fbpx

أحكام قتل مهدور الدم في الشريعة الاسلاميّة

0 189

انتشرت في المناطق المحررة ظاهرة تصفية وقتل بعض الأشخاص المتهمين بجرائم القتل وجرائم الإرهاب عبر استخدام المفخخات والعبوات الناسفة التي تستهدف المدنيين وكان آخرها تصفية المتهمين بتفجير سوق مدينة اعزاز بعد تعرض جماعة مسلحة دورية الشرطة العسكريّة التي كانت تنقلهم من مقر الفرع إلى المحكمة حيث قامت تلك الجماعة بخطف المتهمين من الدورية والقيام بإعدامهم في احدى ساحات مدينة اعزاز وقيام أحد الشباب الغاضبين بسكب الوقود على جثتيهما واضرام النار بها، ما أثار ردود فعل متباينة حول هذا الفعل بين مؤيّد وبين مستنكِّر، وقيام السطات المحليّة بتوقيف عناصر دورية الشرطة العسكرية الأمر الذي تسبّب بقيام بعض الشباب بمظاهرة حاشدة للتنديد بعملية التوقيف والمطالبة بإطلاق سراح عناصر الدورية.

ولِما لهذه الظاهرة من مخاطر على المجتمع وعلى الأفراد الذين يتورطون في ارتكاب هذه الأفعال وعلى سمعة وهيبة السلطات الأمنيّة والقضائيّة في المناطق المحرّرة هذه السلطات التي تُعتبر صمّام الأمان للمجتمع في تلك المناطق، والتي تقتضي منا تشجيعها ودعمها والعمل على تحسين أدائها وزيادة كفاءتها في تحقيق الامن والعدالة المنشودين في المناطق المحرّرة، رغم ما يشوبها من مظاهر الضعف والفساد، لابدّ من بيان الأحكام الشرعيّة والقانونيّة – وهي احكام ’’واحدة‘‘ في الشريعة والقانون – لعمليات قتل المجرمين الذين يتم القاء القبض عليهم أو الذين يتم إحالتهم الى القضاء قبل إصدار الاحكام القضائيّة المبرمة أوفي الفترة بين انبرام الاحكام وتنفيذها من قبل السلطات التنفيذيّة التي أوكل اليها القانون مهمة تنفيذ الأحكام القضائيّة.

الأصل في الشريعة الإسلامية: أن من ارتكب جريمة حوكم عليها فإن ثبتت عليه حكم عليه بالعقوبة المقررة للجريمة وإن لم تثبت حكم ببراءته مما نسب إليه وإذا حكم عليه بالعقوبة تولى تنفيذها ولى الأمر أو نائبه ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحدّ – أي العقوبات المقررة لجرائم الحدود – إلا الإمام أو نائبه لأن الحدّ حق الله تعالى، أي حق الجماعة وجب تفويضه الى نائب الجماعة ولأن الحد مفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولى الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواسطة نائبه.

القاعدة الشرعيّة تنصّ على أنّ: أن الدماء والأموال معصومة أي ليست مباحة.

القتل في الشريعة أصلا على نوعين: قتل محرم، وهو كل قتل عدواني، وقتل بحق، وهو قتل لا عدوان فيه كقتل القاتل والمرتد.

ومن صور القتل المحرم: قتل المعصوم بغير حق.

ومن صور القتل المباح: قتل المقتص ’’مهدور الدم‘‘.

أحكام إهدار الأشخاص وهو ما يقوم به هؤلاء الافراد باستباحة دماء المجرمين:

معنى الإهدار: الإهدار هو الإباحة، ويقع على نفس الشخص أو على طرفه أو على ماله، فإذا وقع الإهدار على نفس شخص أبيح جرحه أو قطعه أو قتله، وإذا وقع الإهدار على طرف شخص لم يبح من الشخص إلا قطع هذا الطرف.

علة الإهدار: علة الإهدار الوحيدة هي زوال عصمة الشخص، وتزول العصمة إما بزوال سببها، وإما بارتكاب الجرائم المُهدِرة.

زوال العصمة بزوال سببها وأساس العصمة: إما الإيمان، وإما الأمان.

زوال العصمة بارتكاب الجرائم المهدرة: وكما تزول العصمة بالردة وبانتهاء الأمان ونقض العهد فإنها تزول أيضاً بارتكاب الجرائم المهدرة، والجرائم المهدرة هي الجرائم التي تجب عليها عقوبات مقدرة متلفة للنفس أو الطرف.

والجرائم المهدرة هي على وجه الحصر: الزنا من محصن وقطع الطريق أو الحرابة والبغي والقتل والقطع المتعمدان والسرقة.

شروط الجريمة المهدرة: يجب أن يتوفّر بها شرطين متلازمين:

الأول: أن تكون الجريمة ذات عقوبة مقدّرة، والعقوبات المقدرة محلها جرائم الحدود وجرائم القصاص فقط، أما جرائم التعازير فعقوباتها غير مقدّرة.

الثاني: أن تكون العقوبة متلفة للنفس أي قتلاً، أو متلفة للطرف أي قطعاً.

وإذا تخلف أحد هذين الشرطين لم تكن الجريمة مهدرة، فالسرقة التي لا قطع فيها كسرقة الأب من الابن، والقتل العمد المعاقب عليه بالدية، لا يعتبر أيهما جريمة مهدرة لأن العقوبة فيها غير متلفة ولو أن العقوبة في حالة الدية مقدرة، ومثل ذلك الزنا من غير محصن والقذف وشرب الخمر، فعقوبات هذه الجرائم الثلاث عقوبات مقدرة ولكنها غير متلفة، ومن ثم فهي جرائم غير مهدرة. وكذلك الحكم لو كانت العقوبة متلفة ولكنها غير مقدرة كالقتل تعزيراً.

وارتكاب الجرائم المهدرة يزيل العصمة من وقت ارتكاب الجريمة لا من وقت الحكم بالعقوبة لأن أساس زوال العصمة هو ارتكاب الجريمة وليس هو الحكم بالعقوبة، وفضلاً عن ذلك فالعقوبات المقدرة ما هي إلا حدود والقواعد العامة في الشريعة أن الحدود واجبة التنفيذ فوراً ولا تحتمل التأخير أو التهاون كما أنها لا تحتمل العفو أو إيقاف التنفيذ، عدا عقوبة القصاص فيجوز العفو فيها من المجني عليه أو وليه، ومن ثم كانت الحدود عقوبات لازمة محتمة لا محيص عنها، ولم يكن هناك ما يدعو لتعليق زوال العصمة على الحكم بالعقوبة.

وإذا كان للمجني عليه أو وليه العفو في عقوبة القصاص فإن ذلك لا يؤثر على القاعدة العامة لأن زوال العصمة في جرائم القصاص نسبي لا عام، فالعصمة تزول بالنسبة للمجني عليه أو وليه فقط ويظل الجاني معصوماً بالنسبة للآخرين، فإذا عفا المجني عليه أو وليه سقطت العقوبة المتلفة وعاد الجاني معصوماً عصمة تامة كما كان قبل ارتكاب الجريمة.

وفيما عدا الجرائم السابقة لا تزول العصمة بارتكاب أية جريمة أخرى ولو كانت عقوبتها القتل ما دامت العقوبة تعزيرية، لأن لولي الأمر في الجرائم التي يعاقب عليها بالتعزير حق العفو عن الجرائم وحق العفو عن العقوبة، ومن ثم كانت العقوبة غير لازمة حتماً، وكل عقوبة غير محتمة لا تزيل العصمة ولا تهدر الجاني ولو كانت متلفة حتى بعد صدور الحكم بها؛ لأن من الجائز أن يعفو ولي الأمر عن العقوبة في اللحظة الأخيرة.

قتل من وجب عليه القصاص:

  • القصاص في الشريعة هو العقوبة الأصلية للقتل والجرح العمد، ومعنى القصاص أن يعاقب الجاني بمثل فعله، والقصاص عقوبة مقدرة كما أنه عقوبة متلفة، ويقع القصاص على النفس وعلى ما دون النفس، فإذا وقع على النفس كان قتلاً، وإذا وقع على ما دون النفس كان جرحاً أو قطعاً.
  • ومن أتى فعلاً يوجب القصاص يعتبر مهدراً فيما أوجبه على نفسه بفعله، فإن وجب عليه القتل فهو مهدر الدم، وإن وجب عليه قطع طرف أو جارحة فهو مهدر في طرفه أو جارحته التي وجب فيها القصاص.
  • والإهدار في القصاص إهدار نسبي: لا يهدر الجاني إلا للمجني عليه أو وليه وفيما عدا ذلك فهو معصوم في حق الكافة، وعلة نسبية الإهدار في القصاص أن القصاص حق لا واجب فلا يهدر الجاني إلا لصاحب الحق إن شاء استعماله، فالقتل لا يبيح دم القاتل إلا لولي القتيل، فإذا جاء أجنبي فقتل القاتل ولو بعد الحكم عليه بالقصاص فقد ارتكب جريمة قتل متعمد، لأنه قتل شخصاً معصوم الدم في حقه، ولأن من المحتمل أن يعفو ولي الدم عن المحكوم عليه فيمتنع تنفيذ الحكم وهذا هو رأي جمهور الفقهاء.
  • والأصل في الشريعة أن إقامة الحدود واستيفاء العقوبات للسلطان، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا القصاص فللمجني عليه أو وليه أن يستوفي العقوبة بنفسه.

– ومن المتفق عليه أن لولي الدم أن يستوفي القصاص بنفسه في القتل بعد الحكم بالعقوبة وتحديد ميعاد التنفيذ، بشرط أن يكون الاستيفاء تحت إشراف السلطان وبشرط أن يكون ولي الدم قادراً على الاستيفاء ومحسناً له، فإن كان عاجزاً عن الاستيفاء أولا يحسنه جاز له أن يوكل من يتوفر فيه هذان الشرطان، وليس ثمة ما يمنع من أن يكون الوكيل موظفاً مخصصاً لهذا الغرض.

– والأصل في تقرير حق القصاص للمجني عليه أو وليه قول الله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ}، والمفروض أن مستحق القصاص ليس له أن يستعمل حقه إلا بعد الحكم بالعقوبة وفي الوقت المحدد للتنفيذ.

– ومن المبادئ المسلم بها أن تقرير القصاص عقوبة للقتل من مصلحة الجماعة لأن القتل أنفى للقتل، ولأن في القصاص حياة، ومن المبادئ المسلم بها أيضاً أن العفو عن القصاص بنية صحيحة يؤدي إلى حفظ الأمن وصيانة الدماء وتقليل الجرائم.

– وعلى نفس الأسس جعلت الشريعة لولي الدم أن يقتص أو أن يعفو، فبعد أن مكّنته من القصاص كل التمكين، وسلطته على الجاني إلى هذا الحد، حببت إليه العفو، ودعته إليه لما فيه من خير في حفظ الأمن وإقرار النظام بين الجماعات، وللسلطة العامة بعد ذلك أن تعاقب القاتل بما تراه ملائماً من العقوبات بشرط ألّا تصل إلى القتل.

– وحق القصاص حق لا يتجزأ، أما حق العفو فحق قابل للتجزئة، وهذا هو رأي أبي حنيفة والشافعي وأحمد، ويترتب على هذا الرأي أنه لوعفا أحد أولياء الدم سقط حق الباقية في القصاص.

– وأبسط الصور في استعمال حق القصاص أن يحكم على الجاني بالعقوبة، فإذا حان موعد التنفيذ نفذ ولي الدم العقوبة أو وكل غيره في تنفيذها، ومن المسلم به أن لا مسئولية على ولي الدم في هذه الحالة، وأن فعله ليس جريمة؛ لأنه يستعمل حقاً قرره له الشارع.

لكن يحدث أن تتملك الرعونة ولي الدم فيقتص قبل الحكم على الجاني أو بعد الحكم وقبل ميعاد التنفيذ، كذلك يحدث أن يعفو ولي الدم عن القصاص تحت بعض المؤثرات ثم يعود فيرى القصاص خيراً له فيقتص بعد العفو، وقد يعفو بعض الأولياء بينما يقتص البعض الآخر، وقد يسارع بعض الأولياء بالقصاص قبل أخذ رأي الباقين وفيهم من يرى العفو، فهل يعتبر مباشر القصاص في هذا الحالات مستعملاً حقاً أم مرتكباً لجريمة؟ وهل يعفى من العقوبة أم يؤاخذ على فعله؟ هذا ما سنيّن احكامه فيما يلي:

حكم قتل الجاني:

  1. القتل قبل الحكم أو قبل موعد التنفيذ: إذا قتل ولي الدم الجاني المستحق للقتل قصاصاً، فسواء قبل الحكم أو بعده وقبل ميعاد التنفيذ فلا عقوبة عليه للقتل، لأنه أتي فعلاً مباحاً له ومارس حقاً قرره له الشارع، ولكنه يعاقب على تسرعه وممارسته حقه حلول الوقت المناسب، وعلى أفتياته على السلطات العامة التي جعلت لممارسة حق القصاص وقتاً معيناً، والسلطات العامة أن تعاقبه على هذا الأفتيات بالعقوبة التعزيرية التي تراها مناسبة.

شروط الاستفادة من العذر المحلّ:

  • أن يثبت القتل على الجاني، فإن لم يثبت اعتبر ولي الدم قاتلاً متعمداً.
    • إذا كان هناك أكثر من ولي الدم واحد، يجب أن يكونوا متفقين جميعا على قتل الجاني، وليس فيهم من يرى العفوعنه.
  • القتل بعد العفو: في الوقت الذي منحت فيه الشريعة ولي الدم حق القصاص فإنها منحته حقاً آخر هو حق العفو عن القصاص، وجعلت له أن يعفو على مال أو مجاناً فإذا عفا امتنع القصاص ولكن للسلطات العامة أن تعاقب الجاني بما تراه من عقوبة أخرى دون القتل وقد حضت الشريعة ولي الدم على العفو بمختلف الأساليب، فجعلت للعافي أن يعفو على مال يأخذه، ووعدته بالثواب في الآخرة وبرضاء الله جل شأنه، من ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، ويؤثر عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما روى عنه أنس أنه ما رفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو.

يرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن عفو بعض الأولياء أوكلهم يسقط القصاص لأن القصاص لا يتجزأ فإذا عفا أحدهم أو بعضهم فقد عفا عن بعض القصاص ولا يمكن إحياء بعض الشخص وقتل بعضه. وعلى هذا إذا قَتَل الجاني من لم يعف من الأولياء وهو عالم بعفو غيره فقد ارتكب جريمة قتل عقوبتها القصاص عند أبي حنيفة وأحمد، أما الشافعي فيفرق بين حالتين:

أولاهما: حالة ما إذا كان القتل بعد أن أقر القضاء العفو وحكم بسقوط القود، وفي هذه الحالة يرى وجوب القصاص.

وثانيهما: إذا كان القتل قبل أن يُحكم بسقوط القود، وحكم هذه الحالة هو حكم القتل قبل استئذان بقية الأولياء يرى فيها البعض القصاص ويرى فيها البعض الدية.

فإذا قتل ولي الدم الجاني بعد العفو وكان لا يعلم بالعفو فهو مسؤول عن القتل، ولكن جهله بالعفو يدرأ عنه القصاص، وتكون العقوبة الدية في رأي أبي حنيفة وأحمد، وفي مذهب الشافعي رأيان:

– رأي يقول بالقصاص.

– ورأي يقول بالدية.

  • القتل قبل استئذان باقي الأولياء: إذا قتل الجاني أحد الأولياء أو بعضهم قبل استئذان باقي الأولياء، فالولي أو الأولياء القاتلون مسئولون جنائياً عن القتل، وهذا متفق عليه بين الفقهاء عدا مالك، وإن كانوا قد اختلفوا في عقوبة ولي القاتل، فأبو حنيفة وأحمد لا يريان الاقتصاص من القاتل لأن من حقه أن يتلف بعض القتيل فكان هذا شبهة تدرأ القصاص وتوجب الدية بدلاً منه، ويتفق هذا الرأي مع الرأي الراجح في مذهب الشافعي، أما الرأي المرجوح في مذهب الشافعي فيرى أصحابه أن يقتص من الولي لأن بعض القاتل غير مستحق له، قياساً على ما إذا اشترك جماعة في قتل واحد فإن الشريك لا يقتل إلا بعض المقتول ومع ذلك يقتص منه.
  • القتل من العافي: إذا كان القاتل هو نفس العافي فهو مسؤول عن فعله، ويعتبر قاتلاً عمداً باتفاق، وعقوبته القصاص سواء عفا مجاناً أو على مال، لأن الجاني بالعفو عنه صار معصوم الدم.
  • إتلاف جوارح القاتل: إذا أتلف ولي الدم جارحة أوعضواً من الجاني ثم عفا عنه ولم يقتله مثل أن يقطع أطرافه أو بعضها فعليه دية ما أتلف في رأي أبي حنيفة وأحمد لأنه قطع طرفاً له قيمة حال القطع بغير الحق، ولأنه – كما يقول أبو حنيفة – استوفى غير حقه فهو مسؤول عما استوفاه بغير حق لأن حقه في القتل لا في القطع، وكان القياس أن يقتص منه إلا أن القصاص درءًا للشبهة “شبهة أن له تلف الطرف تبعاً للنفس”، وإذا درئ القصاص وجبت الدية، ولكن حقه في الطرف لا يثبت إلا مع ثبوت القتل ضرورة، وهذه الضرورة تتحقق عند التنفيذ بالقتل لا قبل ذلك، فإذا قتل ظهر حقه في الأطراف تبعاً، وإن لم يقتل لم يظهر حقه في الطرف لا أصلاً ولا تبعاً، ومن هذا يتبين أنه استوفى غير حقه.

ويرى الشافعي ومعه أبو يوسف ومحمد من فقهاء المذهب الحنفي أن من يتلف جارحة أو عضواً من الجاني لا يسأل جنائياً إذا عفا عن القتل، ويعزر إذا لم يعف عن القتل عقوبة له على أنه مثَّل به قبل قتله، وحجتهم في عدم المسئولية في حالة العفو أنه قطع طرفاً أو أطرافاً من جملة استحق إتلافها، ومن له إتلاف الكل لا يصح أن يؤاخذ على إتلاف البعض.

ويرى مالك مسئولية الولي إذا أتلف جارحة أو قطع عضواً من الجاني سواء عفا عن القتل أولم يعف، وعليه في ذلك القصاص لأن الجاني يستقاد له ومنه وتعقل جراحاته ما لم يقتل.

الخلاصة: من مقاصد الشريعة من إعطاء ولي الدم حق القصاص إصلاح النفوس، وإحلال الوئام محل الخصام، عبر إزالة نزعة الانتقام الكامنة في أغواره، ولتحول بينه وبين أن يأخذ حقه بيده قبل المحاكمة أو قبل الموعد المحدد لتنفيذ العقوبة، أو أن يرى العقوبة التي تنفذها السلطات العامة غير كافية لشفاء نفسه فيحاول أن ينتقم من أهل القاتل مما يساهم في حفظ الأمن والنظام، وتقليل الجرائم، وحمل الناس على احترام الأحكام، ومنعهم من التفكير في الانتقام لأنفسهم وأهليهم، كما أنها قصدت فوق هذا كله حفظ الدماء والأرواح وعدم الإسراف في عقوبة الإعدام بقدر الإمكان.

فكان الأصل إنّ إقامة الحد للإمام أو نائبه، وإنّ إذن الإمام واجب في إقامة الحد، فما أقيم حد في عهد رسول الله إلا بإذنه وما أقيم حد في عهد الخلفاء إلا بإذنهم. ومما يروى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “أربع إلى الولاة: الحدود، والصدقات، والجمعات، والفيء”.

المرجع: كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، للقاضي الشهيد عبد القادر عودة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني