد الموطن الثاني لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في إفريقيا بعد قاعدة جيبوتي. ومنذ إنشاء قاعدة أغاديز تم تنفيذ مئات الغارات بطائرات بدون طيار استهدفت تنظيمات القاعدة وداعش في منطقة الساحل وليبيا”.
ويؤكد الباحث أن تعنت أميركا في مسألة سحب جنودها من النيجر، مردّه ليس فقط أهمية قاعدتها العسكرية هناك وأهمية موقع النيجر بل أيضا لأن انسحابها سيؤدي إلى فتح الطريق أمام روسيا ومجموعة فاغنر لملأ الفراغ في النيجر ومنطقة غرب إفريقيا ككل.
6 آلاف جندي أميركي
وفقا لتقرير حديث صادر عن مكتب المفتش العام في البنتاغون، فإن “التهديد الإرهابي في إفريقيا مستمر ويتزايد في بعض المناطق”. وينتشر حاليا حوالي 6000 جندي أميركي في إفريقيا.
وأنشأت الولايات المتحدة قاعدة أغاديز الجوية في شمال النيجر بتكلفة 110 ملايين دولار من أجل تحليق طائرات المراقبة بدون طيار فوق غرب ووسط إفريقيا، وقد ساعد عمل القاعدة لوكالة المخابرات المركزية بتعقب الإرهابيين في منطقة الساحل وضمان المراقبة على مستوى دول شمال إفريقيا، وخاصة ليبيا.
ويبلغ تعداد جنود القاعدة نحو 1100 جندي أميركي يشاركون في عمليات خاصة ضد الجماعات الإرهابية، وفقدت أميركا 4 جنود من العاملين بالقاعدة العسكرية في النيجر عام 2017.
المصدر: العربية