السياسة العِقابيّة للنظام السوريّ في التشريعات العقاريّة
تعتبر التشريعات والقوانين في العرف الدستوري والقانوني من وسائل إدارة الدولة للعلاقات بين الأفراد فيما بينهم وعلاقتهم مع السلطة وحلولاً جذريّة لمشاكل مُستحكمة أو طارئة تُهدِّد استقرار التعاملات والعلاقات بينهم، وعلاقة السلطة مع سلطات الدول الأخرى، للحفاظ على سيادة القانون، والسيادة الوطنيّة، ومن مظاهر السيادة الوطنيّة هو حماية حقوق الأفراد من أي انتهاك أو اعتداء، والحفاظ على وحدة التراب الوطني من ردّ العوان الخارجيّ أو من خلال تنظيم أحكام تملّك الأجانب، وقد صدرت عدّة قوانين وطنيّة تنظِّم الملكيّة العقاريّة، وكان قانون تملك غير السوريين للأموال المنقولة رقم ’’189’’ لعام 1952 قد حظر إنشاء أو تعديل أو نقل أي حق عيني عقاري في أراضي الجمهورية السورية لاسم أو منفعة شخص طبقي أو اعتباري غير سوري. وكذلك حظر إجراء عقود إيجار واستثمار زراعي في الأراضي المذكورة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات لاسمه أو لمنفعته. بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتدفّق العراقيين والإيرانيين الى سوريّة تم إلغاء العمل به بموجب القانون رقم ’’11’’ لعام 2008 الذي تضمّن الغاء القيود على تملّك الأجانب لإفساح المجال أمام هؤلاء الذين فرّوا بما نهبوه من الأموال العراقيّة للتملّك العقاري في سوريّة. والذي صدر بالتزامن معه القانون رقم ’’15’’ للعام 2008 قانون التطوير والاستثمار العقاري الذي إدعى النظام أن أسبابه الموجبة هي مواجهة أزمة السكن وتأمين المساكن لشريحة أصحاب الدخل المحدود وبشروط ميسرة وأقساط مريحة ومساحات اقتصادية إما تملكاً أو استثماراً.
في الوقت الذي ما زال النظام السوري يمنع حتى اليوم على المواطن السوريّ شراء أو بيع العقارات التي تقع ضمن المخططات التنظيميّة للوحدات الإداريّة بموجب قانون تنظيم بيع الأراضي رقم ’’3’’ لعام 1976 وتعديلاته.
ومع اندلاع الثورة في عام 2011 حوّل النظام السوري ’’القوانين والتشريعات’’ من أدوات حماية الحقوق، إلى سلاح في حربه على الشعب السوريّ وأداة من أدوات العقاب الجماعي، ومنها قانون تملّك الأجانب رقم’’11’’ للعام 2011 الذي ألغى العمل بالقانون ’’11’’ لعام 2008.
والمرسوم التشريعي رقم ’’63’’ بتاريخ 16/9/2012 الذي يخول بموجبه الضابطة العدلية والأجهزة الأمنية الاستيلاء على أموال المعتقلين أو المتهمين بجرائم تمس أمن الدولة.
والقانون رقم’’19’’ لعام 2012 المعروف بقانون مكافحة الإرهاب الذي حلّ محل ’’قانون الطوارئ’’ والذي بموجبه يمكن تجميد أموال السوريين المنقولة وغير المنقولة من قبل النائب العام، ومصادرتها من خلال أحكام محاكم الميدان ومحاكم الإرهاب.
وقانون التطوير العقاري رقم ’’15’’ لعام 2008 المُعدّل بالقانون رقم ’’25’’ لعام 2011.
والمرسوم 66 لعام 2012 القاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في محافظة دمشق، لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي، والقانون رقم 10 لعام 2018 القاضي بتعديل بعض أحكام القانون 66 لعام 2012, وبجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية وذلك بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة علماً أن القانون 66 خاصا بمحافظة دمشق أما القانون “10” فهو عاماُ لكل الوحدات الإدارية في سورية.
والقانون رقم 23 لعام 2015 الخاص بتنفيذ التخطيط وعمران المدن الذي منح الوحدة الإدارية حق تنظيم وتقسيم المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات أو التي لحقها الضرر نتيجة الحروب والحرائق، ومناطق التوسع العمراني التي ألحقت بالمخطط التنظيمي العام لمدن مراكز المحافظات بعد عام 2000، والمناطق التي تلحق بالمخططات التنظيمية العامة للبلدان والمدن بعد تاريخ نفاذ هذا القانون والمناطق التي ترغب الجهة الإدارية تنفيذ المخطط التنظيمي العام والتفصيلي المتعلق بها، ومناطق المخالفات الجماعية ومناطق الطوير العقاري، كما منحها حق الاقتطاع المجاني نسبة 40% من مساحة المنطقة الواقعة خارج مدن مراكز المحافظات أما في مدن مراكز المحافظات فيكون مقدار النسبة لا يتجاوز 50%.
والمرسوم التشريعي’’25’’ لعام 2013 المتضمن جواز تبليغ مذكرة الدعوى، أو الإخطار، وسند التبليغ، والاخطار التنفيذي، في الظروف الاستثنائية والتي عرفها بأنها حالة زمانية أو مكانية عامة أو خاصة خارجة عن الإرادة يخشى في حال انتظار انتهائها ضياع الحق ومن شأنها الحيلولة دون تبليغ أطراف الدعوى أو أحدهم المذكرات القضائية. كما أجاز للقاضي تأكيد التبليغ عن طريق الرسائل النصية والإلكترونية باستخدام أدلة الهاتف والبريد المعتمدة والمسجلة رسميا.
ومراسيم وتعديلات قانون السجل والتوثيق العقاري رقم ’’11’’ لعام 2016 الخاص بوقف عمليات تسجيل الحقوق العقارية في الدوائر العقارية المغلقة بسبب الأوضاع الأمنية الطارئة، والمرسوم التشريعي رقم ’’12’’ لعام 2016 القاضي باعتبار النسخة الرقمية لوقوعات الحقوق العينية المنقولة عن الصحيفة العقارية في الجهة العامة المنوط بها قانونا مسك سجلات الملكية العقارية ذات صفة ثبوتية، والقانون رقم”33″ لعام 2017 الذي ينظم إعادة تكوين الوثيقة العقارية المفقودة أو التالفة جزئياً أو كلياً، وإطلاق يد موظفيه ومسؤوليه وشيحته في تزوير المستندات الرسمية وعمليات التزوير في السجلات العقارية وعمليات ابتزاز المعارضين وأهاليهم وإجبارهم على التنازل عن أملاكهم مقابل إطلاق معتقلين أو وقف ملاحقات الأمنية، أو بتهديدهم بقتل واغتصاب أعراضهم ممن يقطنون في مناطق سيطرة النظام وعصابات.
ومن خلال استعراض مضامين هذه القوانين نجد أنّها نسخة طِبق الأصل عن قوانين سابقة، صدرت خلافاً للعرف الدستوري والقانوني الذي يفترض أنّ يكون هناك أسباب موجبة وأهداف تسعى الحكومة لتحقيقها تصبّ في المصلحة الوطنيّة من وراء سنّ القوانين أو تعديلها، وهذا ما تفتقده تلك القوانين والتشريعات بل على العكس نجد أنّها رفعت القيود المفروضة على تملّك الأجانب، والمطوّرين الأجانب، على حساب المالكين الأصليين من السوريين، واتّخذت من تهجيرهم قسريّاً أو اعتقالهم أو فقدانهم أ تغييبهم قسريّاً، أو ضياع أو تلف مستندات ملكيتهم سبباً من أسباب نزع الملكيّة، وعدم تمكينهم من ممارسة حقّهم في الحفاظ على ممتلكاتهم.
ملامح سياسة الاستيلاء التي اتبّعها النظام: تتجلّى ملامح سياسة العقابيّة من خلال ما يلي:
- إعادة تنظيم المنظم لأنه لم يحدد المناطق المراد تنظٌيمها والمبرر القانوني والموضوعي لذلك التنظيم وذلك بإحداث مناطق تنظيمية جديدة ضمن الوحدات الإدارية المنظمة أصلاً والمسجلة رسمياً منذ سنوات طويلة في السجل العقاري.
- استغلال غياب المهجرين أصحاب العقارات عن أملاكهم وعدم قدرتهم على المثول أمام لجان التنظيم خلال المدد القانونية المحددة في هذا القوانين لتقديم ما يثبت ملكياتهم، وعدم أقارب لهم حتى الدرجة الرابعة ليقدموا عنهم تلك الوثائق مع علم العصابة الحاكمة بذلك بل تعمدها ذكر القرابة والوكالة لتخلي مسؤوليتها القانونية ويبدو الأمر وكأنه قانوني ووفق الأصول.
إن هذه القوانين والمراسيم تستهدف المناطق التي تم تهجير أهلها منها والمناطق التي خرجت تنادي بإسقاط النظام، بغرض غصب العقارات وإعادة توزيعها بشكل طائفي أولاً وكمكافآت لمجرمي الحرب مع العصابة ثانياً وبالتالي ترسيخ التغيير الديموغرافي فعلٌاً وبشكل رسمي في السجلات العقارية.
علم النظام باستحالة تقديم الأوراق الثبوتية في ظل الاعداد الهائلة من المعتقلين مجهولي المصير والمفقودين والمغيّبين قسرياً والشهداء الذين ما زالوا تحت الأنقاض، وفي ظل فقدان المستندات والثبوتيات خلال عمليات المداهمة وحرق البيوت ونهبها أو خلال عمليات القصف والتهجير، أو حرائق الدوائر الرسمية.
من آثار الحرب أنها خلّفت أيتاماً قصّراُ لم يبقَ من أهاليهم أحداً، وكذلك خلّفت معاقين إما ذهنياً أو نفسياً وهؤلاء لا ينسب لهم تصرف لآنهم لا يتمتعون بالأهلية القانونية للتصرف.
خلال الحرب ولدت أجيال وماتت أجيال دون إمكانية توثيق هذه الولادات والوفيات بسبب الخوف من الاعتقال او التهجير القسري او بسبب امتناع النظام عن منح الأوراق الرسمية لهؤلاء.
الأثر القانوني لهذه القوانين
إن هذه القوانين والتشريعات باطلة لأنها صادرة عن سلطات فقدت الشرعية ولأنها قوانين تتعارض مع احكام القانون الدولي والدستور السوري للأسباب التالية:
- البلاد في حالة حرب وعدم استقرار كما تعتبر الحرب حالة من حالات الضرورة التي تُحلّ من الالتزامات القانونية بالتالي لا يجوز قانوناً تطبيق هكذا قوانين إلا في حالة الأمن والأمان والاستقرار وتمكين كافة المواطنين فعلياً من الدفاع عن حقوقهم والاعتراض.
- إن هذه القوانين مخالفة لأحكام الدساتير السورية المتعاقبة والعرف القانوني والدستوري الذي يكفل حماية حقوق الملكية واحترامها.
- إن حق الملكية والحقوق العينية العقارية المسجلة فًي السجل العقاري لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز الاستيلاء عليها او حرمان أصحابها من حق التصرف والانتفاع بها تحت أي ظرف كان سوى المنفعة العامة وفق الشروط الدستورية.
- إن القوانين المذكورة كافة مخالفة للعهد الدولي لحقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني القانون الدولي لحقوق الانسان.
طرق حماية الملكية العقارية
على المستوى الوطني: يمكن اللجوء في مرحلة لاحقة لسقوط النظام إلى القضاء سواءً المحكمة الدستورية بدعاوى إلغاء هذه القوانين اللادستورية كافة، ودعاوى استعادة حقوق الملكية والانتفاع والحيازة أمام المحاكم العادية والمطالبة بالتعويضات عن الاضرار اللاحقة بسبب التدمير والقصف والسلب والنهب.
على مستوى الأفراد
المحافظة على الأوراق الرسمية كافة وصكوك الملكية الخاصة أو الحيازة أو وضع اليد وكل مستند عادي يصلح لأن يكون قرينة على التملك أو الحيازة القانونية. وعدم الانجرار وراء ألاعيب النظام وتجار الحروب ومافيات ومرتزقة إيران وروسيا.
على مستوى هيئات المعارضة والمنظمات
إيجاد طريقة قانونية بالتعاون مع الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية أو الإقليمية لضمان توثيق حقوق السوريين المهجّرين قسرياً أو المفقودين أو المعتقلين، واستصدار قرار أممي ببطلان أي قانون أو تشريع أو قرار يمس حقوق السوريين منذ عام 2011 حتى الوصول إلى حل دائم للحرب في سورية وانتقال السلطة إلى هيئة حكم شرعية.
على مستوى الأمم المتحدة
يجب حماية حقوق اللاجئين والمهجّرين قسرياً وفقاً “لمبادئ بنهيرو” المعتمدة من قبل اللجنة الفرعية للأمم المتحدة المختصة بحماية حقوق الإنسان، والتي تعتمدها الهيئات والمحاكم الدولية حتى أصبح لها قوة إلزامية على الصعيد الأممي والتي تؤكد على حق اللاجئين والنازحين باستعادة المساكن أو الأراضي أو الممتلكات التي حُرموا منها بصورة تعسفية أو غير قانونية.
وتعتبر الاسترداد أولوية باعتباره سبيل الإنصاف المفضّل وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية، كما تعتبره حق مستقل بذاته لا تنتقص منه العودة الفعلية أو عدم العودة، كما تتضمن المبادئ عدم الاعتراف بصحة المعاملات التي تخص المساكن والأراضي والممتلكات، بما فيها نقل الملكية الذي يتم تحت الإكراه أو بأي شكل من أشكال القسر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، على نحو يتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
إلزام النظام السوري باحترام معاهدات جنيف والبرتوكولات الملحقة المتعلقة بأحكام وقواعد النزاع المسلح، والتي توجب عدم تخضع العقارات والممتلكات إلى أعمال السلب والنهب، أو الاعتداءات المباشرة أو العشوائية، أو تدميرها أو الاستيلاء عليها بغرض الانتقام أو كعقوبة جماعية.
بورك قلمك أستاذ عبد الناصر