fbpx

أنور البني ومازن درويش.. ومطاردة مرتكبي الجرائم الأسدية في أوربا

1 363

لم تكن الجرائم التي ارتكبها نظام أسد بحق السوريين “من قتلٍ وتعذيب وتدمير وتغييب” مجرد جرائم عادية، بل هي جرائم ممنهجة، اتبعها نظام أسد لسحق الثورة السورية، التي تفجّرت عام 2011، ومنعِ أي محاولة لتغيير النظام السياسي في سورية.

جرائم نظام أسد بحق السوريين تقسم إلى قسمين: جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب. وهذان القسمان فيهما كمٌ هائل من انتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك من انتهاك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشأن الصراعات المسلحة.

كان نظام أسد مع انطلاقة الثورة السورية في آذار عام 2011 يعتقد أن العنف الشديد يقصّر من عمر الاحتجاجات الشعبية ويلجمها، هذا الاعتقاد، دفعه إلى إعطاء الضوء الأخضر لأجهزة مخابراته بتسمياتها المختلفة (أمن سياسي، أمن عسكري، أمن جوي، أمن الدولة، أمن تابع للقصر الجمهوري) لقمع الثورة الشعبية السلمية بقسوة شديدة، إضافة إلى قمع ميليشياته “الشبيحة” بكل تسمياتهم للشعب السوري، كذلك شمل الضوء الأخضر قطعاته العسكرية التي زجّها لسحق الثورة الشعبية السلمية.

العنف الشديد والمفرط الذي استخدمته أجهزة مخابرات النظام وجيشه وصل إلى مستوى انتهاك صريح لحقوق الانسان في سورية، هذا الانتهاك توزع على مستويين، جرائم حربٍ وأخرى ضد الإنسانية، وهذا يعني بالمفهوم السياسي أن نظام أسد فقد شرعيته منذ أن بدأ يطلق الرصاص الحي على المظاهرات السلمية، وكان يلجأ إلى تزوير كل الحقائق، فهو نظر إلى الثورة الشعبية السلمية على أنها مهددة لبقاء نظامه الاستبدادي في السلطة، ونظر إلى الشعب السوري على أنها حاضنة لهذه الثورة ويجب تدميرها.

إن وجود آلاف الصور التي توثق قتل نظام أسد لمعتقلين سوريين، والتي سرّب وثائقها من انتحل اسماً حركياً تحت اسم (قيصر) وسميت عملية تسريبه لهذه المعلومات بـ “وثائق أرشيف قيصر”. حيث أظهرت جثث معتقلين مدنيين سوريين ممن جرت بحقهم عمليات إعدام ميدانية، هذه الصور تكفي لمحاكمة نظامٍ لا يتصرف كحكومة طبيعية، بل أنه يتصرف كعصابة اختطفت حكم البلاد، وشرّعت لنفسها حق إعدام واعتقال كل شخص تتوجس خيفة من رفضه لسلطتها.

إضافة إلى الوثائق المسرّبة، هناك اشخاص ناجون التجأوا إلى بلدان خارج سورية، مستعدون لتقديم شهاداتهم بحق من قام بتعذيبهم.

كل هذه المعلومات والوثائق والأدلة دفعت المحامي أنور البني، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان إلى متابعة أي معلومات عن وجود اشخاص قاموا بانتهاكات لحقوق الإنسان، ومارسوا عمليات تعذيب وحشية بحق المعتقلين في سجون وفروع أجهزة الأمن الأسدية من خلال عملهم في هذه الأجهزة المرعبة.

إن المصادفة وحدها أيقظت ذاكرة المحامي أنور البني حين تلاقى بسوبر ماركت مع رجلٍ تبيّن لاحقاً أنه شغل رتبة عقيد في فرع الأمن العسكري الذي يحمل رقم 215، وهو فرع مشهود له بأنه يتسم بوحشية فظيعة في انتزاع اعترافات غير حقيقية من معتقلين أبرياء، كان أنور أحدهم.

العقيد في الأمن العسكري والذي انشق في العام 2012 وغادر إلى المانيا، أراد بذلك طمس دوره في تعذيب وقتل المعتقلين السوريين، لكن الادعاء الألماني بعد تقديم معلومات عن هذا الشخص دفع باتجاه اعتقاله والتحقيق معه، ثم خضع لمحاكمة أمام القضاء الألماني مع مساعد له اقل رتبة واسمه إياد الغريب.

بهذه المحاكمة استيقظت محاكم أوربا على ضرورة توقيف واعتقال ومحاكمة كل متور بانتهاكات موثقة لحقوق الإنسان.

أنور البني  الذي يرأس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية والحاصل على جائزة الخط الأمامي للمدافعين عن حقوق الإنسان  المعرّضين للخطر التي منحته إياها الرابطة الألمانية للقضاة عام 2008، لعب دوراً هاماً في مطالبة السلطات الأوربية بتفعيل القوانين التي تسمح بمحاكمات لأشخاص ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أمام الحاكم الوطنية الألمانية، حيث أدرجت المانيا مبدأ “الولاية القضائية العالمية” في قوانينها، هذا المبدأ يسمح للمحاكم بمحاكمة أي شخص على جريمة ارتكبها في بلاده أو غير بلاده وتكون الجريمة خطيرة بدرجة ما.

مازن درويش وهو أيضاً محامٍ سوري وناشط في مجال حقوق الإنسان، والذي يرأس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، كان أحد ضحايا الاعتقال التعسفي في سورية، حيث اعتقل في السادس عشر من شهر شباط 2012، وتمّ الإفراج عنه بتاريخ العاشر من شهر آب أغسطس عام 2015، هو الشخص الذي يتابع فضح النظام وبنيته الأمنية المتوحشة، ويتابع عبر مركزه كل ما يتعلق بالسوريين من اعتقالات وتعذيب وحشي ويقوم بتوثيقها ونشرها والمطالبة بالقبض على مرتكبي هذه الجرائم، بغض النظر عن رتبة أو مركز من قام بهذه الانتهاكات الفظيعة.

الجهد الذي يبذله أنور البني ومازن درويش يساهم بدون أدنى شكٍ في إضاءة الجرائم التي يرتكبها نظام أسد عبر تاريخه عموماً، وبعد تفجّر الثورة السلمية خصوصاً، وهما بهذا الجهد الحقوقي والإعلامي الحقوقي إنما يساهمان في تضييق الخناق على كل مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سورية وجعلهم هدفاً مشروعاً للاعتقال والمحاكمة العادلة وفق القوانين التي تجرّم تعذيب الناس وقتلهم من قبل سلطات لا تحترم حقوق الإنسان، بل تعمل على دعسها بقدميها.

إن شهادات السوريين ممن تعرضوا للتعذيب في أقبية ومعتقلات نظام أسد ضرورة مهمة لمحاصرة هذا النظام دولياً، باعتباره نظاماً منتهكاً لكل القوانين والأعراف الوطنية والعالمية، هذه الشهادات تساهم في اعتقال ومحاكمة كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية في سورية، وأن المطلوب الأول للاعتقال عالمياً هو رأس النظام الأسد بشار أسد، إذ صدرت بحقه مذكرة اعتقال رسمية من القضاء الفرنسي المستقل، نتيجة إعطائه الأوامر باستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين الأبرياء في غوطتي دمشق الشرقية والغربية.

إن جهدي المحاميين أنور البني ومازن درويش يجب أن يرفدا بدعم من كل المنظمات السورية العاملة في حقل حقوق الإنسان، وبدعم من كل سوري شاهد وتعرّض للتعذيب على أيدي مخابرات نظام أسد وميليشياته. فهل سنشهد قريباً مثول بشار أسد وعصابته الحاكمة في أقفاص المحاكم العادلة، التي يجب أن تنصف بأحكامها السوريين ممن تمّ إبادتهم والتمثيل بهم وتعذيب حتى الموت؟.

1 تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني