التعليم في الشمال المحرر بين مطرقة البرد وسندان الحر
تنتشر المخيمات في الشمال السوري كندبات موجعة على جسد وطن متعب، وما يزيده تعباً وألماً آلاف القصص والمعاناة لمهجرين من الأراضي السورية كافة.
تتنوع الحكايا بحسب الرواي الذي يقصها والزاوية التي ينظر منها، وتبقى حكاية التعليم ومشاكله من أهم الكوارث التي تدمر الحاضر والمستقبل.
يوجد العديد من المخيمات المنتشرة في (أطمة) في ريف إدلب، التي تتشابه في كثير من تفاصيلها واحتياجاتها للنهوض بالعملية التعليمية واستمرارها حتى لا تفقد الأجيال القادمة حقها في العلم.
يتحدث الأستاذ غسان وهو معلم في مخيم (الإخلاص لله) ضمن مخيمات (أطمة) عن الحالة المأساوية للمدارس – إن جاز لنا أن نطلق عليها هذا الاسم – قائلاً: المدرسة عبارة عن ثلاثة خيام اهترأت من تعاقب الفصول، فنحن نستخدمها كمدرسة منذ ثلاثة أعوام وقد تمزقت وأصبحت لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، ولكننا مضطرين للاستمرار باستخدامها لأننا لا نملك خياراً آخر.
ويتابع الأستاذ غسان حديثه عن وضع المعلم المزري فيقول: نحن لا نملك أثاثاً للمدرسة، حتى المعلم ليس لديه كرسي ضمن الخيمة، ونعمل منذ ثلاثة أشهر بدون رواتب، وما يدفعنا لذلك وجود العديد من الطلاب المتفوقين والمتحفزين للدراسة.
ويعبر الأستاذ غسان عن وضع الطلاب الذين يحتاجون إلى الكتب المدرسية والقرطاسية والحقائب، فأغلبية الطلاب لا يملكون كتباً ما يجعلهم يعانون بكتابة الوظائف وحفظ الدروس.
والمعاناة الأكبر في فصل الشتاء، حيث تتسرب مياه المطر للخيمة من الجهات كافة وبسبب البرد نطلب من كل طالب أن يحضر معه قطعة حطب من خيمته حتى نتمكن من إشعال المدفأة في محاولة للحصول على قليل من الدفء.
وفي مخيم آخر في الشمال السوري وهو مخيم (كفر عبيد) يتحدث الأستاذ أحمد عن حالة مدرستهم، وهي عبارة عن خيمة مهترئة أيضاً تفتقر للمقاعد الكافية للطلاب والسبورة وتعاني من نقص الكتب والقرطاسية
يقول الأستاذ أحمد: يتراوح عدد الطلاب ما بين 270-300 طالب من عدة مناطق في ريف إدلب وريف حماة وريف حلب ضمن مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول حتى الصف السادس، وقد اضطررنا لاستخدام الجامع كمدرسة، حيث قسمنا الطلاب لمجموعات لمتابعة تعليمهم.
في الصيف نعاني من شدة الحر، فالخيم مهترئة لا ترد أشعة الشمس ولكن يبقى الحال أفضل من الشتاء وبرودته، خاصة أن أغلبية الطلاب لا يملكون لباساً يقيهم البرد وبعضهم يأتون مرتدين أحذية صيفية والطين يغطي أقدامهم.
ورغم كل هذه الأوضاع القاهرة، يستمر الأطفال بالقدوم للمدرسة والحلم بالمستقبل.
تتحدث فاطمة ذات العشر سنوات، المهجرة من قريتها في (ريف حماة) منذ خمسة أعوام عن حلمها أن يكون لديهم مقاعد كافية للطلاب، وسبورة للكتابة، كما أنها تتمنى أن يكون لديهم طاولة وكرسي لمعلمها.
وتكمل فاطمة حديثها عن حلمها بأن تصبح معلمة حين تكبر، حتى تعلم الأطفال ولكن في مدرسة جميلة بعيداً عن الخيام القديمة.
أما الطفلة سيدرا المهجرة من (بابا عمرو) في حمص منذ أكثر من ثمانية سنوات تقول إن حلمها بأن تكمل تعليمها وتصبح معلمة حتى تبني وطنها بالعلم والمعرفة وأنها مصرة على متابعة تعليمها رغم كل ما تلاقيه من معاناة في طريقها. فمدرستها عبارة عن خيمة تحوي عدداً قليلاً من المقاعد، لا يحصلون على الراحة أثناء جلوسهم فيها، كما أنهم بحاجة للكتب والقرطاسية، وتحلم أن تمتلك حقيبة جميلة تحملها على ظهرها.
وأكملت الطفلة جنى حديث صديقتها قائلة: أحلم أن أذهب لمدرسة تضم صفوفاً متعددة، وباحة كبيرة نلعب فيها أثناء الفرصة، وتحوي أراجيح وألعاباً متنوعة. وأن يكون لجميع الطلاب لباس مشترك، لأن الأولاد في مدرستنا يلبسون ثياباً متنوعة وليست جميلة.
وتتابع جنى بغصة في صوتها: أريد أن يكون لدينا في الصف سبورة كبيرة وأقلام ملونة نكتب فيها، ويقوم معلمنا بشرح الدرس على السبورة البيضاء الكبيرة.
تبقى أحلام الأطفال بسيطة، ولكنهم يرونها مستحيلة في مخيمات بعيدة جداً عن مدنهم، تفتقر إلى أدنى مقومات السعادة التي يطمحون بالوصول إليها، ويستمرون في رسم أحلامهم رغم كل ما يعانونه من فقر وقهر، إلا أنهم يرسمون تلك الابتسامات على وجوههم ويجدون مساحة صغيرة للسعادة بين رفاقهم ومعلميهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”