fbpx

أحكام المفقود في القانون الدوليّ

0 223

استكمالاً لموضوعنا حول أحكام المفقود الذي بدأناه ببيان أحكام المفقود في القانون السوري نقدم استعراضاً لأحكام المفقود في القانون الدولي، ووسائل حماية رفات الموتى وتحديد هوية أصحابها والغرض من ذلك وأهميته.

تعريف المفقود:

تُعرِّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر المفقودين بأنهم: الذين لا تعرف أسرهم مكانهم و/أو – على أساس معلومات يُعوَّل عليها – أُعلِن عن فقدهم فيما يتصل بنزاع مسلح دولي أو غير دولي أو حالة من حالات العنف أو اضطرابات داخلية أو أي وضع آخر قد يتطلَّب تدخل وسيط محايد ومستقل.

ويشير تعبير المفقودين اما للموتى أو الأحياء الذين قد يكونوا محتجزين سرّاً أو منفصلين عن أقاربهم من جراء نزوح مفاجئ أو كارثة أو حادثة.

ويتمتّع المفقودون بجملة من الحقوق أقرتها الأعراف والاتفاقيّات الدوليّة ومنها:

حماية المفقودين بموجب اتفاقيات جنيف: تنص اتفاقيات جنيف لسنة 1949 على الالتزامات التي يتعين على أطراف النزاعات المسلحة الدولية الوفاء بها باتخاذ كل التدابير الممكنة لتوضيح مصير المفقودين، والبحث عن الأشخاص الذين أعلن الطرف الخصم أنهم مفقودون وتسجيل المعلومات الخاصة بهؤلاء الأشخاص.

المادتان (19-20) من اتفاقية جنيف الأولى.

المادتان (16-17) من اتفاقية جنيف الثانية.

 المادتان (122-125) من اتفاقية جنيف الثالثة.

المادتان (136-141) من اتفاقية جنيف الرابعة.

المادتان (32-33) من البروتوكول الإضافي الأول.

إذا كان الشخص مفقوداً بسبب تحركات سكانية في أوقات النزاع المسلح، فيجب استعادة الروابط العائلية في أقرب وقت ممكن وفقا للمادتين (25 و26) من اتفاقية جنيف الرابعة.

إذا كان الأشخاص مفقودين بسبب قيام الخصم باحتجازهم أو علاجهم فإن القانون الدولي الإنساني يقضي بأنه يجب إبلاغ عائلاتهم والسلطات على وجه السرعة من خلال ثلاث قنوات “الإخطار بدخول المستشفى أو الوقوع في الأسر أو الاحتجاز” وإرسال بطاقات الوقوع في الأسر أو الاحتجاز، والحق في التواصل مع أسرهم. ويجب على السلطات الحاجزة أيضاً التزام بالرد على الاستفسارات عن الأشخاص المحميين المادة “16” من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة “19” من اتفاقية جنيف الثانية، والمواد”70،71،122،123″ من اتفاقية جنيف الثالثة والمواد (106، 107، 136، 140) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة “33/2” من البروتوكول الإضافي الأول.

حظر الاختفاء القسري بموجب الاتفاقيات الدولية الأخرى:

إعلان الأمم المتحدة المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار “47/133” لسنة 1992 والذي اعتبر الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية.

الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2010 وتهدف هذه الاتفاقية إلى منع ممارسات الاختفاء القسري التي تعتبر جريمة، وفي بعض الحالات جريمة ضد الإنسانية، وتؤكد الاتفاقية على حق أي شخص في ألا يتعرَّض للاختفاء القسري وكذلك حق الضحايا في الإنصاف والتعويض وعدم جواز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري ويقصد ب‍ “الاختفاء القسري” الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.

ويقصد ب‍ “الضحية” الشخص المختفي وكل شخص طبيعي لحق به ضرر مباشر من جراء هذا الاختفاء القسري ولكل ضحية الحق في معرفة الحقيقة عن ظروف الاختفاء القسري، وسير التحقيق ونتائجه ومصير الشخص المختفي. وتتخذ كل دولة طرف التدابير الملائمة في هذا الصدد وتتخذ كل دولة طرف التدابير الملائمة للبحث عن الأشخاص المختفين وتحديد أماكن وجودهم وإخلاء سبيلهم، وفي حالة وفاتهم لتحديد أماكن وجود رفاتهم واحترامها وإعادتها.

وتضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، لضحايا الاختفاء القسري الحق في جبر الضرر والحصول على تعويض بشكل سريع ومنصف وملائم. ويشمل الحق في الجبر الأضرار المادية والمعنوية، وعند الاقتضاء، طرائق أخرى للجبر من قبيل: رد الحقوق وإعادة التأهيل والترضية، بما في ذلك رد الاعتبار لكرامة الشخص وسمعته وضمانات بعدم التكرار”.

القانون الدولي الإنساني العرفي: تؤكِّد القاعدة “98” من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 أن الاختفاء القسري محظور في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ويتسق الالتزام بالكشف عن مصير المفقودين مع الحظر على الاختفاء القسري مع هذه القاعدة والالتزام باحترام الحياة العائلية “القاعدة 105”

كما تنص القاعدة “117” من الدراسة على أنه “يتخذ كل طرف في النزاع الإجراءات المستطاعة للإفادة عن الأشخاص الذين يبلغ عن فقدهم نتيجة لنزاع مسلح، ويزود أفراد عائلاتهم بأي معلومات لديه عن مصيرهم”. وتنطبق هذه القاعدة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

 بموجب القانون الجنائي الدولي: بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تُشكِّل الممارسة المنهجية للاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية وفقا للمادة “7/1/ط” وتُعرِّف المادة “7/2/ط” من هذا النظام الاختفاء القسري بأنه “إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة”. وعليه ترى المحكمة أن الممارسة المنهجية للاختفاء القسري تعادل في خطورتها جرائم أخرى ضد الإنسانية مثل التعذيب والإبادة والقتل.

وسائل حماية رفات الموتى وتحديد هوية أصحابها: في أعقاب نزاع أو كارثة، تواجه المجتمعات تحديات استعادة جثث الموتى وإدارتها وخاصّة ضحايا القتل الجماعي، وتحديد هوية أصحاب الرفات التي ترتبط ارتباطاً وثيقا بالغرض منها فيما إذا لأغراض إنسانية أم قضائية الأمر الذي يؤثِّر تأثيراً مباشراً على إدارة رفات الموتى.

 تحديد هوية أصحاب الجثث لأغراض إنسانية: قد تواجه المنظمات الإنسانية أوضاعاً يتعيَّن عليها فيها البحث عن الموتى وجمع جثثهم تحتاج فيها إلى إذن من الطرف الذي يسيطر على منطقة مُعيَّنة لتنفيذ أنشطة البحث والجمع يتوجب عليها إلا تمنع هذا الإذن بشكل تعسفي وعليها أن تفتح المقابر الجماعية.

وتحديد هوية أصحاب الجثث بهدف تحديد مصير الأشخاص المفقودين سواء كانوا أمواتاً أو على قيد الحياة وهو جوهر عمل الآلية الدولية التي تم إنشاؤها مؤخّراً من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث والكشف عن مصير المفقودين في والتي تتطلب تنسيقا وثيقا مع الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومنظمات المجتمع المدني وروابط الأسر وأهالي المفقودين لتقديم وتوفير قاعدة بيانات شاملة عن الضحايا وعن أهاليهم يُمكن من خلالها استعادة الاتصال بالأقارب المفقودين أو معرفة مصيرهم وهو الخطوة الأولى المتاحة أمام الآلية بعد اعلان النظام عدم الاعتراف بها و رفضه التعاون معها ، أي أنه ليس بإمكانها الوصول إلى المقابر الجماعيّة أو أماكن دفن رُفات الموتى من المفقودين الذي يحتاج إلى موافقة النظام

يعتمد تحديد الهوية من خلال الطب الشرعي على عناصر متنوعة حسب مكان الجثة، ومقابلة الشهود والعناصر المادية التي يعثر عليها مع جثة المتوفى “بطاقة هوية أو هاتف محمول أو صور فوتوغرافية أو ملابس” والعناصر المادية التي لا تزال متاحة على الجثة مثل الأسنان أو ملامح الوجه أو أية علامة مُميِّزة أو بصمات الأصابع أو تحليل الحمض النووي ” DNA”.

 تحديد هوية أصحاب الجثث لأغراض قضائية: يُمكِن أيضاً إجراء تحديد هوية أصحاب الجثث لأغراض قضائية وفي هذه الحالة غالباً ما يكون خطوة أولى لفتح تحقيق جنائي أمام محكمة جنائية وطنيّة أو دوليّة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعيّة ،ولا تتطلب التحقيقات الجنائية فيما يتصل بجرائم الحرب تحديد هوية أصحاب كل الجثث في مقبرة جماعية، ولتوفير الوقت والمال عادةً ما يُركِّز المُحقِّقون الجنائيون على عينة فحسب من الجثث ويكون هدفهم الأساسيّ هو تأكيد الحقائق والأعداد من أجل جمع الأدلة اللازمة للمحاكم لا من أجل إعداد قائمة كاملة بالضحايا وتحديد هوية أصحاب رفات كل الموتى ونتيجة لذلك لا يتم بالضرورة الوفاء بحق الأسر في معرفة ما حدث لأقاربهم.

وهذا الغرض و للأسف الشديد استبعده قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة بتشكيل الآلية الخاصة بكشف مصير المفقودين في سورية لمّا اعتبرها ذات طابع إنساني بحت ولا ولاية قضائيّة لها لأنّه سيفتح الباب على محاكمة النظام بجرائم الاعتقال التعسّفي و الاختفاء القسري باعتبارهما جريمتي “دولة” وهما من الجرائم المستمرة التي لا تنتهي إلا بتوضيح مصير المفقود جرّائِهما بشكل نهائي ولا يسري عليها التقادم باعتبارهما من جرائم الحرب أو من الجرائم ضد الإنسانية ولا تشملها مراسيم العفو التي تصدر قبل اكتشاف حالات الاختفاء وهو ما أثار رعب النظام السوري وميليشياته الطائفية ومرتزقة النظام الروسي والإيراني الأمر الذي دفعهم لرفض مشروع قرار تشكيل الآلية الدولية للكشف عن مصير المفقودين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني