fbpx

أبناء حقول الذهب الأسود أين هم من خيراتها؟

0 280

شكلت حقول النفط في مدينة الرميلان والتي تقع في أقصى الشمال الشرقي مع حقول التيم والعمر في محافظة دير الزور الخزان النفطي للدولة السورية منذ تأسيسها، والتي بقي أبناء المنطقة خاصة، والشعب السوري عامة، بعيدين كل البعد عن خيراتها والاستفادة من وارداتها. فكمية الإنتاج الحقيقي لهذه الحقول بقيت طي الكتمان وفي الخفاء، ووارداتها لم تدخل إلا مؤخراً وبنسبة بسيطة جداً ضمن الموازنة العامة للدولة، واستمرت الحال في عهد الأسد الابن وخلال الأزمة السورية والتي بدأت عام 2011. 

وتضم حقول الرميلان ما يقارب 1322 بئراً لاستخراج النفط. بعضها ذاتي الدفع والآخر ميكانيكي. ويتم نقل النفط لنقاط تجمع، ليتم نقلها للمصافي والشحن خارجياً بشكل خام. 

كما يوجد ما يقارب 25 بئراً لاستخراج الغاز الطبيعي، والذي ينقل لمعمل السويدية لمعالجته وتعبئة الأسطوانات المنزلية. وبلغ إنتاج النفط ما يقارب 135 ألف برميل يومياً نهاية 2010، انخفض للصفر عام 2012 أثناء سيطرة تنظيم داعش على هذه المنطقة، والتي قامت بتشغيل بعض الآبار لاستخراج النفط وتهريبه بالاشتراك مع تجار الأزمة. حيث أصبح أحد أهم مصادر تمويل التنظيم في المنطقة. وخلال هذه الفترة ذاق الأهالي الأمرين لتوفير مصادر التدفئة والطهو. فمنهم من لجأ لحرق الأثاث المنزلي ومنهم من احتطب أشجار حديقته وقام بعضهم الآخر بشراء النفط الخام المهرب من منطقة سيطرة تنظيم داعش وتكريره بأساليب بدائية عن طريق حراقات يدوية الصنع، واستخراج المازوت والكاز والبنزين على مراحل، وبيع الإنتاج للأهالي بأسعار مرتفعة، والتي نتج عنها آثار كارثية. بدءاً بالتلوث البيئي الذي أدى إلى زيادة معدلات الإصابة بالربو والأمراض الرئوية والأمراض السرطانية نتيجة الغازات والأدخنة المنبعثة من عمليات الحرق، بالإضافة لحوادث الحرق والتي انتهت بموت الكثيرين ممن يقومون بعملية التكرير. فضلاً عن حوادث الاختناق بالغازات المنبعثة من المدافئ في المنازل أو انفجار المدافىء والاحتراق بنيرانها. حوادث الموت حرقاً تكررت كثيراً في تلك الفترة وذهب ضحيتها أسر كاملة. 

 

وبقي الحال عليه إلى أن استعادت قوات قسد سيطرتها على تلك المناطق وبدأت هي بتشغيل جزء من هذه الآبار لتغطية الحاجة المحلية فوصل إنتاجها ما يقارب 30 ألف برميل يومياً لتأمين المحروقات الأساسية (مازوت بنزين غاز) ويتم تكريرها عبر حراقات كبيرة تم إنشاؤها تشرف عليها الإدارة الذاتية. ورغم إنكار الإدارة الذاتية للأمر لكن مصادر عدة أكدت على صفقة بين النظام وقسد برعاية عضو مجلس الشعب حسام القاطرجي مالك مجموعة القاطرجي لنقل النفط. ويقضي الاتفاق على مقايضة النفط المستخرج الخام مقابل المازوت المكرر بحيث يتم استبدال 100 برميل نفط بـ 75 برميل من المازوت. إضافة للحصول على الخدمات والكهرباء في مناطق سيطرة قسد وحصول النظام على نسبة 65% من إيرادات النفط بينما تحصل قسد على 35%منها. 

وللتعرف على معاناة الأهالي عن قرب كان لنينار برس استطلاع لآراء عدد من أبناء المنطقة. 

(ليلى عمر 35 سنة ربة منزل) تحدثت عما عاشته: “مرت علينا أيام صعبة لم نستطع فيها تأمين ليتر واحد من المازوت لعدم توفره. وإن وجد فهو غال جداً لذلك قمت بإحراق خزانة ملابس قديمة كانت عندي والكثير من الثياب والأحذية في المدفأة لتأمين بعض الدفء لأولادي. وعاد بنا الزمن لاستعمال بوابير الكاز أو مواقد الحطب للطهو”

وتابعت عمر: “الوضع الآن أفضل حالاً وإن كانت المعاناة موجودة فقد تم توزيع المازوت على دفعتين لكل أسرة بمعدل 400 لتر من المازوت بسعر 140 ألف ليرة سورية من قبل الكومينات التابعة للإدارة الذاتية”

 أما بالنسبة للغاز المنزلي فقد أوضحت: “لا يزال الغاز غير متوفر ويفقد في بعض الأوقات. ويتراوح وزن أسطوانة الغاز المنزلي بين 10 الى 14 كغ لأن بعض التجار يقومون بتعبئة الأسطوانات الصغيرة منها والتي تعرف (بالغاز السفري) وبسعر 2400 ل.س للأسطوانة الواحدة مهما كان وزنها “وأضافت حول هذا الموضوع: “تقوم معظم ربات البيوت باستغلال ساعات توفر الكهرباء النظامية في إعداد الطعام على السخانات الكهربائية من أجل توفير استهلاك الغاز للضروريات”. 

(حسين علي ممرض في عيادة طبيب) عبّر عن معاناته من ارتفاع أجرة النقل للوصول إلى مكان عمله. 

“أعمل بدوامين صباحي ومسائي، لذلك أستقل سيارة الأجرة أربع مرات يومياً ذهاباً وإياباً وبسعر 100 ل.س كل مرة، فادفع ما يقارب 10 آلاف ليرة سورية شهرياً أجور مواصلات فقط. فكيف الحال مع بقية الاحتياجات اليومية مع تدني أجرة العمل والغلاء الفاحش. 

وعن حافلات النقل الداخلي والتي تعرف (بباصات الشعب) ومدى مساهمتها في تخفيف العبء عن الأهالي أجاب علي: “هناك عدد من تلك الحافلات على خطي الهلالية وقناة السويس بسعر 25 ل.س للتذكرة الواحدة ولكنها غير كافية مقارنة مع عدد السكان المتزايد فلابد من الانتظار طويلاً حتى قدوم إحداها وتكون مزدحمة ولابد من الخروج باكراً للوصول في الوقت المحدد للعمل.”

أصحاب سيارات الأجرة هم أيضا قاموا عدة مرات بالإضراب عن العمل اعتراضاً على تدني أجرة النقل وفق وجه نظرهم تماشياً مع ارتفاع أسعار المحروقات من جهة والمواد والسلع كافة من جهة أخرى. ورداً على السؤال حول ذلك، وضح (رضوان جمعة) سائق سيارة أجرة: “أجرة الراكب حاليا 100 ل.س أما النقلة الخصوصية تتراوح بين 1000-1500 في حال كانت بعد العاشرة مساءً”

وتابع جمعة: “يصل إجمالي العمل اليومي من الصباح للمساء ما يقارب 7 آلاف ل.س وسطياً. أشتري البنزين بسعر 100 ل.س لليتر الواحد وهو من بنزين الحراقات والتي لا تصل نسبة نقائه إلى 60% ما يسبب أعطالاً كثيرةً للسيارة ولا طاقة لنا لشراء البنزين الممتاز بسعر 1000 ل.س لليتر الواحد”

وتابع جمعة: “أستهلك في كل دورة 2 ليتر من البنزين وأحتاج كل أسبوع لاستبدال الزيت بـ 12 ألف ليرة سورية مع الخوف الدائم من أي عطل في السيارة فأصغر عطل في السيارة لا تقل أجرة تصليحه عن 3 آلاف ليرة سورية، فكيف لو كان التصليح بحاجة لاستبدال قطعة في السيارة؟ فنحن بالكاد نأمن قوتنا اليومي، لذا نحن مضطرون لرفع أجرة النقل”. 

وعن مصادر الحصول على المحروقات وأسعارها، حدثنا (محمد شيخموس) صاحب صهريج لنقل المحروقات: ” أقوم بنقل المازوت والبنزين من الحراقات التابعة للإدارة الذاتية وتحت إشرافها، الموجودة قرب قرية تل زيارات قرب مدينة رميلان وقرية السويدية بالقرب من آبار النفط”.

وتابع شيخموس: “نقوم بنقل البنزين لمحطات الوقود بسعر 97 ل.س لتبيعها بسعر 100 ل.س لليتر الواحد وسعر المازوت بـ 73 ل.س لتبيعه بـ 75 ل.س لليتر الواحد كما يتم نقل البنزين الممتاز القادم من إقليم كردستان العراق بسعر 995 ل.س للتر الواحد ليتم بيعه بسعر 1000 ل.س لليتر الواحد كما يقوم بعض الشباب بشراء كميات من البنزين من الحراقات في أول تصفيته ويكون أكثر نقاءً وبيعه على الطرقات للعابرين وخاصة في الطرقات الريفية البعيدة عن محطات الوقود بسعر يتراوح بين 250 إلى 300 ل. س لليتر الواحد”. 

حال أبناء المنطقة كمن يجلس قرب البحر ويموت عطشاً. أن تعيش في حقل نفطي وبين آباره وتعاني الأمرين لتأمين حاجاتك الضرورية من المحروقات وبأسعار ترهق أصحابها هي مسمار آخر في النعش. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني