عملاء النظام في اللاذقية عامل خوف يضاعف من مصاعب الحياة
“الحيطان إلها أدان” جملة سمعها السوريون على مر حكم آل الأسد وتوارثتها الأجيال لمنع أي حديث معارض للنظام أو أي انتقاد، الحيطان لها أذان باللغة الفصحى تدل على ضرورة عدم التحدث والتطرق لهذه المواضيع لما سيحمله الأمر من عواقب على المتحدث والسامع، في المجتمع السوري الذي اخترقه نظام الأسد بطريقة مخيفة جعل عدد العملاء والمخبرين التابعين له كبيراً جداً فمن الممكن أن يكون لكل شخص، ثلاثة أشخاص يراقبونه وينقلون ما يقول للأمن وهذا في المجتمعات والمناطق كافة حتى القرى التي تكاد أن تكون شبه منسية، ما جعل الناس لا تثق حتى في حيطان منازلها، هذا الأمر كان في الأحوال العادية فكيف الحال بعد اندلاع الثورة وكيف هو في مدينة تحسب على الأسد ويعتبر معظم سكانها من مواليه؟!.
يزداد الخوف والضغط على الناس في مدينة اللاذقية ويكاد الأخ يخفي ما يحصل عن أخيه خوفاً من الاعتقال أو المحاسبة.
أم ابراهيم سيدة من سكان ريف اللاذقية كانت تتنقل بين بيتها في الريف ومنزلها داخل المدينة خلال أعوام الثورة الأولى وفي إحدى زياراتها إلى قريتها التي كانت خارجة عن سيطرة النظام، تعرض منزلهم للقصف بالبراميل من قبل طيران الأسد وفقدت طفليها لتعود نحو المدينة بدونهما، تروي لـ نينار برس أنها أخفت خبر وفاتهما وسببه عن الكثير من الجيران والمعارف ولم يعرف بالأمر سوى أقرب الناس إليها، السبب الأول هو وجود عملاء للنظام، لا يمكن للشخص أن يأمن لهم، فمن الممكن أن تتعرض للمحاسبة والمساءلة عن سبب وجودها في مناطق تسيطر عليها المعارضة ويمكن أن يتم اعتقالها، فالعيش ضمن هذا الجو يفرض علينا الحرص والحذر الشديد، تصف الوضع بالصعب جداً فهي بقيت عاجزة عن إقامة تعزية لطفليها ولم تكن قادرة على وصفهما بالشهداء حتى أمام المقربين منها الذين رفض الكثير منهم زيارتها بعد معرفة سبب الوفاة ومكانها.
تشرح أنها لا تعتب على أحد لأنها تدرك الوضع والحال جيداً وتعي حجم الخوف والمخاطر فالتقارير التي تقدم يمكن أن تكون مبنية على أساس كيدي بهدف الانتقام، والنظام لا وقت لديه للتدقيق أو التفريق، يقوم بالاعتقال بشكل عشوائي، مشيرة إلى أن حالات الاعتقال يومية ومعظمها ناتجة عن تقارير ترفع من قبل المخبرين، فمعظمهم باتوا معروفين لكن أيضاً يوجد من يتعامل مع النظام بطرق مخفية ودون الكشف عن عمله ولا يقتصر الأمر على الرجال بل على العكس هناك عدد كبير من النساء اللواتي يقدمن الإخباريات لذلك يعيش الناس بحذر ولا يدخلون بيوت بعضهم بعضاً ومعظمهم يحذر من غيره.
ميزات عديدة
يقوم الكثير من الأهالي في مدينة اللاذقية بالتعاون مع قوى الأمن والنظام وبعضهم يتواصل بشكل دائم ومباشر مع أفرع أو عناصر منهم ويحصل بعضهم على مقابل لهذه الأعمال وهي متنوعة وكثيرة لكن قسم آخر يقدمها دون أي مقابل إما لأسباب شخصية أو نتيجة الآراء السياسية الداعمة للأسد وموالاتهم له.
“ت.ن” سيدة من سكان حي الزراعة في المدينة تتحدث لنينار برس عن أبرز ما يحصل عليه عملاء النظام من ميزات، منها مكانة جيدة ضمن الحي أو المنطقة التي يقيمون فيها يصنعها له النظام من خلال تعيينهم بمناصب معينة كالمختار أو أي وظيفة مناسبة في البلدية وغيرها، لذلك نجد أن 90 بالمئة من الموظفين هم عملاء ومخبرين لأنه يتم اختيارهم على هذا الأساس أو على العكس هم يقدمونها للحصول على وظيفة أو الحفاظ عليها، فضلاً عن سهولة تسيير معاملاتهم ضمن دوائر الدولة، لكن بعضهم يقدم خدمة العمالة مقابل أشياء أبسط بكثير وهي حماية أنفسهم من الاعتقال وضمان البقاء والعيش بسلام ضمن هذا المجتمع الذي يحكمه الفساد ومن مبدأ كسب ثقة النظام والإخبار عن الناس بدلاً من أن يتم الإخبار عنهم ورفع أي تقرير بحقهم.
أضافت أن هذا العمل مستويات ودرجات فهناك عملاء على مستوى عال ورفيع، قاموا بتسليم العشرات من الأهالي والشباب والإبلاغ عن أسمائهم وأماكن وجودهم ومعلومات عن أسرهم، واعتمد النظام عليهم بشكل كبير مع بداية انطلاق الثورة في اللاذقية وخروج مظاهرات مناهضة للأسد في أحيائها وهناك من هم أقل مستوى ولا يعملون على التحري والبحث وإنما على تقديم معلومات تحصل أمامهم، يسمعونها عن طريق الصدفة، والنوع الأخير وهو الأكثر خطورة، هم الأشخاص المتخفون الذين لا يشك بأمرهم وبتعاملهم مع النظام وهؤلاء يؤمن لهم، ومن هذا المبدأ تحرص الأغلبية على عدم التطرق لأي موضوع يعارض النظام إضافة إلى تحذير أبنائهم.
تحذيرات كثيرة:
عمد الثوار والمعارضين للنظام في مدينة اللاذقية مع بداية خروج المظاهرات في شوارعها عام 2011 على تحذير بعضهم بعضاً من العملاء والمتعاونين مع الأمن وقاموا بتهديد بعضهم وطرد بعضهم الآخر فضلاً عن تناقل أسمائهم ورفعها في بعض الأحيان ضمن المظاهرات، وتم التعامل معهم كما يتم التعامل مع عناصر النظام فمع تحرير أي منطقة كحي الرمل الجنوبي في المدينة يتم طردهم خارجها، فضلاً عن أن الثوار دفعوا الراغبين بترك هذا العمل من أبناء المدينة لتركه والالتحاق في صفوف الثورة ما جعل الكثير منهم من أعضاء حزب البعث مثلاً المرغمين سابقاً على التعاون مع النظام ومن الموظفين على اختيار ترك النظام والالتحاق بصفوف الثورة والابتعاد عن هذه الأعمال، كذلك عمد النظام إلى إيجاد بدائل لمن تركه وزيادة عدد المخبرين وتقديم ميزات أكبر لهم بهدف مراقبة جميع الأشخاص وعدم ترك مجال للسكان من أجل التحرك والقيام بأي أعمال مناهضة له.
عمد النظام عن قصد إلى زرع المخبرين بين مكونات الشعب السوري لأهداف عديدة ما تسبب بتدمير المجتمع وغياب الثقة والمحبة والألفة بين أفراده، وجعل المقربين من الأهالي أعداء لبعضهم بعضاً قبل وصول الأمور إلى السلطات الأمنية، وهذا الوضع لايزال مستمراً رغم مرور عشرة أعوام من خروج الناس ضد حكم الأسد في مناطق سيطرته، ويستمر الناشطون المعارضون حتى الآن من أبناء مدينة اللاذقية بالتحذير من العملاء ونشر صورهم ومعلومات عنهم بهدف توعية من بقي في المدينة من الأهالي.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”