يسأل سقراط غلوغون في الجمهورية قائلاً: “تصور طائفة من الناس تعيش في كهف سفلي مستطيل ويدخله النور من باب، وقد سجن فيه أولئك (أفراد الطائفة) منذ نعومة أظافرهم والسلاسل في أعناقهم وأرجلهم فاضطرهم للجمود والنظر للأمام فقط، ذلك أن الأغلال تحول دون التفاتهم، ثم تصور أن وراءهم نارا ملتهبة في موضع أعلى من وقوفهم وبينهم وبينها تلة عليها جدار منخفض كسياج المشعوذين الذين ينصبونه تجاه مشاهديهم وعليه يجرون ألعابهم.
وتصور أناساً يمشون وراء ذلك الجدار حاملين تماثيل بشرية وحيوانية مصنوعة من حجارة وأخشاب ضخمة مع كل أنواع الأواني مرفوعة فوق الجدار، أو ليست بما يمرّ أمامهم من الأشياء محدودة على القياس نفسه؟.
فتأمل ماذا يحدث لهم إذا أفضى مجرى الأمور الطبيعي إلى تحريرهم من القيود وشفائهم من جنونهم.
ثم يعود سقراط ليسأل غلوغون: فتصوّر ماذا يحدث إذا هبط ذلك الإنسان ثانية إلى الكهف؟
أفلا يغشي الظلام عينيه لانتقاله فجأة من الشمس الساطع إلى ظلمات ذلك المكان.. وإذا اضطرّ لإبداء رأيه في تلك الظلال ومجادلة الراسخين في القيود أبد الدهر بخصوص الظلال أفلا يكون موضوع هزء ويقولون إنه صعد سليم النظر وعاد عليله.. أفلا يكون من الصواب براح ذلك الكهف. وإذا حاول فك أغلالهم وأصفادهم.. أفلا يستاؤون منه إلى حدّ أنهم يغتالونه؟ ويجيب غلوغون: بلى، إنهم يغتالونه.
وسكان الكهوف بكل أنواعها يخشون الأنوار بكل أنواعها، سكان الكهوف هم وسخ التاريخ المناهض للشمس، من وسخ العنصري المحتل أرض كنعان إلى سلطة الاستبداد والقتلة إلى وسخ الغارقين بوحل الأقدمين، إلى وسخ حاملي الألقاب الزائفة.