fbpx

المرأة في الثقافة العربية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص

0 298

لا يقتصر دور المرأة في الإسلام على كونها امتداداً للرجل، رغم أن بعض العلماء والمؤرخين يختزلون دورها نسبة للرجل، فهي إما أمه أو أخته أو زوجته.

أما واقع الحال أن المرأة كانت لها أدوارها المؤثرة في صناعة التاريخ الإسلامي بمنأى عن الرجل، فنرى المرأة صانعة سلام (كدور السيدة أم سلمة في درء الفتنة التي كادت تتبع صلح الحديبية). ونراها محاربة (حتى تعجب خالد بن الوليد من مهارة أحد المقاتلين قبل اكتشافه أن ذلك المقاتل امرأة).

ويتميز الإسلام في هذا المجال بمرونته في تناوله للمرأة، فقد وضع الأسس التي تكفل للمرأة المساواة والحقوق، كما سنّ القوانين التي تصون كرامة المرأة وتمنع استغلالها جسدياً أو عقلياً، ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة.

ومع ذلك فإن بعض العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية تقف أمام وصول المرأة المسلمة إلى وضعها العادل في بعض المجتمعات الشرقية، وليس بالضرورة أن يكون العائق الدين أو العقيدة.

فمن ناحية العقيدة: حطّم الإسلام المعتقد القائل بأن حواء (الرمز الأنثوي) هي جالبة الخطيئة أو النظرات الفلسفية القائلة بأن المرأة هي رجل مشوّه. فأكّد الإسلام أن المرأة والرجل متساويان في الحقيقة الإنسانية إلّا أنهما صنفان وذلك لحكمة إلهية كما أن آدم وحوّاء كانا سواء في الغواية أوالعقاب أوالتوبة، كما أن الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا تنقص من قدر أي منهما: فهي طبيعة كل منهم المميزة والتي تتيح له أن يمارس الدور الأمثل من الناحية الاجتماعية. وكل هذا منصوص عليه في الموروث الإسلامي والمصادر النقلية من الكتاب والأحاديث.

لكن علماء الكلام والفقهاء العرب المسلمين ورجال الدين والفقه الإسلامي نراهم جاهدين في التنقيب بمصادر التشريع الإسلامي عن كل ما يؤكد دونية المرأة وأنها أقل من الرجل كفاءة ويتغافلون عن قصد أو عن جهل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي ترفع من شأن المرأة ويركزون على ما يميز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والقدرات. وحقاً سيجد الباحث في الشريعة نصوصاً تدعم رأيه سلباً كان أو إيجاباً.

فإن أول ما يثير الدهشة والاستهجان رأي شاعر الفلاسفة أو فيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، فعبّر عن كراهيته للنساء ونظرته الدونية إليهن، فيعتبر المرأة سبب كل الشرور فهي التي تلد الأشرار والأشقياء، وخلو الدنيا من المرأة هو بدء السعادة، فهي ألعوبة بيد الشهوات لأنها شديدة الأهواء، لذلك فهي لا تتورع عن الخيانة. وقد منعها من التعليم والحج والصلاة وأوجب عليها الحجاب.. وهو ينصحنا نصيحة غريبة مفادها أن الرجل إذا أراد الزواج فعليه أن يختار من بينهن من هي عاقر، لأن قطع النسل راحة للآباء. إن موقف المعري – هذا الفيلسوف الزاهد والشاعر المبدع المرهف الحس – من المرأة يبعث في نفس كل من قرأه حيرة ودهشة.. ! قد يكون موقف المعري من المرأة ناتجاً عن عقدة نفسية ما، وهو يبرر كراهيته للنساء بحبه للإنسان! فكروا معي: كيف نفهم هذا التناقض ؟ أليست المرأة إنساناً. !؟ قد يكون الإنسان في رأي المعري هو الرجل فقط.. يا للعجب من عبقرية أبي العلاء.. فنحن بعد كل هذا نجده في شعره يصفها برقة وعذوبة وجمال ويصف مفاتنها ويصورها ويجيد.

أما الفيلسوف والطبيب ابن سينا فيرى أن المرأة مأمورة من الرجل وهي التي تجلب له العار، لذلك يحمله واجب تقويم المرأة، التي ما عليها إلا واجب الطاعة. وكرامة المرأة تتحقق بإخلاصها لزوجها وصيانة شرفه، فعندما تصون نفسها وتحافظ على شرفها فإنها بذلك تصون شرف زوجها وتحترم شأنه العام. وقد أكد بأن المرأة بطبعها ترغب أن تكون جميلة، فهي تتزين وترتدي أجمل الثياب والحلي، بل وتسلك كل سلوك يظهر جمالها، ونحن علينا إرضاؤها.. لكن ليس بتأمين كل ما تريد بل بتدبر وتحسين أخلاقها، وتحصين شخصيتها، لذلك، يجب أن ترتدي الحجاب. وتتميز المرأة أيضاً – حسب رأي ابن سينا – بالغيرة، لذلك يجب إبعادها عن الحياة العامة ومخالطة الرجال، وإن أهم ما يجب أن يشغل المرأة الاهتمام بأولادها وتربيتهم والاهتمام بشؤونهم.

لا يسعني هنا إلا أن أقدم الشكر لابن سينا لأنه ذكر أن للمرأة حقوقاً وعليها واجبات مقتدياً بالدين، لكنني عاتب عليه لأنه يعود ليحذر منها وعليها، وبذلك قد ينسجم رأي ابن سينا مع رأي الغزالي، فرأي الإمام الغزالي الملقب بحجة الإسلام في المرأة مستوحى من الدين والبيئة وروح العصر الذي عاش فيه. فقد دعا إلى تقييد حرية المرأة، واعتبرها آلة بيد الرجل، فحريتها محدودة ضمن إرادة الرجل، فكما يريدها الرجل يجب أن تكون. وقد أكد الغزالي أن المرأة ضعيفة وضعفها يثير الشفقة، والفساد يغلب على طبيعتها، ومع ذلك فقد حث الرجل على الرفق بها والإحسان إليها لكونها مخلوق ضعيف.

أما الفقيه والفيلسوف ابن رشد بعد مراجعته لآراء الذين سبقوه والبحث في كتبهم – وخصوصاً فلاسفة الإسلام – وجد أنهم جميعاً يحملون على المرأة، سواءٌ في ذلك من كان متطرفاً أو معتدلاً. فمنهم من نظر إليها على أنها متاع للرجل وأداة للتوليد وحفظ النسل، ومنهم من نظر إليها على أنها أحط مقدرة ومنزلة من الرجل طبيعة واستعداداً. وقد تجسدت هذه النظرة بسلوك عملي هي ما نطلق عليه الآن (عادات وتقاليد). انتقد ابن رشد تلك الآراء ودافع عن المرأة دفاعاً شديداً، وبيّن أنها والرجل من طبيعة واحدة، وأن التفاوت في القدرات بينهما إنما يعود إلى المهام والخبرات وليس لاختلاف في الطبيعة والخلق.. ودعا إلى تعليم المرأة، فهي تمتلك الكفاية الطبيعية لتحصيل العلوم والفلسفة كالرجل، لكن ظروفها الموضوعية والمهام التي فرضها عليها المجتمع، واهتمامها بالولادة والتربية واحتجابها في المنزل، كل ذلك أعاق تطورها، ما أدى إلى تخلفها عن الرجل وأفقدها الثقة بنفسها فلم تسعَ إلى تعزيز مؤهلاتها ما أدى إلى ضعفها. ويحمّل ابن رشد الرجل مسؤولية كبيرة في الوضع الذي آلت إليه المرأة، وإن أنانية الرجل هي التي حرمت المرأة حقوقها، وقد بيّن ابن رشد ما يلحق بالمجتمع من ضرر إن بقيت المرأة على ما هي عليه. نلاحظ أن ابن رشد قد انفرد بين الفلاسفة بنظرة جريئة لإنصاف المرأة لم يرتفع قبله صوت، ولن يرتد صداه في البلاد العربية قبل القرن التاسع عشر – أو ما نسميه عصر النهضة العربية – فقد تحدث ابن رشد عن المرأة في كتاب سياسة أفلاطون، وهو من كُتُبه المفقود أصلها العربي، نـأخذ مقتطفاً من تلخيصٍ للمفكر الفرنسي إرنست رينان (1823-1892) في كتابه ابن رشد والرشدية.

“تختلف النساء عن الرجال في الدرجة، لا في الطبع، وهن أهل لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم، ويفقنهم في بعض الأحيان، كما في الموسيقى، وهو في حديثه عن المرأة يخالف أساتذته الإغريق والمسلمين معاً، فينكر الفرق الطبيعي بين الرجل والمرأة، ويساويها مع الرجل في الكفاءات الذهنية والعملية، ويرى أن وصول المرأة إلى رئاسة الدولة هو من الأمور الطبيعية الممكنة؛ وفي هذا ردٌّ على حديث “لن يفلح قوم وَلُّوا أمرَهم امرأة”. ولا تقلّ كفاءةُ المرأة عن الرجل، حتى في الحروب”.

إن ابن رشد، في النص السابق الذي أورَدَه رينان في كتابه، يعلن أن النساء والرجال نوع واحد، وأنه لا فرقَ بين الرجل والمرأة في الغاية الإنسانية. الفرق الوحيد الذي يراه هو في احتمال الكدّ الجسماني الذي يقدر عليه الرجلُ أكثر من المرأة، في حين أن النساء أكثر حذقاً في أعمال أخرى، كفنّ الموسيقى مثلاً. وبما أنه لا فرق بين المرأة والرجل في الطبع الإنساني، وَجَبَ على النساء أن ينلن التربيةَ نفسها التي يحظى بها الرجال وأن يشاركنَهم سائر الأعمال، حتى الحرب والرئاسة.

المرأة عند الموحدين الدروز: في رسالة لحمزة بن علي (ص): “على الموحد الدّرزيّ أن يساوي زوجته بنفسهِ في كلِّ ما يملك”. والأمير السيّد أكّد على الالتزامِ المتبادلِ في العَلاقات بين المرأةِ والرجل.

بشكل عام يوصي الموحدون الدروز الرَّجل أن يساوي زوجته بنفسهِ وأن يُعامَلَ الإناث والذّكور بالتساوي. كما أن تعدّد الزّوجات غير واردٍ وللمرأةِ حقّ الطّلاق ما إذا كان زواجها فيهِ جور أو ظُلم أو انتهاك لحقّها. والمطلقة جوراً وظلماً يحق لها أن تقاسم زوجها على كل ما يملك مناصفة. ولكن هل هذا ما يحدث حقّاً على أرضِ الواقع؟ هل يُعامل النساءَ والرجالَ بالتّساوي؟.

كحالِ معظم النساء في المجتمعات الأبوية تُعاني النساءُ الموحدات مِن التّعصب والهيمنةِ الذّكورية. فمعظم النساء لا زلن يمارسنَ أدواراً تقليديةً على الرغم من حصولهنَّ – في العديد من الأحيان – على شهاداتٍ جامعيّة.. ويمارس المجتمع الأهلي تعنيفاً نفسيّاً مستتراً على النساءِ المطلّقات. فنهاية الزواج تكادُ أن تساوي نهاية الحياة. حياة المرأة فقط طبعاً! وهي في الواقعِ نهاية مرحلة ليس إلا، والتي إذا ما تمَّ التعامل معها بالشّكل الصحيح قد تساهمُ في تطوير المرأة وتحقيق استقلاليتها. يجب الإشارة إلى أنَّ النّساء المطلّقات عليهنَّ أن يعُدْنَ إلى منزلِ الأبوين بغضِّ النّظر عن سنِّ المرأة أو تحصيلها العلمي أو قدرتها التّامة على إعالة نفسها. سلطةُ الأب – إن وُجِد – أو الأخ تأتي بعد سلطةِ الزوج. نعم الدِّين يعطي المرأة حقَّ الطّلاق والمجتمع يسلبُها إياه.

وبذلك تكون الأديان والتشريعات البدائية أكدت تبعية المرأة وتقليص صلاحياتها والحد من مسؤولياتها وحصر مهمتها في الإنجاب والخدمة المنزلية لإرضاء الرجل.

معظم الآراء السابقة تتعلق بالمرأة السيدة زوجة وبنتاً وأماً وأختاً للسيد والإقطاعي والبرجوازي فما بالك بالمرأة زوجة العبد والقِن والفلاح والعامل؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني