fbpx

ازدياد معدل الجرائم

0 192

يعيش المجتمع السوري أسوأ حالات التردي، لم تكتف الحرب بقضم أبنائه قتلاً وتهجيراً وتشريداً فما زالت رحاها تطحن ما تبقى من نفس وأمل بتغيير قدموا الغالي والرخيص في سبيله.

عانت المجتمعات والدول ويلات الحروب ونهضت بعدها مستفيدة من مرحلة الاقتتال وتحويل الخسارة دافعاً لربح مجتمعي، ودرساً يفتح مكامن التفكير العقلاني الإيجابي ليتحول طاقة إيجابية ومبادرات لنهضة تعوض الخسارات وتبني عليها الدراسات والأبحاث حماية للمستقبل من تكرار التجربة. لذا ركزت الدراسات على الإنسان، الهدف من أي دراسة والاستثمار الأولي والأساسي لتطوير المجتمع ونهضته، تنطلق منه كل الاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

هل الحالة السورية تنطبق عليها حالات المجتمعات الأخرى التي خاضت تجارب الحروب؟

تختلف الحالة السورية عن مجمل الحالات التي سبقتها، فمعظم الحروب التي نشبت لم تكن لأسباب شخصية للحكام، بل كانت صراع مصالح دول، لكن الوضع السوري أسس للحرب منذ استلام الأسد الأب للسلطة فالسياسة المتبعة لخدمة الحاكم وليس لخدمة المصلحة العامة، هذا النمط من السياسة أودى بالبلاد إلى ماهي عليه، زراعة الكراهية بين فئات المجتمع والتركيز على الأنا ونشر ثقافة الكراهية وتطبيق ذلك ضمن نهج وأسلوب (الغاية تبرر الوسيلة) وبالتالي تفكك اجتماعي واقتصاد هش محكوم من عدد قليل من اشخاص السلطة يمتلكون ثروة البلاد بدون قواعد وأسس علمية وفقر وعوز لدى الأغلبية الساحقة من الشعب، وفساد يبرر كل ارتكاب، يعني المناخ المنبت والمولد للجرائم.

في هذا الوسط والمستنقع من التعفن والقباحة وعسكرة المجتمع بانتشار السلاح العشوائي وغياب القانون تتوالد الجرائم وتكثر وتتنوع، جرائم لم نسمع بها سابقاً تقشعر لها الأبدان (قتل الآباء لأطفالهم) ليس القتل فقط إنما التعذيب حتى الموت، سادية فاقت كل تصور، التلذذ بتعذيب الأطفال بالإضافة لظاهرة باتت مسألة خطيرة وهي تخلي بعض الأمهات عن أطفالهن، بسبب تقصير القانون بحمايتهن. تحدث غالباً في حالات الطلاق وعدم قدرة الأم على احتضان الطفل لغياب الإمكانيات وعدم توفر نضج والوعي لخطورة هذه الحالات فالقانون ينص على التزام الأب بأطفاله القصر حتى بعد سن البلوغ إذا كانوا غير قادرين على الإنفاق بسبب الدراسة، أو بسبب المرض، وهنا لا تستطيع الأم النهوض بالأعباء المالية والاجتماعية، في معظم الحالات لا يلتزم الأب بالأطفال إلا بما يلزمه به القانون لناحية النفقة التي لا تتناسب مطلقاً مع الحاجة الحقيقية لحياة الأطفال حتى تطبيق القانون يتم التهرب منه، قلما نلحظ حالة تأمين المأوى والسكن للأم الحاضنة، إذا هناك نقص بالتشريع وعدم التزام بالتطبيق.

ونقطة أخرى حالات الحمل خارج الزواج والتي لا حل قانوني لها الا بإثبات الزواج، لكن هذا لا يحدث نادرا لعدم تقبل المجتمع لتك الحالات واعتبارها نوع من الفسق وتحميل المرأة كامل المسؤولية الأخلاقية، (مجتمع يبرر تخلي الام عن طفلها بحجة العار ويجرم الحب والعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة) فلا قانون يحمي ولا مجتمع يرحم، بهذه العقلية السطحية تتوالد الجرائم ولا يغيب عن بالنا حالات تخلي الأمهات عن الاحتضان، بسبب الزواج الذي يفقدها القانون الحضانة لطفلها وبالتالي تكون أمام خيارين إما أن تتزوج أو تتخلى عن حضانة الطفل لأبيه وأيضاً الطفل ضحية القانون والمجتمع فهل تكون زوجة الأب على قدر من الأخلاق والإنسانية لتقبل طفل طليقة زوجها. هنا المأساة الحقيقية لمستقبل مجهول ومظلم لهؤلاء الأطفال حالات كثيرة يعاني منها الأطفال من التعنيف وقد يصل للموت وأحياناً بالتعاون مع الأب نكاية بالأم، أي قبح وصلنا إليه وما نسمع به من حالات لا يشمل كل الحالات الموجودة بالواقع من إجرام بحق الأطفال من ذويهم.

ازدياد العنف أفقياً باتساع رقعته ليشمل معظم المناطق والشرائح، وعمودياً عمقاً بتنوع أشكاله بجرائم خطيرة على النفس البشرية لم نعهدها سابقاً من فظاعة وقساوة للعنف الممارس بحق الضحايا.

كمية هذا الإجرام المتغول بعمق بعض النفوس البشرية، لم تظهر فجأة، إنها التربية المجتمعية المنبثقة عن العنف العام القانوني والسلطوي لأن العنف يولد العنف وهكذا يتوالد ويتكاثر في هذه البيئة المناسبة لنموه وتكاثره واستنساخ نماذج جديدة أكثر بشاعة وقسوة مما شهده التاريخ.

المعالجة الحقيقة تكون بمعالجة الأسباب المؤدية للعنف أولها: التجديد بالتشريع وسد الثغرات والنقص بما يتناسب مع الوصول للعدالة واستبعاد أشكال الظلم، والأهم تطبيق القانون ونشر الثقافة القانونية واستنباط روح العدالة بالتشريع والقانون ما يعني السمو بالسلطة القضائية.

ثانياً: نشر ثقافة التسامح ونبذ فكر الكراهية المؤدية للعنف بكل أشكاله اللفظي (التنمر) والمادي (الجرائم) وإفساح المجال للمجتمع المدني بإزالة المعوقات الأمنية والبيروقراطية كونها عقبة في وجه تحرك المجتمع المدني فهو عامل أساسي في رفع سوية المجتمع بالثقافة والتمكين وأداة رقابة على أعمال السلطات ما يعني تصويب عمل السلطات وهذا لا يكون في سلطة مستبدة، إنما بنظام حكم ديمقراطي وعمل مؤسساتي.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني