العميد مهند الطلّاع لـ نينار برس: قيادة التحالف الدولي أرسلت لي ورقة بإحالتي إلى التقاعد
نينار برس التقت العميد مهند الطلّاع عبر الفضاء الإلكتروني ووضعت أمامه مجموعة من الأسئلة، فكان الحوار التالي:
س1: عزلكم من قيادة المغاوير التي ساهمتم بتأسيسها، من جهة ممولكم وداعميكم التحالف الدولي يقف خلفه رفضكم الدائم التعاون مع قوات ميليشيا قسد واقترابكم من تركيا، ما حقيقة الأمر أولاً؟ وماذا ستفعلون رداً على قرار عزلكم؟.
أرسلت لي قيادة التحالف الدولي، ورقة بإحالتي إلى التقاعد، وذكرت أن سبب ذلك، وجود تهديد على حياتي من قبل أطراف كثيرة، ولكن حقيقة الأمر هو عزلي من قيادة تشكيل “مغاوير الثورة”، وأحد أهم الأسباب لذلك هو رفضي العمل مع “قسد”، حيث كانت هناك محاولات سابقة كثيرة من قبل قيادة “التحالف الدولي” من أجل التنسيق مع “قسد”، وكان موقفي دائماً هو الرفض.
أهم أسباب عزلي، رفضي التعاون مع “قسد”
يضاف إلى ذلك، أن قيادة التحالف الدولي قد منعت “جيش مغاوير الثورة” منذ البداية من الاحتكاك مع النظام السوري، وتوجيه أي ضربات له.
أما فيما يخص التقارب مع تركيا، فليس له دور في عزلي، لأن إجازتي وزيارتي لـتركيا هي زيارة عادية، وكنت أقوم بذلك سابقاً بشكل دوري، كون عائلتي تقيم في تركيا، وهذه الإجازة كحال إجازاتي السابقة.
وماذا ستفعلون رداً على قرار عزلكم؟.
ليس بإمكاني أن أفعل شيئاً أكثر من الاستفسار عن سبب العزل، والتواصل مع الضباط العسكريين في التحالف الدولي الذين كانوا يعملون معي في الميدان، وبالفعل تواصلت معهم، وأخبروني جميعاً بأنهم أيضاً، متفاجئون من القرار بعد سفري إلى تركيا، وقالوا إن القرار “بالإحالة إلى التقاعد”، كان قد صدر من مستوى أعلى.
س3: أنتم منذ بداية تأسيسكم وضعتم كل البيض في السلة الأمريكية وبقيتم بلا تنسيق وتعاون فعال مع الجيش الوطني في الشمال السوري، هل يمكنكم فعل شيء جديد له وزن وقيمة على مستوى القضية بعد عزلكم؟ أم ستبقون في مغاويركم كضابط؟.
نحن أنشانا “جيش مغاوير الثورة” في الجنوب السوري، في منطقة التنف، وأسسناه كـ “جيش وطني حقيقي”، هدفه ومهمته الأساسية هو قتال “داعش” والنظام السوري، هذا الجيش الوطني لم ينشأ للتنسيق مع ميليشيا قسد، أو مع أطراف غير وطنية.
أما فيما يخص التنسيق مع “الجيش الوطني في الشمال السوري المحرر”:
أولاً: وجود مسافة كبيرة وبعيدة بين الجنوب السوري ومنطقة التنف، وبين مناطق الشمال السوري المحرر، لذلك يصعب بل ويكاد يستحيل التنسيق والتواصل بين الطرفين.
أما نظرتي الخاصة للـ “الجيش الوطني في الشمال السوري المحرر”، فإنه أيضاً، لا يقوم بالمهمة الأساسية التي أنشأ وتأسس من أجلها “الجيش الحر”، فهو لا يسمح له أن يضرب ويقاتل قوات النظام السوري على نطاق جبهة واسعة، ولا يسمح له أن يقاتل القوات الإيرانية على نطاق جبهة واسعة، ولا يقاتل التنظيمات الإرهابية المعادية للثورة السورية، مثل “داعش” و”جبهة النصرة”، و”ميليشيا قسد”، وهذه كلها أطراف معادية للثورة السورية، وهذا الجيش لا يسمح له أن يفعل شيء من ذلك كله.
يضاف إلى ما سبق، أن الجيش الوطني في الشمال السوري غير منضبط، فلا زالت “العقلية الفصائلية” تحكمه، فوضع فصائل الجيش الوطني في الشمال السوري “مشكلة ومأساة حقيقية”، فهم يتقاتلون فيما بينهم، ويتناحرون فيما بينهم، وينشئون حواجز عسكرية لبعضهم بعضاً، ويتسببون بتفجيرات لبعضهم بعضاً، وتوجد بيهم اغتيالات كثيرة ولا زالت تتزايد يوماً بعد يوم، لكل هذه الأسباب، لا يمكن التنسيق معهم.
بالنسبة لي شخصياً، مستعد للتعامل والتعاون والتنسيق مع أي نواة حقيقية لـ “جيش وطني حقيقي”، نعم أنا مستعد للعمل مع أي جهة، من أجل نجاح وانتصار الثورة السورية، فلقد كنت ولا أزال أسعى من أجل تحقيق أي شيء جديد يخدم قضية الشعب السوري الذي يستحق منا أن نقدم له الغالي والنفيس، لذلك لم نستكن أبداً، وسنسعى لتحقيق عمل منظم له قيمة ووزن أكبر مما عملناه سابقاً، وسيكون بإذن الله تعالى وتوفيقه، عملاً فعالاً وناجحاً، نستفيد من خبرتنا في التجارب السابقة.
س3: مخيم الركبان كان تحت حمايتكم ومع ذلك لم تستطيعوا حل مشكلاته من حيث تأمين مياه الشرب والغذاء للسكان النازحين فيه، لماذا وجد المدنيون في مخيم كهذا؟ ألم يكن أمامهم خيارات أخرى؟ ولماذا يحاصر النظام هذا المخيم هل الأمر يتعلق بكم أم بالتحالف أم باعتبار المنطقة منطقة عبور نحو الأردن والسعودية؟.
نعم بالفعل كان مخيم الركبان تحت حماية جيش مغاوير الثورة، وكانت لنا مهمة واضحة وصريحة هي حماية المخيم عسكرياً، والحفاظ على استتباب الأمن داخل المخيم.
“جيش مغاوير الثورة” هو فصيل “جيش حر” مقاتل، له مهمة عسكرية وقتالية وأمنية محددة، وليس من مهمته تأمين المياه والغذاء والدواء لسكان المخيم، ومع ذلك كنا نعمل بما نستطيع بهذا المجال كدور إضافي لنا.
من المفترض أن تقوم بهذه المهمة “المنظمات الإنسانية”، وهناك “الحكومة السورية المؤقتة”، “المجالس المدنية والمحلية”، وهناك “المجلس المدني الموحد الموجود داخل مخيم الركبان”، هؤلاء جميعاً مهمتهم تأمين المياه، والمواد الغذائية.
أيضاً تتحمل الدول المجاورة كالأردن والعراق أيضاً جزءاً كبيراً من المسؤولية، ولكنهم للأسف كانوا يمنعون دخول المواد الغذائية، فالعراق لا يناقش بهذا الأمر نهائياً، ولا يسمح به، أما الأردن ففي فترة من الفترات سمحت بدخول المواد الغذائية عبر حدودها إلى المخيم، ولكن بعد فترة تغيرت سياستها، وبدأت بمحاولات لطرد اللاجئين وإبعادهم عن حدودها، والآن تعتبر وجود اللاجئين على حدودها خطراً كبيراً، وتهديداً لوجودها وللأمن القومي للأردن.
يضاف لما سبق، أن الأردن في الفترة الأخيرة أعادت علاقاتها مع النظام السوري، وكان هناك بينها وبين النظام السوري اتفاق بمنع دخول أي شيء إلى سكان المخيم، وكل ما تسمح به الأردن الآن هو إدخال كميات قليلة غير كافية من المياه، وكل فترة تبدأ بتقليل كمية المياه المخصصة للمخيم.
وعلى الجانب الصحي، فقد أغلقت الأردن النقطة الطبية الموجودة على أراضيها، التي كانت تخدم سكان المخيم، علماً أنها تابعة للأمم المتحدة، تحت ذريعة “جائحة كورونا”، أما السبب الحقيقي فهو الاتفاق بين الأردن والنظام السوري.
فإذا كانت الأمم المتحدة غير قادرة على إدخال مواد طبية، وإعادة فتح النقطة الطبية، فماذا يستطيع أن يفعل فصيل عسكري موجود في البادية السورية؟ هل يقاتل الأردن مثلاً؟.
كما أن النظام السوري وحليفه الروسي يمنعون دخول المواد الغذائية والطبية والمساعدات الإنسانية، وقد اعترف النظام السوري بحصار مخيم الركبان بالاتفاق مع القوات الروسية، حيث صرح وزير الخارجية السوري “فيصل مقداد” في مقابلة تلفزيونية، بأن مخيم الركبان يسكن فيه حوالي أربعين ألف مواطن سوري، ولكن بعد اتباع سياسة معينة، بالتنسيق مع القوات الروسية، أدت إلى رحيل الكثير من الذين لجؤوا إلى تلك المنطقة، وعودتهم إلى حضن الوطن، والآن لم يبق سوى اثني عشر ألف نسمة.
دخلت قافلة واحدة من المساعدات الإنسانية تابعة للأمم المتحدة، ثم بعد ذلك لم يسمح النظام السوري بأوامر روسية من إدخال أي قافلة للمخيم، وهذه المسألة محسومة لديهم، وفي آخر اجتماع معه، أكد ضباط التحالف الدولي أن النظام السوري يرفض رفضاً قطعياً دخول قوافل المساعدات الإنسانية للمخيم عبر مناطق سيطرته.
كل هذه المضايقات هدفها إخلاء المخيم من السكان المدنيين، ودفعهم للعودة إلى أحضان النظام السوري، المدنيين هربوا من بطش وتسلط النظام السوري، والغالبية العظمى من الموجودين في المخيم مطلوبون للنظام السوري.
المدنيون الموجودون في المخيم يدفعون مبالغ مالية كبيرة جداً حالياً، من أجل حذف أسمائهم من قوائم المطلوبين للنظام، فالأخير يعتبر جميع الأشخاص الموجودين في منطقة الـ (55)، معارضين له، ومطلوبين له، لذلك يحاصرهم، ويمنع عنهم المواد الغذائية والطبية والمساعدات الإنسانية، كعقوبة لهم.
في الحقيقة، جميع الأطراف كانت تكذب علينا، النظام السوري، الروس، التحالف الدولي، الأردن، العراق، الأمم المتحدة.
س4: ما آفاق الصراع بين قوى الثورة السورية والنظام الأسدي برأيكم؟ وكيف ترسمون سيناريو لانتهائه كصراع؟.
الثورة السورية تركت لمصير مجهول، بعد أن تدخلت الدول وعبثت بها، ولم تسمح لها بمتابعة مسارها الصحيح، وضيعت اتجاه البوصلة، وتركتها تتهالك، وتضعف شيئاً فشيئاً، ولم يبق من يساندها بشكل حقيقي.
من جانب آخر، صحيح أن النظام الأسدي، نظام متهالك، ولكن هناك دول تعيد تطبيع العلاقات معه، وتفتح بواباتها باتجاهه، بعض الدول بدأت تتسابق لإجراء تواصل وتنسيق وتطبيق علاقات بينها وبين النظام السوري.
فالدول جميعها حاربت الثورة السورية، ووقفت ضدها، ولم يبق لها من يقف معها بشكل حقيقي، وبعض الدول كانت ولا زالت تلعب دوراً رمادياً تجاه الثورة السورية، أما الآن لا توجد دولة تقف مع الثورة السورية، وتساندها بشكل حقيقي.
ولذلك أسباب كثيرة، أبرزها الصراع بين الدول الكبرى، وكانت “الضحية” هي الثورة السورية والشعب السوري، ومن الواضح أن هذا الصراع سيستمر، ولن يكون لسوريا وضع مريح ينتهي فيه القتال، ولن يتوقف شلال الدم السوري حسب معطيات الأحداث على الأرض.
الثورة السورية الآن ليست على السكة الصحيحة
الثورة السورية الآن ليست على السكة الصحيحة، لعدة أسباب أهمها:
- الدور الذي قامت به الدول التي سمت نفسها داعمة للثورة السورية، تدخلت بها، وأضعفتها وقسمتها وشتتها، الثوار السوريون أضاعوا البوصلة، ولا يوجد الآن من يقاتل النظام الأسدي أساس المشكلة في سوريا، توجد عمليات فردية صغيرة، ضد النظام السوري، لكنها غير مجدية.
- الرؤية غير واضحة أمام مسار القوى الثورية تجاه النظام الأسدي، باعتقادي أن العمل العسكري لن ينهي الصراع في سوريا في ظل الموقف الراهن، بسبب عدم وجود قوة على الأرض مسموح لها بالتقدم باتجاه الآخر، فالقرار بخصوص الصراع في سوريا هو قرار دولي وليس قراراً محلياً وطنياً، لم يعد القرار بأيدي السوريين من القوى الثورية، ولا حتى بيد النظام السوري، القرار مرتهن بأيدي دول خارجية، ويمكن أن يستمر أو يتوقف بشكل مؤقت، والملف السوري لا يزال يخضع لمفاوضات بين الدول.