fbpx

الجربا وقدري جميل في مهمّة مستعجلة لإدخال “قسد” إلى هيئة التفاوض وتعزيز تحالف أقليات جديد

0 51

بدا الأمر وكأنه تتويج لمقدّمات سيرد ذكرها في ثنايا هذه السطور، حين رفع وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر صوته بالدعوة إلى تعزيز العلاقات مع المجتمعات الكردية والدرزية في الشرق الأوسط، كما قال خلال حفل تسلمه المنصب من سلفه يسرائيل كاتس، مضيفاً أن “الأقليات في المنطقة ستحتاج إلى التماسك معا”. ومستطرداً “الشعب الكردي أمة عظيمة، واحدة من الأمم العظيمة التي لا تتمتع باستقلال سياسي. إنهم حلفاؤنا الطبيعيون”.

ولم يتردّد ساعر في شرح نظريته حين أردف أن “الأكراد ضحايا للقمع الإيراني والتركي، وأن إسرائيل يجب أن تمد يدها وتعزز العلاقة معهم (…) إن هذا له جوانب سياسية وأمنية”، مشيراً إلى الأقليات الدرزية في سوريا ولبنان كـ”شركاء محتملين”.

وحسب ساعر فإن الإسرائيليين”يجب أن يفهموا أنه في منطقة حيث سنكون دائما أقلية، فإن التحالفات الطبيعية ستكون مع أقليات أخرى”. وأضاف: “موقف إسرائيل الثابت خلال العام الماضي وإنجازاتها في الحرب ضد المحور الإيراني تجعلها لاعبا إقليميا ودوليا أكثر أهمية مما كانت عليه”.

كان ذلك إعلاناً صريحاً عن إعادة إنتاج تحالف أقليات جديد يحلّ محلّ تحالف الأقليات التي قاده نظام الأسد الأب والابن من بعده، ودعمته إيران بقوة، قبله برزت ثلاثة مفاصل تورّط بها كلٌ من “مسد” و”قسد” وأحمد الجربا وقدري جميل، لا يمكن النظر إليها إلا على أنها مترابطة ترابطاً مريباً لا تخطئه أعين السوريين؛ الأول مذكرة التفاهم التي يفخر قدري جميل من موسكو بتوقيعها مع إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لما يعرف باسم مجلس سورية الديمقراطي “مسد” وعضو اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني PKK الذي يعرفه قدري جميل جيداً منذ سنوات بعيدة، وكان واحداً من المكلّفين برعايته وتقديم كل الخدمات له ولزعيمه عبدالله أوجلان في دمشق.

المفصل الثاني هو مؤتمر مسار مسد الذي عقد في بروكسل، بذريعة جمع القوى الديمقراطية، وفي مقدمتها ميليشيا PKK بهدف تشكيل قطب ديمقراطي مفبرك قائم على المال السياسي المنهوب أساساً من ثروات السوريين النفطية والمائية والزراعية وغيرها. والذي جرت فيه محاولة فاضحة لجرّ حراك السويداء ودروز سورية إلى منزلق خطر في تضاريس تحالف الأقليات الجديد، وفي خيانة صلعاء لكل من دعم حراك السويداء من العرب والكرد السوريين الذين شعروا بالمرارة من وضع يد اللجنة السياسية للسويداء التي يشرف عليها الشيخ الهجري بيد PKK بعد أن ارتكب المجازر بحق ملايين السوريين ونهب ثرواتهم وهجّرهم واعتقلهم وخطف قاصراتهم.

المفصل الثالث؛ هو التحرّك المكشوف لبعض من كانوا محسوبين على منصة القاهرة (وهي عضو في هيئة التفاوض مثلها مثل منصة موسكو التي يقدوها قدري جميل) تحرّك أشبه بالانقلاب على منصة القاهرة ولجنة المتابعة الشرعية المنتخبة المنبثقة عن مؤتمرها، وتجسّد ذلك المفصل بإعلان توقيع مذكرة تفاهم مع قدري جميل، دون العودة إلى ممثلي وأعضاء منصة القاهرة الفاعلين، والغرض المنشود من ذلك، حسب تذاكي الشيخ الجربا والرفيق الأحمر قدري، هو “تحقيق استقرار دائم في سورية، وتوحيد الجهود لتحقيق الانتقال السياسي الذي طال انتظاره، وفقاً لما يلي؛ وحدة الأراضي والشعب السوري، وخروج جميع القوات الأجنبية من سوريا، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري. وكذلك الالتزام بالقرار 2254 الذي هو، حسب مذكرة التفاهم، المخرج الوحيد من الأزمة، ويجب تنفيذه بالكامل”.

بعد هذه الزخرفات نصل إلى ما يريده الشيخ والرفيق وتعبّر عنه الفقرة 3 التي تنص على فهم جديد لدور هيئة التفاوض السورية، فتقول المذكرة “في خطوة لتعزيز فاعلية المعارضة، أكد البيان على ضرورة تفعيل دور هيئة التفاوض السورية باعتبارها الجسم الرئيسي للقيام بالمفاوضات المباشرة، وليس كغطاء لأي طرف سياسي يسعى لفرض سياساته الخاصة على الأطراف الأخرى”، وهذا يقودنا إلى البند 4 الذي تتألق فيه أضواء قسد وأصوات طلقاتها من جبال قنديل. يقول البند الرابع “التعاون مع القوى الوطنية الديمقراطية، في إطار السعي لتحقيق حل سياسي شامل، أكد الطرفان على انفتاح منصتي موسكو والقاهرة على التعاون مع القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة خارج هيئة التفاوض. والهدف هو توحيد جهود المعارضة حول رؤية واحدة للحل، تكون مفتوحة وتستوعب كافة الأطياف الوطنية”.

لا يهمّ السوريين تتبع المزيد من الخلافات داخل الكيانات والتيارات السياسية المعارضة، بقدر ما يعنيهم التوقف عن المتاجرة بقضيتهم والمطمطة فيها من أجل أغراض شخصية.

منصة القاهرة حين نشأت كانت تعبيراً عن مواقف عديدة لسوريين أرادوا تقديم مقاربة مختلفة عن غيرهم، لكنها بقيت ضمن الثوابت الوطنية السورية، ولم تخرج عنها منذ دخول منصة القاهرة هيئة المفاوضات آنذاك في جنيف، غير أن العبث المتعمّد الذي يريد له البعض أن يعيد أمام السوريين الحكاية نفسها وترقيص القردة وتراقص القرداتي ذاته الذي كان يحصل من قبل لم يعد يخدع أحداً، فهذه الأدوات والحيل كلها باتت قديمة ولا تنفع في هذه الأيام.

لجنة المتابعة المنتخبة والمنبثقة عن مؤتمر القاهرة، والتي تعدّ المرجعية الوحيدة والحصرية لمنصة القاهرة، رفضت مثل هذا المسار الذي لا ينظر إلى منصة القاهرة كمؤسسة. بل كبيت شعر في البادية، أو كغرفة اعتقال ميليشيا قنديل. واعتبرت أن مذكرة التفاهم المزعومة بين منصة موسكو ومن وقعوا عليها ممن حضر مؤتمر القاهرة واعتبر نفسه وصياً عليه، بحكم الميتة، وكأنها لم تكن، لأنها لا شرعية لها ومن وقعوها لا يمثلون إلا أنفسهم، رغم التفخيمات التي ألصقوها بأسمائهم، والتي لا تمت بصلة لمنصة القاهرة، لا من قريب ولا من بعيد، فمن سمى نفسه رئيس تيار الغد، لم ينبهوه إلى أنه حين تم عقد مؤتمر القاهرة، لم يكن هناك لا تيار غد ولا غيره قد تأسس، وقد جرى الإعلان عن ولادة هذا التيار بعد سنوات من عقد مؤتمر القاهرة، وبالتالي لا قيمة لمثل هذه الوصوف التي لم يعد يحترمها أحد من السوريين اليوم. وإن شاء رئيس تيار الغد يمكن توضيح ذلك في تحقيق موثق بالمستندات والشهود.

ما لا يفهمه هؤلاء الذين يبحثون عن غنيمة وسط النزاعات والخلافات والتناقضات، أن التوقيت قد اختلف، وأن جعالات الخليج المالية وعطاياه لم تعد تتدفّق كما في بدايات الثورة. وأن الروس لن يحصلوا على حصة من القرار السوري، فمشكلتهم في أوكرانيا أكثر تعقيداً وسوف تزداد تشابكاً وتراكباً بعد مجيئ ترامب. وما يخطط له قدري جميل من استثمار الجيش الروسي على الأرض، والدبلوماسية الروسية في الهواء، تخيلات كان يمكن أن تنجح في ولاية ترامب الأولى، ولم تفلح، فلماذا ستنجح اليوم؟ هل بوتين أقوى مما كان عليه الآن؟

وقد يقول قائل إن تلويح الجربا وقدري بتفاهم مزيّف ما بين المنصتين، قد يغري المصريين ويزغلل عيونهم لتعزيز التفاهم ما بين مصر وروسيا، لكن هذا الخيار ليس من تقاليد الدبلوماسية المصرية التي تعرف من هي تلك الشخصيات وكيف دخلت مصر وكيف عاشت فيها وبأي ثمن، فهي بالتالي ليست خير نموذج يمثّل المصالح المصرية في الملف السوري مع الروس، على عكس ما يتوّهمه الجربا.

بينما يعتقد قدري جميل أنه وبحكم كونه كردياً فإن حصته السياسية مضمونة من الصفقة في حال تم تقديم مثل هذه الخدمات وبوجود “قسد” و”مسد”، بينما يرى في علاقته التحتية مع الروس ضمانة إضافية لحصته من سورية التي سيشكلها بوتين كما فعل في الشيشان، وهذا بدوره وهم قديم عفى عليه الزمن.

أما اللاعبون الصغار بين رجلي الشيخ والرفيق، فدورهم هو تسليك الطريق، لتحقيق ما طالب به قدري جميل علناً “نقل جلسات التفاوض ما بين نظام الأسد والمعارضة السورية لتعقد في دمشق”، وهكذا يسترد مكانته التي خسرها بسبب غضبب الأسد عليه بعد تعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء وفصله بطريقة مهينة. ويتحوّل الشيخ، مع وقف التنفيذ، إلى حميدي الهادي الثاني. ويصبح أميراً على شمّر والجزيرة، وربما بديلاً للواجهات الحالية مثل محمود المسلط وغيره، بتنسيق مع النظام كما تفعل “مسد” في كافة شؤونها، وهذا كل ما يطمح إليه وربما بلغت به الجرأة والتهور حدّ تصوّر نفسه كغازي الياور السوري الجديد رئيساً على دولة محاصصة في سورية بعد نجاح التجربة في العراق!.

أخيراً وبعد أن رفضت منصة القاهرة الشرعية، مثل هذا التحرّك المكشوف، الذي قام به الجربا وقدري جميل ومن يخدمون مصالحهما، جنّ جنون هؤلاء وأخذوا يتهمون لجنة المتابعة بأنها مجهولة وأن كل ما يصدر عنها هو مزوّر مطلقين سلسلة من الشتائم التي لا تقدّم أو تؤخر بعد افتضاح مشروعهم وانكشاف أسماء من يقفون خلفه، خدمة لـ “قسد” و”مسد” وتحالف الأقليات الجديد.

ويعوّل السوريون اليوم على “الوطنيين” من مؤسسي وأعضاء منصة القاهرة الأصلاء، لرفض هذا الغوص المفضوح في الوحول الذي لن يلوّث أحداً إلا المستغرقين فيه مع الميليشيات الأجنبية الإرهابية الدموية ومافيات السلاح ورموز الفساد. وإن انخرطت منصة القاهرة بعد أن يتم اختطافها على يد هؤلاء في هذا المسار، فهذا طريق معروفة نهاياته ولا غنيمة من ورائه إلا الخزي والخذلان.

المصدر: غلوبال جستس سيريا نيوز

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني