fbpx

اللاجئون وبروكرست

0 236

إن بروكروست، في الميثولوجيا اليونانية، قاطع طريقٍ يعيش في أتيكا، وكانت له طريقة خاصة جداً في التعامل مع ضحاياه، فقد كان يَستدْرِج ضَحِيته ويُضيفه ويُكرِم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي، إنه سريرٌ لا مثيل له بين الأسِرة إذ كان يتميز بميزةٍ عجيبة وهي أن طوله يلائم دائماً مقاس النائم عليه أيا كان، غير أن بروكرست لم يكن يتطوع بتفسير كيف يتأتى لسريره أن يكون على مقاس الجميع على اختلاف أطوالهم، حتى إذا ما اضطجع الضحية على السرير بدأ بروكرست عمله، فجعل يربطه بإحكامٍ ويشد رجليه إن كان قصيراً ليمطهما إلى الحافة، أو يبترهما بترا إن كان طويلاً ليفصل منها ما تجاوز المضجع، حتى ينطبق تماماً مع طول السرير، وظل هذا دأبه إلى أن لقِيَ جزاءه العَدلَ على يد البطل الإغريقي ثيسيوس الذي أخضعه لنفس المَثُلة، فأضجعه على السرير ذاته وقطع رقبتَه لينسجم مع طول سريره.

وحين توعِز الإدارة السياسية لأجهزة الاستخبارات بأن يُفَصل لها معلوماتٍ استخباراتيةً على مقاس قرارٍ سياسي مُبَيت، بدلاً من أن يكيف القرار السياسي وفقاً للمعلومات الاستخباراتية، نكون أمام صنف خبيث من البروكرستية.

ومن أعمال البروكرست الروسي – الأسدي عقد الاجتماع الخامس يوم أول أمس بين هيئتي النظامين الروسي والسوري لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين الذي عقد في دمشق في تشرين الثاني 2020 الذي حضره أيضاً ممثلون عن الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري وخلُص الاجتماع إلى إقرار عدة نتائج لهذا لاجتماع ومنها:

  • إن الجهود المبذولة لإعادة المهجرين واللاجئين تتجلى في الإحصاءات المتعلقة بعودة المواطنين السوريين إلى وطنهم واستعادة الحياة العادية حيث عاد حتى الآن أكثر من مليونين و413 ألفاً و527 مواطناً سورياً إلى ديارهم وتم إصلاح وتشغيل آلاف المنشآت ذات الأهمية الاجتماعية والصناعية في مناطق مختلفة من البلاد منذ عام 2018.
  • إن الحكومة السورية تواصل تطوير القطاعات الصناعية والزراعية والاقتصادية وتقديم الدعم في مختلف المجالات من إصدار قروض تفضيلية لرواد الأعمال وخلق الوظائف الإضافية للمواطنين العائدين إلى وطنهم إلى الاستخدام المباشر لإمكانات الإدارات السورية بما يساهم في استعادة أهم الصناعات والبنية التحتية.
  • إن السلطات التنفيذية الاتحادية ومنظمات الاتحاد الروسي تواصل العمل على تقديم المساعدة الإنسانية لإعادة الإعمار في سورية ويجري تنفيذ أنشطة مشتركة في مجال التجارة والتراث الثقافي والتنمية الصناعية والزراعية ومن خلال جهود ممثلي مركز إنقاذ الآثار التابع لمعهد تاريخ الثقافة المادية في الأكاديمية الروسية للعلوم والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية تم إنجاز العمل في المرحلة الأولى من ترميم قوس النصر في تدمر وستتم متابعة باقي المراحل.
  • إن ممارسات الدول الغربية التي تهدف إلى الضغط الاقتصادي على الدولة السورية وانتهاك سيادة ووحدة أراضيها وفرض عقوبات غير مشروعة ونهب موارد الدولة تترك آثاراً سلبية كبيرة على عودة المهجرين وعلى حياة ملايين السوريين.
  • إن استمرار آلية تسليم المساعدات عبر الحدود يعد مشكلة خطيرة فهي لا تلبي احتياجات جميع السوريين وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2642 كما أنها تسمح برعاية المجموعات الإرهابية في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية بأموال المجتمع الدولي ولا تسهم إلا في إطالة أمد الأزمة في سورية وتضر باستعادة الحياة العادية في البلاد.
  • وركز فيصل المقداد وزير خارجية النظام على أن التسويات والمصالحات الوطنية المحلية، هي الطريق لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، وعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم وبيوتهم. وأنه تم إصدار”21″ مرسوم عفو عام كان أخرها المرسوم التشريعي رقم”7″ لعام، 2022 ورحبَ بما جاء في قرار مجلس الأمن رقم “2642” بخصوص مشاريع التعافي المبكر وتحسين الوضع الإنساني في سورية وعودة اللاجئين والنازحين السوريين.

وبناء على ما سبق يمكن القول إن هذا الاجتماع هو حلقة في سلسة الأكاذيب والخداع والتضليل التي يمارسها النظامين الروسي والسوري، حيث أن الوقائع على الأرض تُكذب هذه الادعاءات وتفضح الأهداف الحقيقية لهذه الاجتماعات من خلال ما يلي:

  • إن جهود روسيا تنحصر في أعمال تُكرس الغزو الفكري والعسكري والثقافي حيث تركزت على انشاء مدارس لتعليم اللغة الروسية، وإثارة النعرات الطائفية والدينية من خلال تشكيل ميليشيات مسيحية أرثوذوكسية تقاتل تحت القيادة المُباشِرة القوات الروسية، ومنحها الحصانات القضائية من الملاحقة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها بحق السوريين، واستخدامهم كمرتزقة تقاتل إلى جانبها في أوكرانيا، وقد قام الاتحاد الأوروبي مؤخراً بفرض عقوبات عليها بسبب ذلك، وإبرام اتفاقيات التعاون مع هذه الميليشيات لمنح أبناء قتلاها مِنَح دراسية في الجامعات الروسية، والتركيز على بناء الكنائس ذات صِبغة طائفية على خلفية إحياء أحقاد تاريخية كمعبد “آيا صوفيا” العسكري في مدينة السقيلبية ومعبد “الأربعين شهيد” العسكري في محردة، إضافة إلى ترميم الآثار والتعاون الديني بين وزارة الأوقاف وبين جامع موسكو، ونقل الأطفال السوريين إلى روسيا لإعادة تأهيلهم في المدارس العسكرية الروسية.
  • مازالت عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والابتزاز المالي مستمرة بحق المهجرين العائدين إلى مناطق سيطرة النظام وقد تم رصد وتوثيق المئات من هذه الحالات من قبل اللجنة الدولية المُستقلة بشأن سورية.
  • مازالت الميليشيات الإيرانية وحزب الله، والمرتزقة الروس، والميليشيات الطائفية هي القوة الضاربة في البلاد، وهي من تدير المناطق التي تقع تحت سيطرتها في غياب كامل لمظاهر سيادة الدولة.
  • إن ما يُسمى “الانتخابات” المحلية والبلدية تؤكد على كذب هذا النظام من خلال عمليات التزوير في إرادة الشعب والتزوير في السجلات الأساسية للدولة “السجل المدني العام، وبيانات المكتب المركزي للإحصاء، والسجل الانتخابي” وأنه يحكم البلاد بعقلية العِصابة وليس بمنطق الدولة حيث أسند رئاسة والمكاتب التنفيذية للبلديات ومجالس المدن ومجالس المحافظات إلى شبيحته الأكثر ولاءً وإجراماً.
  • وأن قوانين العفو كلها الـ “21” لم تَطَلْ أياً من المعتقلين على خلفية الثورة، إذ إن أعداد المستفيدين منها لم تتجاوز المئات من أصل مئات الألوف، وأن المستفيدين فقط كانوا قضوا أكثر من مدة محكوميتاهم.
  • أكذوبة العفو “7” لعام 2022 هي أكبر خديعة للمجتمع الدولي لان هذا القانون لم يشمل إلا الموقوفين على خلفية التسويات والمصالحات التي انعقدت في العام 2016 وما بعد ولم يشمل أياً من المعتقلين أو المحكومين الاخرين وتفيد آخر إحصائية لعدد المفرج عنهم بموجب هذه العفو “575” أغلبهم ممن تم توقيفه على خلفية التسويات في درعا ممن تتراوح مدد توقيفهم بين الشهرين الى السنتين أو ثلاث سنوات، وأن هذا “العفو” لا يؤثر على مذكرات البحث والقبض والأحكام الغيابية، كما أنه لا يؤثر على إذاعات البحث الصادرة عن الأجهزة الأمنية حيث ما زالت سارية المفعول.
  • وأن أعداد “العائدين” التي يتبجح بها النظام هي للعائدين إلى قراهم المدمرة ممن هم بالأصل كانوا نازحين ضمن مناطق سيطرته، وهم في الغالبية العظمى منهم من الموالين والذين انخرطوا في صفوف ميليشياته الإجرامية وكان آخرها السماح بعودة أهالي معرة النعمان في ريف إدلب المنتشرين في مناطق سيطرته.
  • وأن موجات الهجرة والهروب من مناطق النظام لم تتوقف بسبب القمع الأمني وبسبب الحالة الاقتصادية المُتردية، وانتشار الفوضى وارتفاع مستوى الجريمة المنظمة، وانتشار المخدرات، وبيوت الدعارة التي تُديرها ميليشيات النظام، وقد وصلت أعداد المهاجرين الفارين من مناطق النظام وفقاً للتصريحات الرسمية حوالي “40” ألف شخص شهرياً.
  • تهجير أو هجرة رؤوس الأموال والصناعيين والحرفيين إلى دول الجوار بسبب “الإرهاب” الذي تمارسه عصابات الأسد وأجهزة مخابراته عليهم واجبارهم على دفع أتاوات باهضه تُستخدم في تجنيد الشبيحة والمرتزقة، الأمر الذي إلى هروب الصناعيين والتجار، إدخال الشركات ورجال الأعمال الإيرانيين لاستغلال البنى الاقتصادية التي خلفها الصناعيين والتجار السوريين ضمن مشاريع ما سميت “إنعاش المشاريع الاقتصادية المتعثرة” واستخدامها لصناعة وإنتاج وتهريب المخدرات، أو للاستخدامات العسكرية المحظورة التي قامت الطائرات الإسرائيلية باستهدافها ومنها المداجن والمباقر الواقعة جنوب مدينة طرطوس.
  • ما زالت سياسة العقاب الجماعي قائمة حيث أن النظام السوري وعصاباته ما زالت تقوم بنهب الممتلكات والأرزاق ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة سواءً عن طريق أحكام المحاكم الميدانية العسكرية أو محاكم الإرهاب أو قرارات الحجز الاحتياطي أو التنفيذي من قبل مكتب الأمن الوطني أو وزارة المالية، أو من خلال قرارات اللجان الأمنية في المحافظات وكان آخرها منذ أيام نهب مواسم مئات الآلاف من الدونمات المزروعة بالزيتون والفستق الحلبي وطرح الأراضي الزراعية العائدة للمهجرين قسرياً من محافظات حماة وإدلب ودير الزور وحمص في المزادات لتأجيرها للشبيحة، وجمع عائدات هذه الجريمة وصبها في صندوق ما يُسمى “صندوق دعم عائلات شهداء وجرحى الدفاع الوطني” الذي تديره قيادة الدفاع الوطني وتنفذه عن طريق “مؤسسة الشهيد” الذي يرأس إدارتها قائد الدفاع الوطني ويرأس فروعها في المحافظات قواد فروع الدفاع الوطني وزوجاتهم.

وتتجلى الأهداف الحقيقية لهذه الاجتماعات بما يلي:

  • الضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات الغربية المفروضة على النظام وإلغاء قانون قيصر.
  • استغلال تماهي المجتمع الدولي عبر المبعوث الدولي “بيدرسون” مع المقاربة الروسية للقرار “2254” القائمة على خطة “خطوة مقابل خطوة” الأمر الذي أدى إلى انفتاح المنظمات الدولية على النظام لرعاية مشاريع إعادة الإعمار تحت غطاء ما يسمى مشروع التعافي المبكر، وقد بدأت بوادر انطلاق هذا المشروع من خلال رعاية منظمة الصحة واليونسكو واليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر لعدد من المشاريع الانمائية وإعادة تأهيل المدارس والمشافي والمؤسسات الحكومية وتدريب “ضباط وقضاة، وموظفي وزارة الخارجية” حول القانون الدولي الإنساني عبر عقد ورشات عمل عديدة ودورية في كل منها.
  • تعويض الأعداد الكبيرة من العسكريين الذين تم تسريحهم مؤخراً ممن أمضوا أكثر من “10” سنوات، وسد هذا النقص في أعداد الجنود عبر عمليات التسوية وما تسمى قوانين العفو التي تُركز على استقطاب الفارين من الخدمة أو المتخلفين عنها لزجهم في صفوف ميليشيات النظام للقتال على الجبهات.
  • استغلال الدعم المُقدم من خلال برنامج التعافي المُبكر في تدعيم المؤسسات التي تخدم حربه ضد الشعب، وصرفها في غير المشاريع الأساسية من تأهيل البنى التحتية من كهرباء ومياه وأفران وتأمين المواد الغذائية الأساسية.

مادامت هذه العصابة “البروكرستية” جاثمة على صدور السوريين فلن ينعم الشعب السوري بالأمان، ولا بالاطمئنان على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم، ولا يمكن أن تكون هناك بيئة آمنة يأمن السوريون المُهجرين قسرياً تدعوهم للعودة إلى حضن القتلة والمجرمين، وأنه لا أمان ولا اطمئنان ولا عودة الى الوطن إلا بزوال هذه العصابة واجتثاثها من جذورها، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يعيَ هذه الحقيقة، وأن يعمل على تحقيق إرادة السوريين، والكف عن محاولات إعادة تأهيل هذا النظام المُجرِم، وإعادة إنتاج رأس الإجرام بشار أسد، وكف يد النظام الروسي عن العبث في تركيبة المجتمع السوري وتمزيقه، وسرقة ثرواته واحتلال أراضيه وتقاسمها مع النظام الإيراني المجرم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني