fbpx

أسباب عجز المعارضة بتقديم القضية السورية للمجتمع الدولي وإحداث التأثير المطلوب

1 501

لابد في البداية من إلقاء نظرة سريعة على آلية تشكل المعارضة السورية فالمعارضة كما نعلم هي بنت البيئة التي افرزتها وليست رجالاً أو أفكاراً أو مشاريع يمكن استيرادها من الخارج.. ولا ضير من الإضاءة على أهمية القضية السورية من ناحية أهمية البقعة السورية التي هي أرض الصراع الدائر عليها الآن.

ندرك جميعاً الجو الذي كان سائداً في سورية في فترة حكم الأسد الأب وابنه بعده أو حتى من بداية انقلاب البعث على السلطة 1963… حيث ساد جو ما يعرف بالتصحر السياسي… حيث صادر الأسد الأب، بل جرَّم كل أنواع النشاط السياسي.. ففي الفترة التي سبقت انطلاق الثورة السورية المباركة كان يوجد ثلة من المعارضين ولا توجد معارضة بالمعنى المتعارف عليه.

أغلب هؤلاء المعارضين يكونون من ضيوف أفرع الأمن التي تحصي الأنفاس على الشعب وبالذات على من يصدر منه أي إشارة يمكن أن يفهم منها أنه معارض. وكانت الأحكام وفق قوانين الطوارئ كثيراً ما تؤدي بهولاء المعارضين لقضاء سنوات طويلة خلف القضبان.

لذلك كان الفعل المعارض للنظام القائم هو عبارة عن مناقشة بين عدة أشخاص، وتداول مسألة داخلية ما. وبالطبع سيكون هذا الاجتماع بعيد عن الاعين وسري. وممكن بأحسن الأحوال طباعة منشور وتوزيعه على فئة محددة. حتى الساحة اللبنانية التي كانت متنفساً لكثير من المعارضات العربية، تم إغلاقها أمام السوريين بفعل الوجود السوري العسكري والأمني هناك.

كان السياسي السوري في حالة دفاع عن النفس للبقاء على قيد الحياة وتجنب الاعتقال والتعذيب ما أمكن.

كل هذه الأجواء لا تؤدي لخلق معارضة يمكن لها مستقبلاً التصدي لقيادة ثورة شعبية، إذ لا يمكن لمناضل قضى في السجون عشرين عاماً مثلاً أن يكون قائداً سياسياً.

حتى في الأجواء الأفضل نسبياً التي سادت خلال حكم الأسد الابن في بداياته لم تكن كافية في ظل وأد الربيع الدمشقي بقسوة والتنكيل بأعضائه.

فلذلك يمكننا القول إن سورية تملك الكثير من الوطنيين وقلة قليلة من السياسيين.

يمكن أن السوريين بفعل تجربتهم المرة الماضية أو طبيعتهم، أو أمور أخرى قدموا مثلاً ليس جيداً على مقدار التشظي الداخلي في صفوف أبناء الخط والهدف الواحد وعلى المستويات كلها المدنية والعسكرية والإغاثية… إلخ. بحيث لاحظنا جميعاً أن الرفاق الذين تشاركوا الزنزانة الواحدة بعد الديكتاتور، كانوا غير قادرين على التجمع في مشروع سياسي واحد.

ما ذكرته سابقاً يعتبر جزءاً من عوامل عديدة أدت لعدم إنضاج معارضة حقيقية يمكن لها أن تقود ثورة.

أما على صعيد موقع سورية الجيواستراتيجي وظروف اندلاع الثورة السورية والحاجة الملحة لوجود قيادة تتصدى لتوجيه الحراك الشعبي الذي فاجأ الجميع ولم يكن مخططاً له.

يعتبر الكثيرون أن الثورة السورية هي أول ثورة في التاريخ تنطلق من الأرياف إلى المدن وتكون غير مسلحة. ولا تملك قيادات لتوجيهها.

أدرك النظام ذلك مبكراً فعمل على دفعها للتسلح كرد فعل على العنف المفرط غير المبرر. إذ راعه هذا الكم الهائل من الشباب المدنيين العزل الذين واجهوا الرصاص بصدورهم العارية، فعمل على خطين يؤديان إلى حرمان الثورة من قيادة حقيقية.

الأول: تصفية كل الحراك المدني مبكراً لأنه كان يشكل الخطر الأكبر عليه، عبر القتل والاعتقال وفي أحسن الاحوال التهجير خارج البلد، الأمر الذي أجهض باكراً تشكل قيادات مدنية من قلب الثورة قادرة على كسب ثقة الجمهور وقيادة السفينة.

الثاني: لم يمض شهران على اندلاع الثورة إلا وأفرج النظام عن 1200 معتقل جهادي سلفي من سجن صيدنايا. وقد تمكن بعضهم لاحقاً من تشكيل تنظيم جهادي مسلح بعد شهر من إطلاق سراحه، بينما المتظاهرين المدنيين ظلوا رهن الاعتقال.

لم يدرك الثوار السوريون عدة حقائق عن بلدهم سورية ونظام الحكم الأسدي فيها.

وهي أن نظام الحكم الذي أنشأه الأسد الأب كان نظاماً وظيفياً يقدم خدمات للجميع أو يهدد بفوضى أو إرهاب عابرين للحدود، والتفاوض معه على عدم فعل ذلك. وقدم نفسه كحارس أمين لإسرئيل وتنازل عن استعادة الجولان المحتل.

ولم يدرك الثوار السوريون أهمية بلدهم الصغير للدول الكبرى الذي يجاور خمس دول، ويشكل الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. بلد مجاور لإسرائيل ومشروعها، وإيران ومشروعها وتركيا وأحلامها، وروسيا ورغباتها، وأوربة التي تعني لها سورية خاصرة رخوة. وليس آخرا شبه الجزيرة العربية وارتباط الشام بها عبر (رحلتي الصيف والشتاء، كما أخبرنا القرآن الكريم).

سورية التي كان الصراع حولها وعليها من ايام الإسكندر المقدوني وصولاً لأحلاف بغداد ومشاريع الهلال الخصيب وسورية الكبرى.

لم يتوقع أحد هذه الشهية أو الرغبة في التدخل الخارجي بالملف السوري.

نظراً لكمية العنف الهائلة التي مارسها النظام السوري بقمع الثورة، كان لابد من تشكيل يتم في الخارج لقيادة أو تشكيل سياسي أو ما شابه، لتكون ممثلة للحراك الدائر في سورية. عقدت عدة محاولات لم يكتب النجاح إلا لما عرف بالمجلس الوطني برئاسة الدكتور برهان غليون لما يملكه من رصيد داخلي وخارجي. وكان المجلس الوطني يضم في مكوناته تنسيقيات الثورة وبعض القوى الفاعلة، التي لا تحسب على المعارضة التقليدية، كإعلان دمشق أو هيئة التنسيق أو جماعة الإخوان المسلمين.

يمكننا القول إن تشكيل ذلك المجلس لم تتدخل به الدول الفاعلة في القضية السورية ولكنها دعمته لرغبتها بوجود ذلك الجسم الذي تتحاور معه.

أتى هذا الدعم الدولي والعربي للمجلس الوطني، لأنه حظي بتأييد السوريين الثائرين في الداخل السوري، حتى تم تسمية إحدى الجمع الثورية باسم المجلس الوطني يمثلني، هنا كان عامل القوة الأبرز الذي حظي به المجلس.

لم تستمر تجربة المجلس الوطني أكثر من عام واحد، ثم بدأت الدعوات من داخله وخارجه لهدمه بحجة توسعته وضم أطياف سورية غير ممثلة به. وكانت الرغبة الدولية بتشكيل جسم آخر وفق أجنداتها ومخططاتها وبشكل يضمن تمثيل كل الدول الفاعلة إلا الشعب السوري الثائر في الداخل.

فكان أن عقد في أواخر عام 2012 في الدوحة القطرية مؤتمراً ضم 62 سورياً وسفراء الدول ومندوبي مخابراتها بعدد يفوق عدد السوريين، وتم الإعلان عن ولادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي كان مولوداً غريباً عن الثورة منذ اليوم الأول.

حظي الوليد الجديد باعتراف دولي كأحد الأطراف التي تمثل الشعب السوري، وكانت الصراعات وقصص الفساد التي تدور داخله تزكم الأنوف بروائحها وتثير الغثيان، ولم يحظ الائتلاف بالقبول الشعبي المطلوب، ويمكن رصد حالات متعددة لذلك الرفض سواءً عبر المواقف أو عبر حالات الاعتداء أو التهجم على أحد رؤسائه السابقين من حضور جنازة رمزية للشهيد الساروت في استنبول أو عند زيارة رئيسه إلى الشمال المحرر.

تدرك الدول هذه الحقيقة، فكيف ستتعامل بالشكل اللائق مع جسم سياسي غير مقبول شعبياً؟

ويمكننا القول أيضاً إن الائتلاف خرج منه أو انفض عنه معظم القوى السياسية والنخب الثقافية والفكرية ولم يبق فيه إلا أصحاب المصالح والأجندات الخارجية.

هنا يمكن أن ندرك الحصيلة شبه الصفرية للجولة الأخيرة لوفد المعارضة السورية إلى نيويورك، ورفض العديد من ممثلي الدول اللقاء معهم أو إجراء لقاء شكلي بمستوى تمثيل منخفض.

من هنا، وللخروج من هذا المأزق الاستراتيجي الذي يهدد بضياع تضحيات هائلة قدمها الشعب السوري، لابد من تقديم كل أعضاء المعارضة السورية الرسمية استقالاتهم الجماعية وانتخاب قيادة جديدة تنبثق من مؤتمر شعبي وطني يحظى بتأييد الجمهور، يكون بعيداً عن الدول وتدخلاتها، بمعنى التأكيد قولاً وفعلاً على استقلال القرار الوطني السوري والتعامل مع كل الدول وفق نقاط تقاطع المصالح المشتركة بين تلك الدول والشعب السوري الحر.

1 تعليق
  1. عبد الله حاج محمد says

    موضوع. هام الذي يفضي لاقتراح. جيد وهو الاستقالة الجماعية لاعضاء الائتلاف. وانتخاب قيادة جيدة تنبثق من مؤتمر شعبي

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني