fbpx

الدكتور المنصف المرزوقي لـ نيناربرس: المعركة في سورية هي معركة استعادة السيادة الوطنية قبل بناء الديمقراطية

0 417

نظَم مركز مسارات للحوار والتنمية السياسية، يوم الاثنين 3 أيار2021، ندوة حوارية سياسية، مع الدكتور محمد المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق، بعنوان: ” تعثر التحول الديمقراطي في سورية، الأسباب – المآلات”، وذلك عبر برنامج Zoom، نينار برس تابعت الندوة والمناقشات، وطرحت أسئلتها.
لماذا الديمقراطية؟
بدأ الدكتور المرزوقي، الحديث عن مفهوم الديمقراطية التي يعتبرها عقد تأمين للشعوب ضد العنف الداخلي، ولا تسمح للقادة بالتحكم بمصير الشعوب والتفرد بالقرارات المصيرية.
الديمقراطية هي عقد تأمين للشعوب ضد العنف الداخلي:
يرى الدكتور المرزوقي أن فضيلة الديمقراطية تكمن في قدرتها على امتصاص العنف الداخلي، والضغوطات التي تنشأ داخل المجتمعات، من خلال إقامة المعركة الانتخابية بوسائلها السلمية.
ويفصل الدكتور المرزوقي المعركة الانتخابية، حيث يتلاقى جيش السلطة وجيش المعارضة في يوم الانتخابات، ويكون السلاح الوحيد المسموح به في هذه المعركة هو الكلام والحبر والورق، ويحسب عدد المنتصرين بعدد الأصوات، ثم يسمى الفائز ويتسلم دفة الحكم، ويعود من خسر الانتخابات إلى بيته، وليس إلى المقبرة أو السجن أو المنفى.
ويعتبر المرزوقي أن من عبقرية الديمقراطية، ألا ينغمس المجتمع في العنف الدموي، ويضيف أنه بدون هذه المعركة الرمزية، لا توجد وسيلة لفض الخلافات في المجتمع إلا بالعنف الدموي القاتل.
الديمقراطية هي عقد تأمين للشعوب ضد الحروب الخارجية:
أوضح الدكتور المرزوقي أن الحروب الخارجية في البلدان الديكتاتورية، تحدث بقرار منفرد من شخص واحد هو الحاكم الديكتاتوري المستبد، كما حدث عندما غزا صدام حسين الكويت 1990، وغزا هتلر بولونيا عام 1939، وعندما غزا نابليون روسيا، وغير ذلك من الحروب.
ويضيف المرزوقي بأنه عندما نضع مصير شعوب في يد شخص، فإنه يجب أن ننتظر الكوارث والمآسي. معتبراً أن الديمقراطية هي عقد التأمين للشعوب ضد الحروب الخارجية، لأنها تضع قرار الحرب والسلم بيد المؤسسات، وليس بيد شخص واحد. وبتعبير المرزوقي فإن كل شعوب العالم، بأمس الحاجة إلى الديمقراطية لحقن الدماء والعيش بأمن وسلام.
سورية لها ماضٍ عريق في ترسيخ مفهوم الديمقراطية:
تطرق الدكتور المرزوقي للحديث عن تاريخ سورية، ومحاولة قيام بعض الزعماء السوريين بتكريس مفهوم الديمقراطية منذ عقود مثل أكرم الحوراني، شكري القوتلي والأتاسي وغيرهم إلا أن الانقلابات العسكرية أجهضت تلك المحاولات، وأكد أن سوريا لها تاريخ عريق بترسيخ الديمقراطية منذ أوائل القرن الماضي.
لماذا لم تتحقق الديمقراطية في سورية لمدة أكثر من ستين عاماً؟
يعتقد الدكتور المرزوقي أن الأحداث التاريخية هي وليدة عاملين أساسيين هما الصدف، والظروف الموضوعية:
الأحداث التاريخية وليدة الصدف:
تلعب الصدف أحياناً دوراً أهم من الظروف الموضوعية في حياة الشعوب، برأي المرزوقي الذي يستدل على ما حدث في تونس قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه، كانت هناك تسع حالات لأشخاص أحرقوا أنفسهم، ولكنها مرت بدون أن يهتم بها الرأي العام، ثم جاءت حادثة إحراق البوعزيزي لنفسه لتتفجر الأمور، فأحداث التاريخ برأيه، ليست قراراً حتمياً مكتوباً ومسجلاً، وإنما هي صدف وانفجارات، وأحداث يصعب التنبؤ بها.
وقد تعترض الشعوب صدف رائعة، بحسب تعبيره كما حصل مع الشعب الأفريقي بوجود رجل مثل مانديلا، وقد تكون صدفاً سيئة، كما حصل مع الشعب السوري بحكم الأسد الأب، ثم الابن.
الأحداث التاريخية وليدة الظروف الموضوعية:
تقف وراء عدم تحقق الانتقال الديمقراطي في سورية، بحسب رأي المرزوقي، عوامل سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وخارجية:
العامل الثقافي:
يرى الدكتور المرزوقي أن الشعوب العربية، ومنها سورية تربَّت في بيئة استبدادية، تمجد الرجل القوي، ويتعامل الحكام مع شعوبهم كشعب من الرعايا، وليس كشعب من المواطنين.
العامل الاقتصادي والاجتماعي:
وتحتاج الديمقراطية إلى طبقة متوسطة، وقد بدأت تظهر في سورية، ولكنها برأي المرزوقي، لم تكتسب الحشد الكافي حتى تصبح الطبقة الغالبة، فوجود التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء هو ما عطل نوعاً ما المسار الديمقراطي في سورية.
وأضاف بأن سورية تتميز بعنصر ثروة، وهو التعدد الطائفي، ولكن نظام الأسد الاستبدادي، جعل من الطائفية ركناً في البناء السياسي لسورية، ما ساهم في دمارها.
ويعتبر المرزوقي أن أجمل شعارات الثورة السورية للرد على الطائفية المقيتة التي كرسها النظام السوري هو شعار”الشعب السوري واحد”.
العذر الإسرائيلي:
تعتبر إسرائيل خنجراً في خاصرة البلدان العربية، وتلعب دوراً في إيقاف عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعوب العربية، وهي لا تسمح بوجود دولة ديمقراطية قوية قريبة من حدودها، لذلك أصبحت إسرائيل بوصف المرزوقي “ذريعة لكل الحكومات العربية الديكتاتورية لقمع شعوبها”.
الدعم الخارجي:
تلقت الحكومات العربية الدكتاتورية دعماً كبير من الدول الغربية، لأن الغرب يفضلون حاكماً عربياً مستبداً، على أن تحكم البلاد العربية أنظمة ديمقراطية لا تخدم مصالحهم.
ويعتبر الدكتور المرزوقي أن انتفاضة الشعوب العربية في عام 2011، في ثورات الربيع العربي، جاءت لتصحيح هذا الخلل الهيكلي، وبناء مجتمع طبيعي، يتحقق فيه الحد الأدنى من ضمانات عدم السقوط تحت العنف والفساد والاستغلال مرةً أخرى.
لماذا لم تستطع شعوب بلدان الربيع العربي بناء ديمقراطية حقيقية حتى الآن؟
الربيع العربي هو ظاهرة عالمية:
يرى الدكتور المرزوقي أن الربيع العربي الداعي للتحول الديمقراطي هو ثورات ليست داخلية، وإنما موجات متتابعة من الثورات العالمية، مشيراً إلى ما حصل في مينمار، وتايلاند، وروسيا البيضاء، وغيرها.
ويضيف المرزوقي أن كل ذلك كان مبرراً لتدخل روسيا، وإيران، وتركيا ودول أخرى، لوضع حد لهذه الموجات المتتابعة، لما تحمله من مخاطر دولية وإقليمية، ما دفع إلى صدور قرارات دولية وإقليمية لإجهاض هذه الثورات التي تهدد مصالحهم في المنطقة، بحسب تعبيره.
معركة الديمقراطية مقترنة بمعركة التحرر الوطني:
يعتبر الدكتور المرزوقي أن المعركة في سورية اليوم، هي معركة مصيرية لا تتعلق بباء الديمقراطية بقدر ما تتعلق باستعادة القرار الوطني الذي يمكن أن نبني على أساسه نظاماً سياسياً ديمقراطياً.
ويؤكد المرزوقي أن ثمة ربط بين الاستبداد وضياع الاستقلال الوطني، لأن من أتى بالقوات الأجنبية إلى البلدان العربية هي مغامرات الحكام العرب المستبدين.
ويوصي المرزوقي المجتمع السوري بعد التضحيات العظيمة التي قدمها بالتماسك لمقاومة المطامع الدولية والإقليمية، التي تقف حجر عثرة ضد مسار التحول الديمقراطي في سورية، مشيراً إلى أن هذه الدول “لا تريد لسورية بأن تكون دولة مستقلة، وصاحبة قرار”، وليس من مصلحتها السماح باستقلالها.
ويضيف بأن قضية التحول الديمقراطي ومستقبل النظام السياسي في سورية، هي قضية السوريين أنفسهم، “ما حك جلدك مثل ظفرك”، وينصح السوريين بألا يعولوا على الدول الأخرى، خاصة الدول الغربية لأن قضية الديمقراطية لا تعنيهم، وسورية بالنسبة لهم هي “مغانم حرب يريدون أن يتقاسمونها.”
ثورات الشعوب قد تمرض، ولكن لا تموت:
يرفض الدكتور المرزوقي الحديث عن فشل ثورات الربيع العربي، ويصف تعثر التحول الديمقراطي فيها بالتوقف النسبي، مشيراً إلى أن “الثورة ليس لحظة، وليست زراً تضغط عليه”، وإنما هي مسار طويل متعرج، فيه صعود وهبوط، وكما أن النهر لا يعود إلى الوراء، فكذلك نضال الشعوب لن يتوقف.
ويشير المرزوقي إلى التجارب التاريخية التي مرت بها الأمم العظمى، كالصين التي استغرقت ثورتها قرناً من الزمن، وأوروبا نصف قرن، ثم تجاوزتها بعد مخاض وآلام، ويعتقد أن ثورات الربيع العربي لن تستغرق كل هذه الفترة، لأن نسق الفعل التاريخي أصبح أسرع مما كان عليه.
ويختم المرزوقي بالتفاؤل بأن هذه الأمة ستعود إلى عظمتها في السابق، ولكن المهم أن نثبت، ولا نستسلم، وألا تحبط عزائمنا، وأن تكون لدينا رؤية واضحة، وأن نبني ما نحلم به من “اتحاد الشعوب العربية الحرة”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني