fbpx

الميثاق الوطني بين النظرية والتطبيق

0 470

انعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن الجمعة والسبت التاسع والعاشر من أيلول 2022 مؤتمر الميثاق الوطني السوري بحضور مجموعة من السوريين الأمريكيين للتوافق على ميثاق وطني سوري ديمقراطي لسورية حرة ديمقراطية على أساس المواطنة وسيادة القانون، وقد خلص المؤتمر إلى إقرار عدة مبادئ يقوم عليها هذا الميثاق منها:

  • حيادية الدولة تجاه كل المكونات والجماعات والأفراد على اختلاف انتماءاتهم الاثنية أو القبيلية أو العرقية أو القومية أو أي انتماء آخر.
  • ضمان الحريات الدينية واستقلالية المؤسسات الدينية عن الدولة واستقلالية مؤسسات الدولة عن الدين.
  • يتمتع الأشخاص المولودون لأبٍ سوريٍ أو لأم سورية أو مولودون على الأراضي السورية بالجنسية السورية وبحقوق المواطنة كاملة ولهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات، ولا يُحرم أي مواطنٍ من حقوقه بسبب العرق أو الدين أو مكان الولادة أو القومية أو اللغة.

بدايةً أود التنويه بأني لن أدخل في خلفيات المؤتمرين السياسية أو الأيديولوجية، ولا في النظريات الفلسفية والسياسية المتعلقة بنشوء الدول وأشكالها ولا بنظم الحكم، وسأقتصر على مناقشة المبادئ الثلاثة المذكورة أعلاه من زاوية قانونية بحتة، ورأيي فيها مجرد اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، لذا فهو قابل للأخذ والرد بكل صدر رحب.

أولاً: فيما يتعلق بمبدأ حيادية الدولة تجاه كل المكونات والجماعات والأفرد على اختلاف انتماءاتهم الإثنية أو القبيلية أو العرقية أو القومية أو أي انتماء آخر.

الحِيادُ لغةً: عدَمُ الميْل إِلى أي طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة.

الحِياد سياسةً: مذهب سياسي يقوم على عدم الانحياز إلى كتلة سياسية من الكتل المتصارعة في الميدان السياسي.

الحياد اصطلاحاً: هو فصل الدولة عن الدين، وهو أحد أركان العلمانية.

ويحمل الحياد معنيين الأول: عدم الانحياز، والثاني: عدم التدخل، وركائزه الأساسية ثلاث: الإقرار بالحقوق الكاملة، الاحترام التام، عدم التدخل تحت أي ظرف.

المأخذ الأول: هو أن مفهوم الحياد لغة وسياسة يقوم على افتراض وجود خصومة أو صراع بين أطراف أو مكونات المجتمع السوري، السلطة ليست طرفاً فيه، ما يوجب عليها عدم الميل إلى أي طرفٍ من تلك الأطراف، وهذا افتراض خاطئ لأنه يصور أن أصل النزاع في سورية صراع ديني أو عرقي أو إثني، بينما القاصي والداني يعلم أنها ثورة شعب ضد نظام حكم طائفي دكتاتوري مستبد، هو مصدر كل الشرور والفتن.

المأخذ الثاني: إن حياد الدولة تجاه المكونات والجماعات والأفراد التي يتكون منها الشعب السوري يقتضي منها ما يلي:

  • الإقرار بحقوق الجماعات والكيانات والأفراد: الثقافية أو التاريخية أو الفكرية أو الدينية أو الاقتصادية كاملة.
  • الاحترام التام: باعتبار أن الدعوة لحياد الدولة تهدف إلى تمرير بعض النصوص في الاتفاقيات الدولية التي تتبنى العولمة ومنها العولمة الاجتماعية والقانونية، التي تُخالف أحكام الشريعة الإسلامية وغيرها من الشرائع السماوية وتصطدم بوجود النص الدستوري الذي ينص على أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، ومن هذه النصوص، النصوص الداعية للمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، والنصوص التي تتضمن مفاهيم الحركة النسوية المُتطرفة القائمة على الجندرة ومشتقاتها وتطبيقاتها مثل التحول الجنسي والمثلية والزواج المدني…، أو غيرها من الدعوات التي تقوم على الحرية الفردية المُطلقة، الأمر الذي يقتضي المساواة بين الجميع، واحترام الشرائع الدينية في صورها الثلاث عقائد – شرائع وعبادات – معاملات دون اجتزاء أو انتقاص وعليه فإن من حق أصحاب هذه الشرائع بالإضافة إلى ممارسة الطقوس والشعائر، إصدار التشريعات والقوانين الناظمة لأحوالهم المدنية والشخصية والجزائية، وتقنين العلاقات فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الآخرين، كما لهم الحق بتطبيق الأحكام الدينية فيما يتعلق بإقامة العدل والدفاع عن شريعتهم وعن أفراد الجماعة، وتقنين معاملاتهم المالية وفق ما تفرضه عليهم شرائعهم.
  • عدم التدخل: يقتضي الحياد عدم التدخل لا منعاً ولا تضييقاً ولا رقابةً فيما يخص تنظيم الجماعات أو في علاقة الجماعات فيما بينها أو علاقاتها مع افرادها، أو في إصدار قوانينها وإعداد مناهجها التعليمية والتي تعبر عن انتمائها وإرثها الديني والثقافي والعرقي والاثني…. أو عن توجهاتها الفكرية.

وأعتقد أن هذا الحياد غير قابل للتطبيق لأنه يعني تخلي الدولة عن مهمتها في وضع وتنفيذ خطط السياسة الاجتماعية التي تتعلق بالرعاية الصحية والخدمات الإنسانية والعدالة الجنائية والظلم والتعليم وينتج لنا جماعات مغلقة قانونياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً ودينياً، وسياسياً واقتصادياً.

وإن أي تدخل للدولة في شؤونها سيفقدها الحياد وبالتالي نسف المبدأ من جذوره. وعلينا ألا ننسى أن سورية ستعاني من نتائج الحرب لعشرات السنين القادمة الأمر الذي يوجب بناء دولة تعمل على خلق توازن بن متطلبات التنمية، وإعادة الإعمار وبين متطلبات الرعاية الاجتماعية وهذا يتطلب أن تتولى الدولة مهام الرعاية والحماية أو الحراسة لإعادة تجميع ما فككته سياسة النظام الطائفي من عرى الوحدة الوطنية، ولا يتحقق ذلك بإعلان حياديتها أبداً.

ثانياً: فيما يتعلق بمبدأ ضمان الحريات الدينية واستقلالية المؤسسات الدينية عن الدولة واستقلالية مؤسسات الدولة عن الدين.

  • الاستقلالية: يقصد بها مفهوم الشخصية الاعتبارية للمؤسسة، ويحكمها القانون المدني فيما إذا كانت ذات طابع مدني أو تجاري، ويحكمها القانون الخاص فيما إذا كانت غير ذلك، كقانون الطوائف أو قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
  • النظام القانوني للشخص الاعتباري في القانون المدني السوري: تنص المادة 55 من القانون المدني السوري على أن الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق باستثناء ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون. وأهم حقوق الشخص الاعتباري وخصائصه: اسم الشخص، موطنه، الذمة المالية المستقلة، أهلية الشخص أهلية وجوبٍ وأهلية أداء، حق التقاضي والمثول أمام القضاء باسمه الشخصي وبشكل مستقل عن أعضائه، جنسية الشخص الاعتباري حيث استقر العمل القضائي في سورية على انه يكتسب جنسية الدولة التي يوجد فيها مركز إدارته الرئيسي الفعلي.
  • استقلال المؤسسات الدينية: الدعوة إلى استقلال مؤسسات الدولة عن المؤسسات الدينية تعود إلى زمن الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان الذي أصدر قانون الطوائف رقم 60 ل.ر لعام 1936، والذي نص على: أن الطوائف المعترف بها قانوناً كطوائف ذات نظام شخصي هي الطوائف التاريخية التي حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي، وتتمتع بالشخصية المعنوية الطوائف الدينية وفي كل منها الجماعات المذهبية المستقلة المختصة بالتعليم أو بالأعمال الخيرية والتي يعترف لها نظام الطائفة بأهلية الحصول على حقوق وواجبات تختلف عن حقوق الطائفة وواجباتها، وكذلك الرهبنات.
  • القانون 31 لعام 2006 قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية: يختصُ هذا القانون بالطوائفِ المسيحية الكاثوليكية الآتية: طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، الطائفةِ المارونية، الطائفةِ الأرمنية الكاثوليكية، الطائفةِ السريانية الكاثوليكية، الطائفةِ اللاتينية، الطائفةِ الكلدانية. كل طائفةٍ من هذه الطوائفِ هي شخصٌ اعتباري مميز مستقل ذو أنظمةٍ خاصة.
  • القانون 10 لعام 2004 قانون الأحوال الشخصية للسريان الأرثوذكس: إن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تملك كافة الكنائس والأديار والمعابد والمقابر والمدارس والعقارات والأوقاف العائدة لها مع جميع ما تحتويها كنائسها من كتب خطية ومطبوعات وآنية مقدسة وحلل كهنوتية ومفروشات وأثاث بيتية في دور البطريركية والأسقفيات والأديار وسواها ملكاً لا ينازعها فيه منازع على الإطلاق فإذا حدث وانتقل منها فرد أو مجموع أفراد وتبعوا أحد المذاهب الغريبة عنها فلا يحق لهم الادعاء بشيء مما ذكرناه أعلاه على الإطلاق وكل دعوى تقام من أحد كائناً من كان فرداً كان أو جماعة قليلة أو كثيرة فهي ملغاة مطلقاً.
  • والدعوة لاستقلال مؤسسات الدولة عن المؤسسات الدينية هي دعوة ضمنية إلى تخلي الدولة عن سيادتها الداخلية لصالح المكونات والجماعات وبالتالي إلى ازدواجية السلطة دينية – زمنية الأمر الذي يفتح الباب على احتمالات التفرد أو التناغم، أو التوافق أو التنافر، أو الصراع وبالتالي انهيار المؤسستين وانقسام المجتمع وتمترس الجماعات والأفراد وراء كل سلطة وتعطيل الحياة العامة وانهيار الدولة، واضمحلال الهوية الوطنية لصالح الهويات الفرعية، وتكريس حالة التقسيم الحالية كأمر واقع.

ثالثاً: فيما يتعلق بمنح المولودين لأب سوري أو لأم سورية أو المولودين على الأراضي السورية الجنسية السورية ومنحهم حقوق المواطنة كاملة ولهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات، ولا يحرم أي مواطن من حقوقه بسبب العرق أو الدين أو مكان الولادة أو القومية أو اللغة.

وهذا المطلب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمطلبين السابقين من حيث علاقته بحيادية الدولة واحترام الحريات الدينية واستقلال المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة عن بعضهما البعض، باعتبار أن الأمر مرتبط بالأحوال الشخصية، وبالأحوال المدنية والتي يلعب الدين والمذهب دوراً رئيسياً فيهما.

فقانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 منح الجنسية للمولود لأم سورية إذا تمت الولادة في سورية وكان الأب مجهولاً.

ومَنَحَ المولودين عديمي الجنسية في سورية، إذ يُعتبر سورياً كل من ولد في سورية من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، أو من ولِدَ في سورية ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية.

المأخذ: إن إطلاق الدعوة لمنح الجنسية السورية بهذه الصيغة دون تقييد ستصطدم عند التطبيق بعدة عوائق قانونية، وشرعية، في غياب النص الدستوري الذي يُحدد العلاقة بين التشريع والشريعة ومنها:

جنسية المواليد من علاقات محرمة في الإسلام التي تورث البُطلان وعدم ترتب أي آثار عليها وأهمها النسب مثل زواج المثليين، والزنا، والمساكنة، وزواج المتعة، وزواج الدم، وزواج الشجر، وزواج التجربة، والاستبضاع، والمضامدة، والمخادنة والتي ترفضها أيضاً معظم الجماعات المسيحية بالإضافة لتحريم تعدد الزوجات، وإعارة الرحم، وزواج المسيحيين من غير المسيحيين، بوصفها مخالفة لقصد الزواج في شريعتهم.

وكذلك جنسية المواليد من سوريات لأزواج شرعيين أجانب خارج القطر، التي يفترض من حيث المبدأ أن تكون جنسية الأولاد والزوجة تبعاً لجنسية الزوج، ويمكنهم طلب الجنسية السورية عن غير باب الولادة لأم سورية.

وكذلك جنسية المواليد من الزواج المدني الذي تُحرمه الشريعة الاسلامية والقانون بالنسبة للمرأة المسلمة المادة 48/2 زواج المسلمة بغير المسلم باطل من قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، ولا تعترف به المحاكم المذهبية للدروز سواء كان/ت الزوج/ة درزياً والزوج الآخر غير درزي.

المادة 32 من قانون الأحوال الشخصية للسريان الأرثوذوكس رقم 10 لعام 2004: لا تعترف الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بعقد زواج يعقده المنتمون إليها سواء بقوة التابعية الأجنبية التي اتخذوها أو بقوة الشرائع المدنية.

القاعدة 813 من قانون الأحوال الشخصية رقم 31 لعام 2060 للروم الكاثوليك: يُحرمُ الزواج بين شخصَينِ مُعْتَمِدَيْنِ أحدُهما كاثوليكي والآخرُ غيرُ كاثوليكي بغيرِ إذنٍ سابقٍ من السلطةِ ذاتِ الصلاحية.

الفقرة ك من المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذوكس رقم 23 لعام 200 التي حددت موانع الزواج ومنها: اختلاف الدين.

قانون الأحوال الشخصية للطائفة الأرمنية الأرثوذكسية: لأجل الزواج وفقاً لطقوس الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية يقتضي على الرجل والمرأة أن يكونا من أفراد الطائفة المذكورة وأن يستحصلا على ترخيص من مطران الأبرشية. في الزيجات المختلطة يقتضي لإعطاء الترخيص أن يمضي الزوجان تعهداً خطياً مصرحين بأنهما يقبلان بأن ينتميا إلى الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية وأن يخضعا لقوانينها.

وكذلك النسب من التبني المُحرم في الشريعة الإسلامية، وزواج السوريات من إسرائيليين خارج فلسطين، وزواج السوريات في الأراضي المحتلة من إسرائيليين، وزواج السوريات من عناصر الميليشيات الشيعية الأجنبية والمرتزقة الروس.

لذلك لا أعتقد أنه من الممكن تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، لأنها تمس عقائد وشرائع دينية وفكرية ومذهبية لعموم الشعب السوري وسيرفضها أصحاب هذه العقائد والشرائع لأنها تخالفها، وربما يعتبرونها تدخلاً وتعدياً على حقوقهم في ممارسة حرياتهم الدينية، ولأنها تؤدي إلى تنازل الدولة عن مهمتها في الرعاية والحماية، وتوزيع السيادة الداخلية على المكونات والجماعات والأفراد، وتكريس الهويات الفرعية على حساب سيادة الدولة والهوية الوطنية، والحل يكون بصياغة نص دستوري صريح وواضح يقر بالفقه الإسلامي كمصدر للتشريع بالنسبة للمسلمين واحترام باقي العقائد والشرائع، واحترام الحريات الدينية وممارسة الطقوس والشعائر، وبذلك تتوحد سيادة الدولة عبر احترام الدستور والقانون، والقيم الديموقراطية المنشودة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني