fbpx

الفكر الطائفي – الأسباب والنتائج

0 200

الفكر وجه العالم كما وصفه الأستاذ جاد الكريم الجباعي في كتابه وردة في صليب الحاضر، وهو الأساس في بنية الإنسان الذاتية فردية وجمعية في مساراتها وانتقالاتها وتقدمها وتطورها، كما أنه إحدى الركائز الثلاث التي تقوم عليها مسارات الحياة الإنسانية، العقل، الفكر/الواقع المادي المعيش/الشغل العمل/ في إطار التحادل والتكامل والتقابل.

والفكر قوته بعموميته وشكل تناوله من قبل حملته وطرق نقده لأنه خاضع لتباين العقول وأشكال جدل الحياة، وحركة الواقع المعيش، وطرق الممارسة على أرض الواقع، ومساحة الحرية التي يتحرك من خلالها كل ذلك بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى لا مجال لذكرها ينعكس على طبيعته وشكل حركته واتجاهها وعلاقته بالحامل وقدرته على تحريك المحمول وإبقائه على السكة السليمة ليعبر عن حقيقة وجوده كسلاح ووسيلة إنتاجية عبر مسارات معرفية وفق معيارية إنسانية تتكامل في إشادة وبناء المجتمع الإنساني المنشود.

أو يتحول إلى مقدس ويصبح الهم الأساس لحامله حماية التقديس وتعميمه وبذلك يسلب الإنسان ويغرب عن ذاته وينحرف الفكر عن مساره ويدخل في عطالة وتشويه لحقيقة وجوده.

في أسباب وجوده، وهذا يدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة:

هل عملية تطييف الفكر هي خيار وغاية أم نتيجة ظروف موضوعية؟

هل هو ردة فعل على فعل آخر كما قال العديد من المهتمين الذين تناولوا هذا الموضوع أم هو فكر يقوم على رؤية ما حول مسألة ما تخالف أو تتباين مع ما هو قائم الذي جرمه وحاول بتره وإنهائه بشتى الأساليب العنفية بما فيها المذابح؟

هل التطييف محصور في الأقليات (والحديث هنا عن الأقليات الدينية).

أم هو بنية فكرية معرفية ثقافية تقوم على العداء للآخر المختلف ومحاربته

للإجابة على هذه الأسئلة لابد من العودة إلى البدايات، وخاصة منها بداية الانحراف وتطويق العقل الإنساني وشل حركته وهو ما أسماه الأستاذ أحمد الرمح بالدين الموازي، حيث كانت الخطوة الأولى التي شكلت البداية، وهي أولوية الإيمان على العقل أي أؤمن ثم أعقل، أو بعبارة أخرى، أولوية الإقرار في وجود الخالق كما يصوروه ويفهموه (سدنة الدين الموازي)، ضمن سياق إلزامي الخروج عنه خطيئة يحاسب عليها صاحبها في الدنيا قبل الآخرة، وربما يقتل تحت مقولة الارتداد.

كما أنهم حصروا عمل العقل في كيفية تنفيذ الأوامر والنواهي، وهنا نقطة البداية التي جرت إلى مذابح ومظلوميات كثيرة جداً تناولت المخالفين والذين لم يسمح لفكرهم بالحد الأدنى من الانتشار الحر حتى يتم اختياره أو رفضه.

ولم تكن المذابح التي جرت مقتصرة على الأقليات بقدر ما كان القتل والذبح هو الأسلوب الأساس في العداء مع الآخر.

لننظر مثلاً ماذا فعلت الحرب على الخلافة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وماذا فعل العباسيون بالأمويين، ماذا فعل أبو العباس الذي سمي سفاحاً، وهو جدير بهذا الاسم، وماذا فعل خالد ابن الوليد سيف الإسلام المسلول أو سيف الله، والآن تسمى الجوامع باسمه، وماذا فعل الوليد بن عبد الملك وتمزيقه للقرآن.

إذا سألك ربك في يوم حشر قل يا ربي مزقني الوليد

وماذا وماذا وماذا…؟

كم من البشر قتلوا تحت ذريعة الإيمان (ودفاعاً عن الله) حتى وصلنا لتشكيل أحزاب باسمه ترتكب الموبقات تحت هذا الاسم، كأن الله بحاجة لمن يقاتل من أجله.

والسؤال أليس هذا أساس الفكر الطائفي والطوائف والتطييف، وأليس هذا فعلاً همجياً كما وصفه “ول ديورانت” في قصة الحضارة؟ نعم عندما يحاصر العقل ويمنع من الحركة والتعبير عن ذاته يظهر ما هو أكثر سوءاً من الطائفية، بل ربما تصبح الطوائف أقرب إلى العصابات منها من الأديان والمعتقدات، ويصبح الإنسان أكثر سوءاً من الوحوش المفترسة، ولدينا من هذه البضاعة من يضرب الشعب بالكيماوي ماذا نسميه؟.

إن الإنسان عندما يفقد مضمونه يتحول إلى كائن آخر ربما أكثر سوءاً من الوحوش، والطائفية هي الابن الشرعي للدين الموازي الذي تحدث عنه الأستاذ أحمد الرمح، الابن الشرعي للقتل والمذابح والمظلوميات التي جرت بحق هؤلاء الناس الذين كانت جريمتهم تقديم رؤية مختلفة عما قال فلان أو فلان.

والغريب أن هذه المعتقدات والدعوات، لم تقرأ قراءة بمعايير عقلانية إنسانية، ما زال تفكيرنا محصور بالقرآن وتجديده وإعادة إنتاجه رغم الفشل المتلاحق. بالإضافة انه لم يتوفر الحد الأدنى من الأمان لإمكانية البوح بما يوجد لدى هذه الطوائف من أفكار يمكن أن يكون بعضها مفيد.

إن الطوائف الآن كما الأديان نسبيا تتوارث من الأب إلى الأبناء بمعزل عن أي عملية عقلية.

وما دمنا لا نرى الفكر الطائفي إلا عند الآخر فنحن ننميها وتزيد من خطورتها.

هنا نقطة البداية وهنا تقع المسؤولية على العقلاء من جميع الطوائف على الباحثين والمفكرين والكتاب في نشر الفكر الديني ونقده بمنظار عقلاني علمي ومسؤولية وكل من أرضه يكفي التستر على تلك الجهلة القيمين على الأديان والمعتقدات، فلنعمل لتبيان ما هو عقلاني ومفيد ليشكل أرضية التحرك الوطني الجامع تحت المطلق الإنساني وإسقاط كل المطلقات الأخرى، لنشيد بنى جديدة على هذه الأرضية.

لماذا تحتل هذه المسألة صفة الأولوية؟.

في تسعينيات القرن الماضي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي ظهرت معادلة جديدة وهي أن العدو القادم هو الإسلام دون تبيان الأسباب.

وهناك قول لبريجنسكي مستشار الأمن القومي في مدة رئاسة جيمي كارتر، “إن أفضل وسيلة لتفتيت الأنظمة والدول والشعوب هي تعميق التعدد المذهبي والطائفي والعرقي من خلال تمكين طائفة بعينها ودعمها لقهر بقية المكونات، وبهذا ستعاني تلك المجتمعات من مشكلة دائمة تتعلق بخلق التوافق النسيجي فيما بينها”، هذا بالإضافة إلى العديد من الأقوال الأخرى.

إن الطائفية والمذهبية والأديان بما هي عليه الآن أصبحت سلاحاً ضد الشعوب التي ما زالت تلوذ بطوائفها على حساب وحدتها التي تعتبر أساس قوتها وكرامتها واستقلالها وحريتها.

وما هو حاصل اليوم من استغلال الطائفية والأقليات من قبل النظام في هذه الحرب العبثية التي أنهكت شعبنا وشردته.

وبكل آسف هناك العديد من العاملين في إطار المعارضة ينطلقون من نفس القناعة بأن الحرب هي حرب طائفية بين الشيعة والسنة كما أنهم يعتبرون الشمال السوري منطقة محررة، دون النظر إلى طبيعة القوى المهيمنة على هذا الجزء من الوطن المحكوم من قبل قوى إرهابية طائفية ليست أقل خطورة من النظام بل هما وجهان لعملة واحدة.

إن ما وصل إليه الفكر الديني من التطييف والتناقض والعدائية أصبح سلاحاً ماضياً يستخدمة أعداء شعبنا والطامعين بنا وبأرضنا وخاصة دولة إسرائيل حيث تقدم لها المنطقة على طبق من فضه بوسائل حديثة دون أن تبذل أي جهد.

شعبنا يدمر بعضه بعضاً بحرب عبثية دمرت البشر والشجر والحجر والقوى وإسرائيل تجني الثمار.

إن إسقاط الفكر الطائفي والاستبدادي لا يتم بتغيير الشخوص بل بتغيير البنى من أساسها إلى رأسها.

كما أن القفز فوق الأديان بما هي عليه دون تحديد مضارها ومخاطرها سيبقينا في دائرة التخلف.

إن المهمة الأولى كما أسلفت تقع على عاتق الشريحة الوطنية المتفكرة في إنتاج الوطنية السورية الجامعة على أرضية علمية عقلانية بمعيارية إنسانية وصولاً لدولة المواطنة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني