إيران وحزب الله.. كذبة نصرة غزة والمقاومة الإسلامية
لا يزال العقل العربي عقلاً غير موضوعي في مقاربته لقضايا الشعوب، فهو لا يعتمد على مبدأ العمل وفق التوازنات المتوفرة في الواقع، بل يضيف إليها رؤى غيبية تكشف عن رغبته بتغيير الواقع دون وجود ما يساعد على ذلك.
هذه الحقيقة، لا تزال أحداثها تجري حتى اللحظة عبر حرب غزة، التي أرادت المقاومة الإسلامية التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامية مباغتة إسرائيل بها، ليستفيد منها سياسياً ما يسمى بـ “محور المقاومة”، وعلى رأسه النظام الايراني، ويستثمرها لخدمة مصالحه في الملفات الخارجية، وأهمها إفشال مفاوضات السلام الإسرائيلية – السعودية بهدف إبقاء النفوذ الإيراني الإقليمي قوياً، بحيث يمنع إلغاء ذريعة المقاومة كإحدى الادوات وأحد الخيارات المتاحة أمامه للسيطرة على المنطقة العربية. وكذلك لتحصل هاتان الحركتان على مكاسب سياسية وغير سياسية في الساحة الفلسطينية من جهة، وإظهار قدرتهما بثّ الخوف والرعب في قلوب الإسرائيليين.
الحركتان الفلسطينيتان (حماس والجهاد) لم تحسبا حساب ما بعد المباغتة، والرد الإسرائيلي في قطاع غزة بالكامل، المباغتة أحدثت فرقاً نفسياً لا أكثر، وهو قدرة المقاومة الإسلامية على اختراق دفاعات عدوتها إسرائيل في المستعمرات التي تسمى “غلاف غزة”.
الحركتان الفلسطينيتان بنتا علاقة عميقة مع حكومة ملالي طهران، وكذلك مع الحزب الشيعي اللبناني الذي ذبح السوريين، على اعتبار أنهما يقفان مع القضية الفلسطينية، وإيران هي من أنشأت فيلقاً عسكرياً أسمته فيلق القدس، للتغطية على مراميها بهذه البروباغندا المضللة.
إيران التي دعمت هذين الفصيلين الفلسطينيين لم يكن هدفها بالمطلق تحرير بيت المقدس، أو تحرير فلسطين من قبضة الاحتلال الإسرائيلي، بل وضعت هذه القضية في واجهة سلوكياتها الإقليمية، لتضليل الشعوب العربية على أنها دولة إسلامية، هدفها الوحيد نصرة قضايا المسلمين في هذا البلد، الذي يضم بين جناحيه المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرها من مناطق دينية هامة.
إيران التي وضعت هذا القناع المزيّف على وجهها، مارست سياسة هدّامة لدول المنطقة، انطلاقاً من اعتمادها على الأقليات الشيعية في بلدان الشرق الأوسط العربية، أي أنها استعملت الأيديولوجيا الدينية الشيعية لتنفيذ سياساتها الاستراتيجية بالسيطرة على المنطقة العربية في آسيا، والغنية عموماً بالثروات، والتي تمتلك موقعاً جغرافياً هاماً في مركز العالم القديم، أي أنها تريد السيطرة على خطوط التجارة بين ضفتي العالم.
إيران هي من شجّع حركتي المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد) على القيام بهذه الحرب غير المحسوبة النتائج، وهي من زودهما بالسلاح والخبراء والأموال، رغم يقينها أن الحركتين لا تستطيعان الانتصار على إسرائيل، لا بل رغم قناعتها العميقة، بأنها تستخدم هذين الفصيلين لأهداف سياسية خاصة بها، مثل ملفها النووي، أو وجودها في سورية.
إيران فعلياً، حوّلت الفصيلين المذكورين إلى ذراعين لها عبر تمويلهما، في وقت امتنعت فيه بلدان العرب الغنية عن تمويل هذين الفصيلين اللذين يعتبران من الإسلام السياسي المرفوض من تلك الدول باستثناء دولة قطر.
الذهنية الجهادية لحركتي حماس والجهاد الإسلامية، هي ذهنية لا تقيم وزناً للتوازنات في القوى الموجودة في الواقع، بل تريان، أن المباغتة أو حرب الكر والفر صالحتان في مواجهة دولة مثل إسرائيل، مبنية على التكنولوجيا والإيمان بالعقيدة اليهودية التي تعد اليهود بأرض الميعاد.
إن قيام حماس والجهاد بمباغتة المستعمرات الإسرائيلية، وقتل جنود ومدنيين في اقتحام تبادل النيران وأخذ أسرى عسكريين ورهائن مدنيين من أجل مبادلتهم بالمعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل، هي خطوة لم تقرأ البعد النهائي لما بعد المباغتة، أي أنهما لم تقيما وزناً لحياة شعب أعزل في قطّاع غزة، وكأن حياة هؤلاء الناس منذورة لخدمة أهداف سياسية لهما ولداعميهم من النظام الايراني.
الحركتان المذكورتان مارستا سياستهما الإعلامية على جثث المدنيين الفلسطينيين، الذين قتلتهم الغارات الإسرائيلية دون رحمة، فإسرائيل، وهي تعرف أن التعامل الليّن مع مباغتة المقاومة الإسلامية لمستعمراتها، سيقود يمينها المتطرف الذي يقوده نتنياهو إلى السقوط سياسياً، وهو أمرٌ لا يسمح به هذا اليمين بالمطلق، لأنه يتناقض مع ذهنية بناء إسرائيل الكبرى، ويتناقض مع يهودية الدولة الصرفة.
إن حجم الضحايا من المدنيين الفلسطينيين المسالمين مسؤولة عنه عقلية وممارسة حركتي الإسلام السياسي (حماس والجهاد)، ومسؤولة عنه غطرسة ووحشية اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهذا ينبغي ألا يمرّ دون محاسبة دولية لجرائم الحرب المرتكبة منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”.
وكذلك، وبالمثل فإن ضحايا حركتي حماس من المدنيين الإسرائيليين أضر بها وبنبل وسمعة قضية الفلسطينيين الوطنية، وبرر حجج إسرائيل في هجومها، وأعطى سبباً واهياً لحلفائها لدعمها لأقصى حد، ووضع المجتمع الدولي الذي ينظر بعدالة للقضية الفلسطينية في موضع صعب بحيث أصبح من الصعب عليه التنديد بالأفعال ضد المدنيين في غزة، دون التنديد بمثيلاتها ضد المدنيين الإسرائيليين، تماشياً مع مبدأ المساواة في حماية المدنيين وعدم التعرض لهم، حيث أنه في حال لم يتم التنديد بذلك، فسيصبح من الصعب التنديد به عندما تكون الضحية هو أنت.
إن الذهنية الدينية التي تقود سياسة حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين، هي ذهنية توكلية غير علمية، وهي لا تقيم استراتيجياتها على معطيات الواقع الحقيقي، بل إنها تقيم ذلك وفق منطوق ديني خاص بهما وهي مؤتمر من قبل داعميها ومموليها ولا تملك قراراتها الذاتية، ولذلك فهي غير قادرة على إدارة ملف القضية الفلسطينية بحس وطني خالص ومستقل يحقق المصالح الوطنية العليا، دون توريط الشعب الفلسطيني بنكبات التهجير إضافة إلى القتل والتدمير الذي واجهته غزة نتيجة مغامرة هذين الفصيلين المتطرفين، بحيث إنه من المتوقع وبشكل كبير أن النظام الايراني سيكون الرابح الأكبر من المغامرة الحماسية/الجهادية التي يدفع ثمنها دم المدنيين الفلسطينيين في غزه.
إن مواجهة مخططات إسرائيل فلسطينياً تحتاج إلى إعادة النظر بسياستي الاتجاهين الحاكمين في الضفة الغربية وقطّاع غزة، وإن هذه المواجهة ينبغي أن تبنى على سياسة تتوافق مع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وحل الدولتين.
الفلسطينيون كشعب معنيون بأن تقودهم قيادات سياسية غير تفريطية، وغير متطرفة في آن واحد، وغير مرتبطة خارجياً لتنفيذ مصالح مموليها، وأن تعمل هذه القيادات على استنهاض الوعي الفكري التطلعي المتطور والموضوعي الناضج.
فهل سيحاسب الشعب الفلسطيني حركتي حماس والجهاد باعتبارهما جرّتا قطاع غزة إلى مغامرة مكلفة ذات مكاسب وطنيه تكاد تكون معدومة وتخدم مصالح نظام الملالي الطائفي في طهران وأهدافه في السيطرة الإقليمية والوصول لمكة لتحريرها، حسب تعبير هولاء الملالي، من السيطرة السنيه؟. وهل مبدأ المحاسبة السياسية ضروري وحاسم لتصحيح سياسات القوى الفلسطينية التي تتربع على رؤوس الشعب الفلسطيني، مثل حكومة محمود عباس “فتح”، وحكومة غزة “حماس”؟.
وهل سيحاسب المجتمع الدولي إسرائيل لاستخدامها أسلحة دمار محرمة دولياً كالفوسفور الأبيض، ويحملها مسؤوليات المجازر وقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية في قطاع غزة؟.
وهل سيعي العرب، وأولهم دول الخليج العربية، أن إيران لا يمكنها التخلي عن برنامجها في الهيمنة على ثروات ومقدرات وشعوب الدول العربية في الجزء الآسيوي؟.
إنها معارك وجود وتحتاج إلى إعادة إنتاج رؤى حولها وهذا لم يبدأ بعد.