fbpx

التراث الشعبي في محافظة السويداء جزء من التراث السوري

0 449

يلخص التراث الشعبي بما يحتويه من آداب وفنون ومعارف وعادات وتقاليد تطور وهوية جماعة ما، هذه الجماعة تمرّر تراثها من جيلٍ إلى آخر عبر الرواية الشفهية، والممارسة اليومية، إذ يعتبر هذا التراث مكوناً أساسياً في صياغة الشخصية وبلورة الهوية.

إن الفنون الشعبية على مختلف أنواعها، من موسيقى ورقصات شعبية وأزياء تقليدية، إنما تعكس التنوع الثقافي للمجتمع، وتميزه عن غيره من المجتمعات.

كذلك الحكايات والأساطير الشعبية والأمثال، فهي تحافظ على التاريخ الشفوي، وترسخ القيم والمثل العليا لدى الأجيال. وتعتبر اللهجات واللغات المحلية جزءً لا يتجزأ من التراث، وتعبّر عن التنوع اللغوي.

لو انتقلنا إلى فصلٍ آخر من فصول التراث، يمكننا أن نميّز في الجماعة (المكوّن) أنواع أطعمة تشتهر بها، فالمطبخ الشعبي يحافظ على المأكولات التقليدية، التي تعكس تاريخ وثقافة المجتمع وبيئته الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، حتى بات لدينا أنواع مأكولات يشتهر بها هذا المكون الوطني أو ذاك، وبتنا عندما نذكر أكلة ما، نستطيع معرفة نسبة هذه المأكولات لمنطقة معينة وجماعة بعينها.

كما أن الِحرف والصناعات اليدوية التقليدية، الخشبية، والفخارية، والنسيجية، توثّق الإرث الحضاري والفني.

كل منطقة في العالم تحتفي بتراثها، وفي سوريا، تلك المنطقة الجغرافية الممتدة من البحر المتوسط غرباً وبلاد الرافدين شرقاً، ومن آسيا الصغرى شمالاً حتى مصر جنوباً والمسماة تاريخياً بـ “بلاد الشام” والتي تتوسط القارات القديمة، ففيها غنىً وتنوعاً جغرافياً، أثّر على نمط الحياة ونشاطاتها الاقتصادية، مما انعكس على التراث الشعبي من حِرفٍ وفنون بين بيئة ساحلية، وأخرى جبلية أو صحراوية، بين بيئة تعتمد على مياه النهر، أو تلك المعتمدة على مياه الأمطار. فاختلفت تبعاً لذلك نوعية الملابس والطعام وشكل المسكن.. إلخ.

كما أن لسوريا تاريخ طويل يموج بحركته، فهي منطقة جذبت الجيوش والدول، ومرّت عبرها القوافل التجارية، تحمل معها البضائع والأفكار. ما أنتج ثقافة خاصة سمتها التنوع والاختلاف.

فكيف يسهم هذا التنوع وخصوصية الاختلاف بين المناطق في بناء الهوية الوطنية الجامعة؟

باعتقادنا يشكّل هذا التنوع الجغرافي والتاريخي فسيفساء ثقافياً يثري الهوية، حين نمدّ جسور الاتصال المعرفي، ويكون التفاعل ملاطاً يجمع أجزاء اللوحة في إطار جامع لا يلغي الخصوصية فحسب، بل يتيح إنتاج الجديد، بفعل الانفتاح على التواصل.

ومن بين تلك البيئات، سأركّز على خصوصية بيئة جبل العرب في سوريا، وبالتأكيد لن يحيط مقال واحد بجوانب تراثها ويحتاج لعدد من المقالات.

ومقالنا هذا سيركز على عادات الخطوبة والزواج قديماً وتطوراتها الحالية

فالخطوة الأولى في مسيرة الزواج تبدأ في البحث عن العروس المناسبة عند بلوغ الشاب السن المناسبة وقديما كانت الأم أو أخوات الشاب من يقوم بهذه الخطوة إذ تذهب أم الشاب وإحدى قريباتها في زيارة لمنزل الفتاة المختارة وتقومان بمراقبتها في حركتها ولباقتها وكلامها وإذا ما تمت الموافقة من أم الشاب يصار لتحديد موعد لزيارة رسمية يأتي والد الشاب مع أهل بيته لطلب يد الفتاة للزواج ويتم الاتفاق على المهر المعجل والمؤجل والحلي والجهاز.

ولإعلان الخطوبة يتفقون على موعد محدد فيدعو والد العريس مجموعة من الرجال وفي مقدمتهم رجال الدين ووجهاء القرية والعائلة وتسمى الكدة ويتم كتب الكتاب أو عقد العقد الديني حيث ينيب العريس وكيلا عنه والعروس كذلك.

يذهب وكيل العروس ويخاطب الفتاة علنا أمام النساء المجتمعات عن عمرها الذي أصبح يحدد بما فوق 15 عاما ويسألها إن كانت راغبة في الزواج وإن كان الأمر برغبتها فإذا كانت موافقة تقدم له منديلها وسوارا من الذهب أو الفضة علامة موافقتها. قديماً كان السوار من الفضة فقط اعتقاداً أنه ميمون الطالع. يذهب الوكيل بمنديل وسوار العروس لتبدأ طقوس عقد العقد بقراءة آيات من القرآن والأحاديث النبوية حيث يجلس الوكيلان قبالة بعضهما ويتشابكان بأيديهما ويوضع المنديل على يديهما وفوقه السوار والشيخ المعني بإتمام العقد يجلس ويضع يده فوق يديهما. وبعد انتهاء الطقس يقوم اعل العريس بتقديم الحلويات وبذلك يكون العقد الديني قد اكتمل.

في يوم الزفاف يذهب موكب من أهل العريس وأصدقائه لإخراج العروس من بيت أهلها ويجري ما يسمى بالشوبشة وهي تقديم مبلغ من المال “نقوط” من كل فرد من أهل قريتها وجيرانها حيث يقوم أحد الرجال بأخذ المال ويقول بصوت عال “خلف الله عليك يا فلان محبة براس قرايبك” ويعتبر هذا المال هدية ومساهمة في تكوين الأسرة الجديدة. وما تزال هذه العادة تمارس حتى يومنا هذا في بعض القرى.

تخرج العروس من بيت أهلها مع الفاردة وهو موكب يذهب لجلب العروس كان يتكون من الفرسان والهجانة والمشاة وقبل خروجهم مع العروس يتحدى شباب قرية العروس شباب الفاردة بأن يرموا في طريقهم حجراً ثقيلاً مثبت في وسطه عصا ويسمى هذا الحجر العَمدة فإن استطاع شباب الفاردة رفع الحجر ساروا بعروسهم بسلام وإذا لم يفعلوا عليهم دفع مبلغ من المال كترضية يقدم كنقوط للعروس. ويذكر أن هذه العادة لم يعد معمولاً بها في أيامنا الحالية.

وعندما يصل الموكب لقرية العريس لا تتوجه العروس إلى بيت العريس بل تدعى إلى بيت آخر حيث يقدم لهم الطعام وفي الليلة التالية تزف العروس لعريسها وبعد سهرة مليئة بالأغاني الحماسية والعاطفية والرقصات والدبكات لا يبقى في آخرها إلا أقرباء وأصدقاء العريس يدخلونه على عروسه وينتظرون خروجه ليعلن فض بكارة عروسه ومعه اثبات فحولته وطهارتها.

في صباح اليوم التالي يتوافد الناس للتهنئة ويكون أهل العروس قد أعدوا الطعام لأهل القرية الذي ينقلونه لبيت العريس إذا كانوا من نفس القرية. وفي المساء يولم أهل العريس ويدعون أهل القرية للعشاء ويسمى القِرى. أما إذا كانت العروس من قرية أخرى فإنهم يدعون أقاربها وأهل قريتها لزيارة ابنتهم ومعهم الذبائح والهدايا وتسمى هذه العادة “ردة الرجل”.

في الوقت الحالي تم استبدال طعام صباحية العرس بحفلة عشا العروس وتتم قبل حفلة العرس بيوم أو يومين على الأغلب ويقوم أصدقاء العريس بحفلة حمام العريس والباسه ثيابه وتعطيره ليكون على أهبة الاستعداد ليومه الكبير.

تراث غني بغنى التفاصيل اليومية، حي متغير بتغير إيقاع الحياة يعبر عن أناسه ويعبرون عنه بممارستهم اليومية أصالة وتحديثاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني