fbpx

الاتفاق بين السلطة المؤقتة وقوات قسد: تداعيات النجاح على مستقبل سوريا

0 34

في ظل المشهد السوري المعقد، جاء الاتفاق الذي وُقّع في 10 آذار 2025 بين السلطة المؤقتة، ممثلة بالسيد أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، السيد مظلوم عبدي، كخطوة قد تكون محورية في إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد. ويأتي هذا الاتفاق ليقدم فرصة حقيقية لإذابة الحواجز وبناء جسور الثقة. وإذا ما نجح هذا الاتفاق في تحقيق أهدافه، فإنه قد يفتح الباب أمام تحولات جذرية تسهم في بناء سوريا المستقبل على أسس جديدة من التوافق الوطني والاستقرار.

التأثير السياسي للاتفاق

يُشير الاتفاق إلى إمكانية ترسيخ نموذج لامركزي في إدارة سوريا، وهو ما قد يكون حلاً واقعياً للصراع المستمر منذ أكثر من عقد. فمن خلال منح الأقاليم نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن إطار وطني موحّد، قد يتمكن السوريون من تجاوز إشكاليات الحكم المركزي الصارم الذي كان سبباً في تفجر الأزمة.، ويفتح المجال لإدارة أكثر مرونة وعدالة في توزيع السلطات والموارد.

إن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى تحولات في ميزان القوى داخل سوريا، حيث يصبح للأطراف الفاعلة المحلية دور أكبر في صياغة مستقبل البلاد. وكما أنه قد يدفع قوى المعارضة الأخرى للبحث عن تفاهمات مماثلة، ما قد يؤدي إلى مفاوضات أوسع تشمل أطرافاً سياسية مختلفة.

فنجاح الاتفاق قد يضعف الذرائع التي تستغلها بعض الدول للتدخل في الشأن السوري. فعندما يكون هناك تفاهم داخلي بين القوى المؤثرة، تقل الحاجة إلى الارتباط بتحالفات خارجية قائمة على التنافس الدولي، ما قد يفسح المجال لحل سياسي داخلي يُنهي حالة الاستقطاب الحاد.

التأثير الاجتماعي

إذا تم تنفيذ الاتفاق بنجاح، سيسهم ذلك في تجاوز الانقسامات العميقة بين المجتمعات المحلية، ما يساهم في خلق بيئة أكثر تكاملاً. من خلال تأكيد حقوق جميع المكونات ضمن إطار وطني جامع، ستتمكن هذه المجتمعات من بناء أسس للمصالحة والتعاون المستدام. وفي هذا السياق، قد يكون الاتفاق خطوة نحو تعزيز الهوية الوطنية السورية بدلاً من الهويات الفرعية التي ظهرت نتيجة للنزاعات الطويلة.

تحقيق التوافق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية قد يسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الأمني في شمال وشرق سوريا، وهي مناطق تشهد توترات مستمرة بين مختلف الفصائل. كما أن خفض مستويات العنف يمكن أن يسهم في توفير بيئة أكثر أماناً للسكان المحليين، بما في ذلك عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.

 علاوة على ذلك، فإن التقليل من الصراعات بين الفصائل المحلية قد يقلل من الفرص لاندلاع نزاعات جديدة، سواء على المستوى المحلي أو نتيجة للتدخلات الإقليمية التي قد تسعى إلى تأجيج الصراع لصالح أجنداتها الخاصة. إن نجاح الاتفاق قد يعزز من قدرة الحكومة السورية على فرض الأمن في المناطق التي كانت تحت إدارة قسد، ما يعزز من وحدة الأراضي السورية ويدعم استقرار البلاد.

إذا تحقق الاستقرار نتيجة لهذا الاتفاق، فإن منظمات المجتمع المدني سيكون لها دور محوري في إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الحرب والدمار. وستتمكن أيضاً من تقديم الدعم في عمليات إعادة الإعمار، خصوصاً في المناطق التي كانت تحت سيطرة قسد أو التي تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الصراع. كما يمكن أن تلعب هذه المنظمات دوراً في تحقيق العدالة الانتقالية، ما يساعد في معالجة قضايا ضحايا الحرب وتقديم المحاسبة للمجرمين من جميع الأطراف. علاوة على ذلك فإن تعزيز الحوار بين المكونات المختلفة سيمكن المجتمع المدني من لعب دور الوسيط في تقديم حلول وسطية وتحقيق المصالحة.

التأثير الاقتصادي

الاستقرار السياسي والأمني الناتج عن الاتفاق قد يكون دافعاً لانطلاق مشاريع إعادة الإعمار، سواء بجهود محلية أو عبر جذب الاستثمارات الخارجية. فالمناطق التي شهدت دماراً هائلاً بسبب الحرب قد تبدأ بالتعافي عبر خطط تنموية مستدامة.

فالوضوح السياسي الناتج عن الاتفاق قد يشجع الشركات ورجال الأعمال السوريين والدوليين على الاستثمار في مناطق الإدارة الذاتية ومناطق المعارضة، وهو ما قد يسهم في خلق فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد.

إن أحد التحديات الكبرى في سوريا ما بعد الحرب هو إدارة الموارد الطبيعية مثل النفط والزراعة. فالاتفاق قد يفتح المجال لوضع آليات مشتركة تضمن توزيعاً أكثر عدالة للموارد بين مختلف المناطق، مما يخفف من الاحتقان الاقتصادي الذي أدى إلى نزاعات عديدة.

إذا نجح الاتفاق في تحقيق أهدافه، فإنه قد يصبح نموذجاً يُحتذى به في بقية أنحاء سوريا، حيث يمكن أن يكون حجر الأساس لعملية سلام أوسع تُنهي حالة الانقسام الطويلة. ورغم التحديات الكبيرة التي ستواجه تنفيذ هذا الاتفاق، إلا أن نجاحه سيمثل خطوة تاريخية نحو بناء سوريا قائمة على التعددية السياسية، والتعايش الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية المستدامة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني