المنطقة العربية، بين أهداف وخطط الفوضى الخلّاقة، ومخالب المشروع الإيراني!
في تزاوج للمصالح بين نهج الفوضى الخلّاقة الأمريكي الجديد، (الخاصّ بمنطقتنا، مثلث النفط والغاز الاستراتيجي العالمي – السعودي – الإيراني – العراقي، في حقبة ما بعد نهاية الحرب الباردة)، وبين أدوات الميلشة الإيرانية (التي يتطلّع قادتها لإحكام سيطرة إقليمية، يستحيل أن تتحقق في مواجهة أهداف المشروع الأمريكي، الأقوى والأقدم والمهيمن طوال عقود!)، وفي مناخ التضليل الواسع لأفكار دعايات المؤامرة الكونية الإيرانية، والانسحاب التكتيكي، الأمريكيّة، (الساعية معا لإخفاء تلك العلاقة، وإظهارها في حالة تصادميّة، عبر ترويج أكاذيب عن صراع اقليمي، حول ملفّات مختلفة، كالنووي والسيطرة على سوريا، ومقاومة الشيطان الأكبر والدفاع عن المستضعفين وتعزيز الديمقراطية ومناصرة حق الشعب الفلسطيني، والتشيّع)، وفي تجيير إجرامي لظروف ثورات الربيع العربي، وفي هذه المرحلة المتقدّمة من تحقيق اهداف السيطرة التشاركية بين سياسات الولايات المتّحدة وادوات النظام الإيراني، بعد الانتصارات العسكرية الكبرى التي حققتها ميليشيات الثورة المضادة، الأوروأمريكية، تنسّق واشنطن الخطوات الأخيرة لإحكام هيمنة سياسيّة غير مسبوقة لأذرع وادوات النظام الإيراني، في قلب مثلث النفط، ومحيطه الجيوسياسي؛ في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، بما يشدد الخناق حول عنق آل سعود، ويحجّم المصالح الحيوية التركية، ويُعزز عوامل حماية الأمن القومي الإسرائيلي!!
في اليمن، وفي اعقاب حرب مضادة للثورة، حوثيّة/إقليمية، نجحت في إسقاط اهداف الحراك السياسي السلمي للشعب اليمني وتفشيل الدولة، تضع واشنطن ثقلها لإنجاح صفقة سياسية، تثبّت الوقائع التي صنعتها موازين قوى الحرب المضادة العدوانية، لصالح وكلاء إيران والولايات المتّحدة، وبما يجعل من فرص قيام انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي استحالة، واليمن السعيد، النموذج الأسوأ للدولة الفاشلة!.
في العراق، حيث القاعدة الأكبر لإدارة أوسع علاقات سيطرة ونهب تشاركي بين القوتين الاستعماريتين، الإقليميّة والإمبريالية، تعمل الولايات المتّحدة بشكل مباشر على إضعاف التيّارين الصدري والكردي، المنافسين لأدوات النفوذ الإيرانية، ولصالح أحزاب الحشود، بما يؤدّي إلى تنصيب عملاء مزدوجين، من طراز المالكي، في الرئاسات الثلاث، البرلمان والحكومة والجمهوريّة!.
في لبنان، تعمل الولايات المتّحدة، عبر مندوبها السامي الفرنسي، وضغوط مباشرة على السلطة السعودية، على وضع اللمسات الاخيرة لمنع حصول فراغ دستوري وإنجاح جهود تنصيب رجل ما لحزب الله في موقع الرئاسة الأولى، بعد نجاح جهود سيطرته على الثانية والثالثة، في الحكومة والبرلمان!.
في شمال وشرق سوريا، تستغلّ الولايات المتّحدة التهديدات التركية – ومساعي الرئيس التركي لزيادة حصّة بلاده التي وافقت على حدودها النهائية واشنطن في 2020، بعد جولات متتالية من حروب تقاسم الحصص، المستمّرة منذ 2015 – لترتيب خطوات تسليم الميليشيات الإيرانية المزيد من المواقع التي تسيطر عليها قسد!.
ما بين مصر والأردن وإسرائيل، تسعى الولايات المتّحدة لإنجاح مشروع خط الغاز الإيسروعربي، بما يجعل منه نموذجاً لطبيعة العلاقات الاقتصادية الإقليمية المستقبلية، وبما يحسّن أدوات السيطرة الداخلية لنظام حزب الله الديمقراطي، ويعوّض عن سكوته على نهب الغاز البحري اللبناني، ويعزز، من جهة ثانية، موارد الحكومة السورية ويسرّع خطوات عودتها إلى الحضن العربي!.
قواعد وادوات وأهداف هذه الشراكة الاستراتيجية، الأورووأمريكية – الأكثر تدميراً في تاريخ المنطقة، بالمقارنة مع شركاء الولايات المتّحدة الآخرين، خاصّة نظام آل سعود والكيان الصهيوني، التي تتمدّد باطّراد منذ سيطرة آية الله الخميني على طهران، في ربيع 1979، وعبر حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وحروب الثورات المضادّة[1]، وما نتج من تشكيل نظم الفوضى الخلّاقة، التشاركية، على جثث الأنظمة العروبيّة، ومقوّمات دول سايكس بيكو، في لبنان والعراق وسوريا واليمن – ما تزال عصيّة على الوعي السياسي النخبوي وتيّاراته الوطنية/الديمقراطية، وعلى أبواق المحللين الاستراتيجيين، التي ما يزال يشغلها تحديد ساعة الصفر لهجوم إسرائيلي، أصبح وشيكاً على طهران، بضوء أخضر أمريكي، بعد كلّ فشل لمفاوضات الاتفاق النووي![2].
وما زال يقول الإسلاميون؛ كما تكونوا، يولّى عليكم، ويحمّل شركائهم المعارضون، العَلمانيون، التّراث، والإرهاب المتأصّل مسؤولية الخراب الشامل!!
[1]– ︎في حرب الخليج الأولى بين 1980-1988 التي أصبحت واقعاً لا مفر منه، بعد أن نجحت جهود الولايات المتحدة الخيرة في تتويج العدويين اللدودين، الخميني وصدام، ملكين، بسلطات مطلقة، في طهران وبغداد.
– تبادلت الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين، خاصة السعودي والإسرائيلي، الأدوار لتأجيج نيران أكبر حروب المنطقة، وأكثرها تدميراً، على أمل ضرب عصفورين بحجر واحد: فتح بوابة العراق أمام جحافل المد الإيراني (أدوات تحقيق أهداف المشروع الأمريكي) وتأسيس نظام حكم طائفي، ميليشياوي، تشاركي، من جهة، وفرض هيمنة الميليشيات الخمينية المطلقة على السلطة والشعب الإيرانيين، من جهة ثانية، بما يضع ضلعي مثلث النفط تحت هيمنة ميليشياوية، تضمن تفشيل الدولتين، وتضع الضلع الثالث تحت مرمى النيران!.
– في حرب الخليج الثانية، حاولت الولايات المتحدة، باستغلال واضح لنتائج الحرب الأولى الكارثية على العراق والمنطقة، استكمال أهداف الحرب الأولى، لكنها تفاجأت بثورة الجنوب، فتراجعت، متيحة الفرصة لوسائل النظام العراقي لسحقها، على أمل فرصة أخرى!.
– في حرب الخليج الثالثة 2006، استثمرت الولايات المتحدة (وشريكها الإيراني) الفرصة الذهبية التي قدمتها أدوات واشنطن وطهران في أفغانستان (القاعدة وطالبان)، لينطلقا معا، يداً بيد، لدك ما تبقى من مقومات الدولة الوطنية العراقية، وتحويل بلاد ما بين النهرين العظيمة إلى ساحة خلفية أوروأمريكية، وبنك إرهاب ميليشياوي (سني – شيعي)، انتظاراً للفرصة القادمة، التي قدمتها، مع الأسف الشديد، ثورات الربيع العربي، التي انطلقت تمردات شعوبها على أمل كنس مرتكزات السيطرة الأمريكية، من أنظمة الاستبداد وزبانيته، فوقعت في الفخ!.
– في مواجهة ثورات الربيع العربي 2011 بشكل عام، والسورية، على وجه الخصوص، كانت قد وصلت أدوات وأهداف وشباك السيطرة الأوروأمريكية إلى أفضل حالاتها، فكان تنسيق هجوم الثورة المضادة الميليشياوية على درجات عالية من الدقة والإحكام والنجاح!.
كيف حدث ذلك؟ هذا ما يحتاج لمعرفته الوعي السياسي النخبوي السوري المعارض والموالي، الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من ماكينة التضليل الأوروأمريكية، قروناً.. وقد تزيد!.
[2]– من المؤسف أن لا يتجاوز دور بعض الأقلام النخبوية المعارضة الترويج للأوهام التي تعشعش في عقول خصوم النظام الإيراني، والتي تعمل واشنطن على بيعها للمتضررين من حالة الشراكة الاستراتيجية، دون أي رصيد حقيقي.
يقول الدكتور باسل معراوي في مقال له بعنوان جولة بايدن الشرق أوسطية، على صفحات ninar press.net، 25 حزيران 2022
مطالب الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية
- تجديد الشراكة السعودية – الأمريكية (النفط مقابل الأمن)، التي عقدت عام 1945 على ظهر الطراد الأمريكي كوينسي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، والتي مضى عليها ثمانون عاماً، لفترة مثلها.
- الشراكة السعودية – الأمريكية تكون عابرة للإدارات والأحزاب ولا تتأثر بالرئيس أو الحزب الذي يحكم البيت الأبيض، بل علاقة استراتيجية بين المؤسسات العميقة في الدولتين.
- مطالبة الدول كلها بعدم السماح لإيران امتلاك قنبلة نووية، والتصدي معاً لأنشطة الحرس الثوري التي تهدد دول المنطقة.
- دخول المملكة في الضمانة النووية الأمريكية (التي تفترض عدم سعي المملكة للحصول على التقنيات النووية العسكرية) كردع استراتيجي لإيران.
- المساهمة الأمريكية الفعالة لإجبار جماعة الحوثي على الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني وحل القضية اليمنية سلمياً.
أ- على الصعيد الإيراني، سؤالين يطرحان نفسيهما عند التفكير بانتصار الخمينية السريع على جميع خصومها السياسيين والعسكريين، شركائها في الثورة وأعدائها:
– كيف نفهم تبني فرنسا لقائد ثورة، ستعمل على الإطاحة بأهم الأنظمة الحليفة للغرب والولايات المتحدة؟ هل هذا ممكن؟.
– إذا وضعنا جانباً المقولات الرومانسية الثورية، كمقولات ماو تسي تونغ حول القوة غير المحدودة للجماهير، التي تستطيع هزيمة كتائب الطاغية المنظمة حتى لو امتلكت قنبلة نووية فإن العامل الحاسم في انتصار الثورات من عدمها وهو رد فعل الجيوش تجاهها.
إذا لم تخسر سلطات الأنظمة ولاء القوات المسلحة، ودعمها المباشر، فلا يمكن لأي ثورة أن تنجح!.
تساؤلات، تحتاج إلى إجابات موضوعية، مُقنعة:
– كيف، ولماذا خسر الشاه ولاء جنرالات جيشه؟
– كيف تعامل الجيش الإيراني مع الثورة الإيرانية؟ وما هي العوامل التي حددت طبيعة رد فعل الجيش الإيراني تجاه الثورة الشعبية؟
مما لا شك فيه أن ولاء جنرالات وقيادة الجيش الإيراني، الذي أصبح أكبر جيوش المنطقة بفضل دعم أمريكي وتمويل وإشراف من الشاه شخصياً، كان مطلقاً للشاه والولايات المتحدة.
فكيف تمكنت ميليشيات شعبية، يقتصر سلاحها على بعض من نهبته من مخازن الأسلحة الفردية، من تفكيك الجيش، وتصفية جنرالاته وعناصره الأكثر ولاء، التي تجاوز عدد ضحاياها عشرة آلاف خلال السنة الأولى من نجاح الثورة؟!.
يبدو جلياً أن الخطوة الأولى على مسار إضعاف الجيش الإيراني في مواجهة ميليشيات الثورة شكلتها مغادرة الشاه البلاد، وحامي الجيش الأول، في 16 كانون الثاني، قبل أسبوعين من وصول الخميني.
فهل رحل الشاه، أم رُحل، على طريقة حسني مبارك؟.
نُقل عن فرح ديبا، أرملة الشاه، في حديث لإذاعة راديو فردا الإيرانية أن الأسرة الحاكمة حصلت على وثائق تثبت دعم الدول الغربية للخميني للوصول إلى السلطة.
وأضافت: نعم.. الغرب كان متورطاً في دعم الخميني، أتذكر أنه جاءت قوة أمريكية بقيادة جنرال يدعى هيزر وطلبت منا مغادرة إيران خلال خمسة أيام، ولم يكن لدى جلالة الملك (شاه إيران) أي علم بذلك، ثم جاء ويليام إتش سوليفان، السفير الأمريكي في طهران، إلى الشاه وطلب منه مغادرة إيران!.
بغض النظر عن دقة هذا التصريح، وما جاء فيه، المؤكد أنه:
– بعد رحيل الشاه بيومين، فتحت بعض الوحدات من الجيش النار على بعض المتظاهرين إعلاناً منها عن ولائها للشاه رغم هروبه من البلاد، وبعدها أصدرت الولايات المتحدة بيانات تؤيد فيها الحراك الشعبي، مما ترجمه بعض قادة الجيش بأنه تخلي الولايات المتحدة عن نظام الشاه بالكامل، وفي 20 (كانون الثاني/يناير) وجه الرئيس الأميركي كارتر رسالة علنية إلى الخميني، طالبه فيها بأن يعطي الحكومة الانتقالية التي عينها الشاه، وصادق عليها البرلمان يوم رحيله، فرصة، مما يعني اعتراف الولايات المتحدة بقوة الخميني ونفوذه رغم كونه خارج البلاد أصلاً.
– ما إن سمع الإيرانيون نبأ رحيل الشاه عبر إذاعة طهران، حتى نزل مناصرو الخميني في ربوع البلاد إلى الشوارع تعبيراً عن فرحهم بهزيمة الدكتاتور، وانسحبت عربات الجيش من الشوارع، لتبدأ أخطر مراحل التصعيد في الثورة.
وكان من الطبيعي أن يستثمر الحدث روح الله الخميني من منفاه في العاصمة الفرنسية (باريس)، الذي اعتبر في خطاب موجة للشعب أن هروب الشاه محمد رضا بهلوي هو طليعة انتصار الشعب الإيراني، وبداية السعادة، وتحقيق الحرية والاستقلال. وللقصة بقية، يصعب الحصول على توثيق دقيق لحقائقها، خارج ما تقدمه نتائج الصراع من وقائع!.
ب- في رؤيتنا اليوم لطبيعة الأهداف السياسية التي سعى لتحقيقها أبطال المشاريع الوحدوية، والتي تناقضت من حيث النتائج مع آمال الشعوب العربية، ومصالح دول المنطقة، يبدو جلياً اليوم أن النتيجة الوحيدة التي خلفها مشروع ميثاق الوحيدة بين رفاق الحزب في سوريا والعراق عام 1979، هي إعطاء صدام حسين الفرصة والذريعة لتصفية خصومه ومنافسيه في قادة الجيش والحزب، وتحويله إلى ديكتاتور، مُطلق الصلاحيات، وهوما شكل أحد العوامل التي ساهمت في تحقيق أهداف المشروع الأمريكي، بدءاً بالحرب العراقية – الإيرانية، وغزو الكويت، وغزو العراق، وتحويله إلى أكبر قاعدة سيطرة ونهب بين النظام الإيراني والولايات المتحدة.
فهل كانت أجهزة الولايات المتحدة المختصة بعيدة عن التأثير، والفعل؟!.