القطب الشمالي مركز الصراع الدولي في القرن الحالي
بوسيدون في الأساطير الإغريقية القديمة هو إله المحيطات والبحار. يعيش تحت الماء وهو يرمز إلى الشر والتدمير. وتقول تلك الأساطير إن الإله بوسيدون لا يستعمل تلك القوة الخارقة إلا عند الضرورة وحين يغضب من أمر ما.
أراد الروس استغلال هذه القصة المسلية لتكون كابوساً للغرب ولأمريكا تحديداً بصناعة سلاح طوربيد بحري جديد يسير تحت المياه باسم بوسيدون يحمل رأس تفجير نووي قادر على تدمير قارة بأكملها ويملك ميزات التخفي وخداع الرادارات المعادية.
يملك الناتو معلومات منذ عام 2015 مفادها أن الروس يطورون سلاحاً خطيراً، ولكن القلق الحقيقي بدأ بإعلان الرئيس الروسي مؤخراً نشر هذا السلاح تحت مياه القطب الشمالي.
تبلغ مساحة المحيط المتجمد الشمالي 14 مليون كيلو متر مربع وهو أصغر المحيطات الخمسة بالعالم.. وتذوب مياهه ستة أشهر في السنة من آذار حتى تشرين الثاني، وتشرف عليه خمسة دول هي الولايات المتحدة الأمريكية عبر ألاسكا (التي اشترتها الحكومة الأمريكية من روسيا القيصرية في القرن الثامن عشر لقاء 8 مليون دولار) والاتحاد السوفييتي والنرويج والدانمرك وكندا.. وتوجد جزيرتان روسية وامريكية في ألاسكا المسافة الفاصلة بينهما 6 كم، يبلغ عدد سكانه (من الدول الخمسة) أربعة ملايين نسمة يعيشون في هذه الطبيعة القاسية، كان الاتحاد السوفييتي ومن بعده روسيا مرتاحان لأن الجنرال جليد هو من يشكل سداً منيعاً وحماية لحدودها الشمالية من أي مغامرة غربية، بالمقابل حاولت الولايات المتحدة في سني الحرب الباردة إنشاء مدينة تحت الجليد لتخزين أسلحة نووية لكن لم يتم إكمال الموضوع نظراً لظروف الطقس والتكاليف الباهظة.
وقد أثار عرض الرئيس ترامب شراء جزيرة غرينادا الدانمركية القطبية لغطاً وصخباً وتم طي الموضوع، ما أرجع الاهتمام الدولي إلى القطب الشمالي أنه بحلول عام 2050 ستذوب مياه المحيط بفعل التغيرات المناخية وارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض.
وحتى حلول ذلك العام وبناء على المعطيات الحالية فإن روسيا الاتحادية تملك 40 كاسحة جليد عملاقة مقابل اثنتان تملكهما الولايات المتحدة في ألاسكا. حيث لم تكن الحكومة الأمريكية مهتمة بالموضوع الأمر الذي يتسبب بانتقاد وسخرية الإعلام والمشرعين الأمريكان.
وقد رصد الناتو في الأعوام الأخيرة حصول تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة بين الجيشين الروسي والصيني في المنطقة.
بعد انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفييتي لم تعد للمنطقة أية أهمية، ولكن بدءاً من العقد الأول لهذا القرن بدأ الاهتمام بالمنطقة لعدة أسباب.
منها استرداد روسيا الاتحادية لبعض من عافيتها ومحاولة استغلال ثرواتها وحماية أمنها القومي والصعود الصاروخي للصين الباحثة عن الموارد الطبيعية والطرق التجارية، وتطور التقنيات التكنولوجية الحديثة التي تتيح للشركات استثمار الموارد الهائلة تحت مياهه. الأمر الذي كان مكلفاً بل متعذراً في الماضي القريب.
اعتباراً من عام 2008 بدأت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تصدر تقديراتها عن حجم الثروات المخزونة في القطب الشمالي.
30% من الغاز الطبيعي في العالم غير المكتشف.
13% من كميات النفط في العالم غير المكتشفة (وهي تقدر بـ 90 مليار برميل تقريباً).
كميات كبيرة من المعادن كالزنك والنحاس والألمونيوم إلخ.. والأهم من ذلك كميات كبيرة من العناصر النادرة التي تدخل بالصناعات التكنولوجية الدقيقة.
هذه الثروات الهائلة تغري عديداً من الدول للقتال من أجلها، إضافة إلى البحث الدائم عن طرق دولية للتجارة، الطريق التي تروج له روسيا هو طريق بحر الشمال الذي يربط آسيا بأوربا وأمريكا عبر روسيا، واختصار طريق قناة السويس أو غيره الطويل والمكلف.
ليس السلاح الروسي الجديد مجرد قنبلة نووية، بل إضافة إلى ما يملكه أثناء سيره تحت المياه من قدرة كبيرة على خداع أجهزة الرصد يحمل قوة تدميرية تعادل ملايين الأطنان (مع العلم أن القنبلة الامريكية التي ألقيت على هيروشيما بلغت قوتها التدميرية 15 ألف طن، وهذا القياس يتم بالاعتماد على المقارنة مع طن من الديناميت)، وقبل وصول الصاروخ المائي الجديد إلى هدفه يسبب تسونامي مائي يغرق المدينة بالمياه ويجعل العيش فيها مستحيلاً.
المخابرات النرويجية (وهي المصدر الأهم لمعلومات الناتو) أكدت أن هذا السلاح الذي بدأ تطويره اعتباراً من عام 2015 والذي كان الغرب يسخر منه، قالت إن ذلك سلاح حقيقي.
وقد قال الرئيس الروسي في خطابة بعد انتخابه، إن روسيا تملك الكثير من الأسلحة ولكنهم كانوا لا يريدون سماعنا، وخشية الروس من الغرب وإحاطتهم بعدد كبير من الأعداء هو ما يجعلهم يفضلون تطوير الصناعات الحربية والاهتمام بها أكثر من الصناعات الأخرى.
انتباه أمريكا مؤخراً للخطر القادم من الشمال دعا الجيش الأمريكي لإطلاق مناورات في عهد الرئيس بايدن أطلق عليها اسم (محاربو القطب الشمالي) وحذت حذوها النرويج أيضاً.
خطورة المنطقة أيضاً أن الممرات المائية عبر غرينلاند وأيسلاند تتيح للغواصات الروسية النفاذ إلى المحيط الاطلسي.
وفي النهاية تحولت منطقة القطب الشمالي الهادئة إلى ساحة صراع دولي بين الروس ومن خلفهم حلفائهم الصينيين والغرب عامة.