fbpx

الدكتور محمد حبش في حواره مع نينار برس: نصوص القرآن نورٌ يهدي وليس قيداً يأسر.. والرسول محمد قال “أنتم أعلم بأمور دنياكم”

0 77

الحياة لا تتطور بالتفسير والتأويل، وبالتالي فهي تمتلك ناموسها الذاتي عبر قانون المراكمة والتغيير، ولعلّ مقولة “التراكمات الكمّية تؤدي إلى تغييرات كيفيّة” هي مقولة ناموس الحياة بكل طيفها.

نينار برس طرحت أسئلتها على الدكتور التنويري محمد حبش، وهذا النص هو أحد أجزاء الحوار، والذي ستقوم صحيفة نينار برس بنشره كاملاً في وقت قريب بملف خاص به.

السؤال السابع:

 تطور التنويريون الإسلاميون الذين برزوا في القرن العشـرين هم مارسوا التنوير بعيداً عن نقد النص القرآني عقلياً.

هل برأيكم يمكن للتنوير الإسلامي أن يشتغل على نصف القضايا “واقع حال الأمة” ويهمل نقد الأساس الذي ترتكز عليه هذه القضايا “العقل الديني”؟

ثمة تباين بين التنوير والإصلاح

يقول الدكتور محمد حبش في إجابته على سؤالنا:

قامت حركة التنوير في مصـر على يد الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني بدور أساسي في اليقظة، وقد جرت الأقلام بتسمية هذا التوجه بالإصلاح الديني، وقد اتجهت الحركة بالفعل إلى الإصلاح تحت ظلّ النصّ وفي إطار احترامه وتكريمه، ولكنها اختارت النضال في التأويل، وقد مارست تأويلاً مختلفاً للقرآن الكريم، ولكنها ركزت على تحقيق الإصلاح في الناس وليس في النصوص، وقناعتي أن هذا التوجه كان أكثر ملاءمة للواقع المصـري وقد حقق احترام الناس على الرغم من العداوة الظاهرة التي برزت بين الأزهر وبين مدرسة الإصلاح الديني، ولكن الأزهر في النهاية سلّم بضرورة هذا الإصلاح وجدواه، واختار قاعة كبرى في حرم الأزهر أطلق عليها اسم “قاعة الإمام محمد عبده” في تقدير واضح للدور الإصلاحي، وقناعتي أن الشيخ محمد عبده يمتاز عن سائر المصلحين بأنه مارس الإصلاح الديني وظل قوياً في بيئته ومحترماً لدى جزء كبير من المجتمع المصـري، ومن المؤلم أن أعترف لك أن في تراث الشيخ محمد عبده كثيراً من التنوير، وفيه أيضاً فتاوى ظلام وجدت نفسه مضطراً لمجاراة المجتمع فيها حرصا ألا يفقد جمهوره، وهي لا تعكس رؤيته التنويرية والتجديدية

تخافت صوت الاعتدال

ويشرح الدكتور محمد حبش رؤيته لواقع الحال فيقول:

 يواجه العقل المسلم في هذه الأيام الصاخبة صرخات متناقضة، تدور بين تقديس كل شيء ورفض كل شيء، بين الانتماء للتاريخ الإسلامي واعتبار هدي السلف خير هدي القرون، ودعوة البشـرية إلى العودة لهدي السلف، وبين تيارات أخرى ترى أن التراث الإسلامي برمته صار عبئاً على الحياة والتطور وسبباً للقطيعة مع العالم وأنه لا خلاص لهذه الأمة إلا بنبذ الماضي كله واعتباره كذبة ضارة حالت بين هذه الأمة وبين لحاقها بالأمم.

ويضيف الدكتور حبش:

ولا شك أن هذه الصورة غاية في الوضح لكل متابع، ولن تنفعنا المجاملة في شيء فقد فضَحَنا عالم التواصل الاجتماعي وكشفت لنا المنابر المفتوحة على مواقع التواصل كلاً من التيارين الساخطين وقد توفر لكل منهما جماهير مليونية غاضبة لا سبيل لإنكارها إلا بقدر كبير من التعسف والمكابرة، وقد بات من المؤكد أن الأصوات الأكثر صراخاً وتعصباً في الجانبين هي من يحصد الجماهير الهادرة فيما يتخافت صوت الاعتدال والمنطق حتى يكون نادياً نخبوياً يكتب بحذر ومداراة على حروف المعاني ثم ينصرف مذعوراً من ضعف الحيلة وقلة النصير.

ويدعم الدكتور حبش رؤيته بالاستشهاد بما جرى في بلدان إسلامية كثيرة فيقول:

وفي السنوات الأخيرة تفجر الصـراع الدموي المؤلم في بلاد الشام والعراق ومصر وليبيا واليمن، وكان من تداعياته ما تكرس من انقسام مجتمعي خطير، بين الرؤية الإسلامية والرؤية العلمانية، وبات الانقسام بين الجانبين مريراً وقاسياً، تتناوله الريب الصارمة، وتحولت الخصومة إلى عداء والاختلاف إلى صراع والاتهام إلى اغتيال، ولا زال المشهد يشي بمزيد من الرعب والتشاؤم، وبدا أن البلاد العربية تشهد تماماً العصـر الأوروبي في انتقاله من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وبات المشاركون في معمعة الخصام لا يبالون أن يأخذوا بلادهم إلى مواجهات فاصلة على مستوى بارتلميو وحرب الثلاثين عامأً في سبيل انتصار ما يراه كل فريق الحق الذي لا مرية فيه.

ونسأل الدكتور محمد حبش لفهم العلاقة بين الوعي والاجتهاد في التنوير:

ألا تعتقدون أن الاجتهاد في التنوير الإسلامي على علاقة بمستوى تطور وعي الناس بمفهوم الدين خارج مفهوم التسليم؟

ألا ترون أن عبادة الله الواحد الأحد لا تعني أن يعتمد القرآن وكأنه نصّ فكري عقدي اجتماعي؟ بل أن عبادة الله هي علاقة الانسان بربه؟

القرآن حمّال أوجه

يجيب الدكتور محمد حبش على سؤالنا فيقول:

القرآن نص أدبي وتربوي، ولذلك فهو حمّال أوجه ويحتمل تأويلات كثيرة وهو ليس كتاباً حقوقياً قانونياً صارماً بحيث يكون له تأويل واحد، وفيه المترادفات، وفيه المجاز، وفيه آيات محكمات هن أم الكتاب وفيه آيات متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله، وهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً. أما النظر إليه على أنه نص قانوني وكتاب حقوقي يفصل كل الأحكام فهو موقف غلو ومبالغة، فليس في القرآن الكريم تفاصيل وافية عن إدارة الحياة والمجتمع، بل فيه إشارات ملهمة، لا يتكون منها نظام كافٍ للحياة، وبالتالي فإنّ هذه النصوص هي نور يهدي وليس قيداً يأسر، وأما إدارة المجتمع والتنمية فقد حكم عليها الرسول الكريم بقوله “أنتم أعلم بأمور دنياكم” والأمة ببرلماناتها ومجالس التشـريع فيها تسترشد بنور القرآن ولكنها تحتكم إلى مصالح الناس وقواعد العقد الاجتماعي.

يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم

ويوضح الدكتور حبش:

وإذا كانت المسيحية قد غالت في المسيح وهو روح الله ورسوله، فإن المسلمين قد غالوا في القرآن وهو وحي الله وكلامه، ونعتقد أن الغلو في القرآن هو أحد أشكال الغلو التي نهت عنها الآية الكريمة: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق.

والقرآن نص مقدس ولكنه محكوم بالزمان والمكان، ويقابله الإنسان المقدس بما نفخ فيه من روح الله، والوحي والروح عطاءان إلهيان، والقرآن يبعث في الإنسان إرادة الاجتهاد والبحث والنظر، والإنسان يبعث في سطور القرآن الأمل والحياة، فيكتمل الوحي والروح، والتنزيل والإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني