fbpx

إضاءة على مخرجات مؤتمر الميثاق الوطني للسوريين في أمريكا

0 417

‎انعقد في واشنطن خلال اليومين التاسع والعاشر من شهر أيلول الجاري مؤتمر ضمّ أمريكيين من أصل سوري، أرادوا من عقده إخراج القضية السورية من حالة جمودها نتيجة تعقيدات مصالح الدول المنخرطة بالصراع في سوريا وعليها، ونتيجة عدم استطاعة النظام الأسدي الخروج من جلده وبنيته الاستبدادية التي لا يستطيع مغادرتها، لأنه سيتلاشى آنذاك.

‎لكن لم يكن الحضور كبيراً كما خُطط له، فالتباينات والاختلافات بين أطر العمل السياسي والاجتماعي للأمريكيين من أصل سوري كبيرة وواسعة، ولم يتمّ العمل على تجميعها بحركة واحدة تخدم قضيتها في بلدها الأمريكي، وبالتالي هي تختلف في رؤيتها حول كيفية حل القضية السورية.

‎كان حريّاً بالأمريكيين من أصل سوري تنحية الأنا الذاتيه ومقدماتهم الأيديولوجية في النظر لمجمل ما يتعلق بهم في وجودهم في الولايات المتحدة، وتغليب الترفع الأخلاقي والحس الوطني الخالص وبالتالي عدم تغليب رؤى جماعاتهم وأطرهم الأيديولوجية والعواطف المشحونة سلباً على المسألة الوطنية السورية، فهذا التغليب ظهرت نتائجه بانقساماتهم، وبعدم قدرتهم على تشكيل “لوبي سوري” فاعل ومؤثر في القرارات السياسية للولايات المتحدة بما يخصّ قضايا بلدانهم الأصلية.

‎التغليب الأيديولوجي يخفي خلفه مصالح أخرى لسنا بصدد نقاشها الآن، ولكنه أدّى إلى ضعف الضغط الذي قد يمارسه هذا الإطار السياسي الأمريكي – السوري على مفاصل صناعة القرار في الولايات المتحدة.

‎وفق هذه الحالة السائدة تداعت مجموعة من الأمريكيين السوريين لعقد اجتماع للاتفاق على ميثاق وطني سوري للأمريكيين من أصل سوري، وقد قال بعض من شارك في التحضيرات لعقد هذا المؤتمر أنهم أمضوا عاماً ونيّف من أجل عقد هذا المؤتمر.

‎لم ينتبه من عملوا على عقد المؤتمر المذكور إلى أنهم لم يخرجوا عن محاولات جرت سابقاً لجماعات سياسية سورية مختلطة أرادت اختراق جمود حل القضية السورية، لأنهم قرؤوا سطح الأحداث ومزجوها برغباتهم السياسية فكان الفشل حصادهم.

إن إجراء عمليه فحص وتحليل واستشاره لأصحاب هذه التجارب السابقة تجنب تكرار أخطائهم وتدلل على نية صادقه لبث روح العمل الجماعي وتنميته، وتعزز مبدأ الشموليه وعدم إقصاء الآخرين وحس الانتماء لأي خطط لمشروع وطني جامع، ولن يتحقق ذلك مالم يتم سلوك طريق المصارحة والمصالحة بين الجماعات ‎المنخرطة بالعمل والنشاط السياسيين.

‎لا يمكن تخيّل كيف يقود سوريون يحملون الجنسية الأمريكية أو الأوربية قوى الثورة والمعارضة وهم بعيدون كثيراً عن تفاعلاتها الداخلية من جهة، وعدم قدرتهم على بناء أطر عمل سياسي ثورية موجودة على الأرض السورية، وهذا يفسّر أنهم في وادٍ والقضية السورية بجوهرها في واد آخر، ‎الأمر هنا لا يتعلق ببراعة كتابة مواثيق أو برامج سياسية، بل يتعلق بحوامله على الأرض في هذه البلاد المنكوبة وفي جوارها حيث يتجمع قرابة ستة ملايين لاجئ، وفي داخلها يتجمع قرابة هذا العدد من النازحين.

‎ومع ذلك ومع افتراض النية الحسنة لمنظمي مؤتمر واشنطن من أجل ميثاق وطني للسوريين الأمريكيين، فهذه النية الحسنة لا يعني أنها استطاعت قراءة بنية وصيرورة القضية السورية في تغيراتها وتحولاتها المستمرة، المتعلقة بتغير مواقع ومواقف ومصالح المنخرطين الخارجيين فيها، وهذا برأيي أدى إلى عدم اكتشاف العلاقة الجدلية بين المُنتَج النهائي للمؤتمر وبين أسس إنتاجه.

‎ليس مفهوماً على الصعيد الوطني السوري أن تخرج جماعة أمريكية من أصل سوري لتضع مبادئ ميثاق وطني لها، وكأننا سنقوم لاحقاً بمثل هذه الخطوة للسوريين في أوربا، وللسوريين في تركيا أو لبنان أو الأردن.

‎الأمر غير المفهوم أن بعضهم يريد الوصول إلى نتائج يعتقدون أنها ربما تشكّل أساس ميثاق وطني، مع بعض تعديلات هنا وهناك، دون القيام بالخطوة الأهم والأساسية، وهي جمع المكونات السياسية والاجتماعية السورية عبر تمثيلاتها في مؤتمر يمكن أن يُطلق عليه “المؤتمر الوطني السوري الجامع”، فهذا المؤتمر هو من سيضع مبتدئ ميثاق وطني تعبّر عن مكوناته دون فوقية نخبوية، ودون ممارسة تخييلٍ سياسي على أن هذا المكون أو ذاك يقبل بما يأتي به هذا الميثاق.

‎عقد مؤتمر وطني سوري جامع هو خطوة حاسمة وأساسية لوضع مبادئ ميثاق وطني سوري حقيقي وفوق دستوري. فهو روح العقد الاجتماعي الذي سيشكل صمام أمان حقوق كل المكونات دون مواربة أو غبن، وهو أيضاً من يخلق قوة الدفع التاريخية لانخراط المكونات في بناء بلادها على قاعدة وحدتها في ميثاقها.

‎لهذا وخارج الأطر السياسية الضيّقة ينبغي التفكير جمعياً لدى السوريين أنى كانوا، بورقة عمل أولية، تناقشها كل المكونات في آن واحد، ويكون ممثلو هذه المكونات ممثلين حقيقيين لمكوناتهم.

‎هذه الخطوة وخارج القيود التنظيمية لمؤسسة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، هي من يجب أن يبادر على وضع خارطة عمل لعقد المؤتمر، على اعتبار أنهم القيادة السياسية للسوريين المعترف بها دولياً. هذه الخطوة تستدعي من الائتلاف مخاطبة المكونات السورية الوطنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من أجل وضع ورقة عمل مؤقتة تتم مناقشتها في الاجتماعات التحضيرية التي ستسبق عقد المؤتمر الوطني السوري الجامع.

‎إن الوصول إلى هذه الصيغة ستجد مقاومة سياسية عنيفة من جماعات وأفراد يعرفون أن عقد مؤتمر كهذا سيجعلهم خارج ملعب القضية السورية بعد إعادة نقد وتقييم نتائج عمل أحد عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. هؤلاء ليسوا خارج مؤسسة الائتلاف فقط، بل هم موجودون في هذه المؤسسة، وهم أصلاً من أبعد هذه المؤسسة القيادية عن الحاضنتين الشعبية والثورية.

‎الائتلاف مطالب وبشدّة بتشكيل لجنة من داخله، تقوم باتصالات مع الطيف السياسي والاجتماعي السوري، لمناقشة وضع مسودة ميثاق وطني، تعرض على المؤتمر الوطني السوري الجامع لإقرارها من الجميع والتوقيع عليها كوثيقة فوق دستورية.

‎لهذا وليس تقليلاً من جهود من عملوا على عقد مؤتمر واشنطن للأمريكيين من أصل سوري، فإن تركيز مؤتمرهم لوضع ميثاق عمل سوري للأمريكيين السوريين، كان أشبه بالاحتفال بهطول المطر دون وجود غيوم في السماء.

‎السوريون ودون مواربة، ودون حرج من أحد يريدون الخروج من عنق الزجاجة الفظيعة التي أوصلهم إليها جهلة بعض من قادوا مؤسسة الائتلاف على مبدأ التكتلات والمجموعات، والتي وللأسف الشديد كان مربع الوطنية فيها مجرد لغة فارغة تستخدم في الخطب والندوات وتتلاشى مع انتهاء هذه الخطب أو الندوات.

‎من هنا أستطيع القول بجرأة أن الإصلاح الشامل الذي طرحه الشيخ سالم المسلط وفريقه لن يكون برنامج إصلاح بدون جمع السوريين على ميثاق وطني واحد فوق دستوري، فهذا الميثاق يتطلب عقد مؤتمر وطني جامع، هذا المؤتمر من ينتج سلطة الشعب السوري التذي يمنع أي انحراف أو تنازل سياسي، وكأن القضية الوطنية مسؤولية هذا الفرد أو ذاك.

‎سالم المسلط وفريقه الإصلاحي يجب أن يتسموا بجرأة ثورية تسلط الضوء على معرقلي وأعداء الإصلاح الشامل، وهذا واجبهم أمام شعبهم، فإن لم يفعلوا، فسيفعل ذلك الإعلام الوطني السوري المستقل، رغم أني على قناعة أن تغيرات كبرى في بنية الائتلاف ستحدث رغم أنف المخربين والمعرقلين والانتهازيين، فالثورة السورية ستطيح بمن سيقف حجرة عثرة في درب تحررها من نظام الاستبداد والشللية التي لا تبني أوطاناً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني