آثار كارثة الزلزال على السوريين في كلّ من سورية وتركيا
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
مقدمة:
فجر الإثنين 6 شباط/ فبراير 2023، ضرب زلزالان شديدان متتابعان مناطق جنوب تركيا وشمال غربي سورية، كان مركز أشدّهما في ولاية قهرمان مرعش التركية، على عمق 12 كيلومتراً، وبلغت شدّته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان الثاني أخفّ منه قليلاً وضرب ولاية غازي عينتاب، وقد تبعهما هزات ارتدادية كثيرة تتفاوت درجاتها، ممّا خلّف دماراً هائلاً طال في تركيا عشر ولايات، ودمّر عشرات آلاف المنازل. وطال أربع محافظات سورية، وتسبب في دمار آلاف المنازل فيها أيضاً. أما على مستوى الضحايا البشرية، فقد بلغ عددهم حتى الآن (15 شباط/ فبراير 2023)، في حصيلة غير نهائية، قرابة 38 ألفاً، أكثر من 36 ألفاً منهم في تركيا، بينهم 3841 لاجئاً سورياً في تركيا، إضافة إلى 2157 ضحية في مناطق سيطرة الجيش الوطني، شمال غربي سورية، و321 ضحية في مناطق سيطرة النظام، في حلب واللاذقية، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان[1]، وخلّف الزلزالان عشرات آلاف الجرحى، وهذه الحصائل مرشّحة للازدياد.
ما يمكن الوقوف عنده هو ضعف الاستجابة الأممية والدولية، لتقديم المساعدات الضرورية لمثل هذه الحالات في وقتها المناسب، والأولوية القصوى للاحتياجات إلى المعدّات والتقنيات والخبرات اللازمة لانتشال الأحياء من تحت الأنقاض في الأيام الأولى، وكذلك الفرق المتخصصة والفرق الطبية، ثم تأتي بقية المستلزمات الأخرى في مجال الإيواء والصحة والغذاء. وفي حالة نادرة، إزاء الكوارث الطبيعية التي لم يخلُ منها تاريخ دولة، وحيال كارثة تعدّ واحدة من أكبر الكوارث منذ قرن، نظراً لحجم المآسي التي خلفتها، كان الأسوأ أن تخضع مآسي البشر ونكباتهم لعمليات تسييس وتصفية حسابات سياسية، أو تحقيق مكاسب سياسية، من دون أن يعبأ ممارسوها بحياة البشر ومآسيهم، وكثيرة هي الأطراف التي سيّست هذه الكارثة، ولكلٍّ أهدافه، ولعلّ الخوض في هذه الممارسات يكشف النقاب عن التقاعس الذي مورس على حساب الضحايا، لغايات مختلفة.
1- الأمم المتحدة
عندما يُصرّح مسؤول العمليات الأممية للشؤون الإنسانية مارتن غريفث، بالقول: “لقد خذلْنا الناس في شمال غرب سورية، حتى إنهم يشعرون بأنهم متروكون لوحدهم حين لاتصل إليهم المساعدات، وينبغي تصحيح هذا الإخفاق في أسرع وقت”[2]، فإنّ هذا يكثّف موقف المجتمع الدولي من القضية السورية، نتيجة تضارب مصالح وسياسات الدول الخمس المتحكمة في قرارات مجلس الأمن، وبخاصة الموقفين الروسي والصيني، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ فعالية المنظمة الدولية تُحددها توافقات الفاعلين فيها، وتفشي حالة البيروقراطية والفساد التي باتت تشوب سلوك وعمل موظفيها، وتعقيدات الوضع السوري، وكثرة الدول المتدخّلة، مما يُربك العمل الميداني لفرق المنظمة، وكذلك افتقار الأمم المتحدة إلى جهاز تنفيذي، متخصص بالمساعدة في مواجهة الكوارث، ووجود العديد من الكوارث التي قصّرت تجاهها الأمم المتحدة، كهايتي وراوندا وغيرهما، إلا أنّ ما يميز كارثة الزلزال الأخير أنه خضع لعملية تسييس سيّئة، مارستها الأمم المتحدة بشكل غير مباشر، نزولاً عند إرادة الدول الفاعلة فيها؛ فمجلس الأمن لم يجتمع إلا بعد اليوم الثامن للكارثة، ولم يخرج بنتيجة، وقد برّرت ذلك سفيرة مالطا، رئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، بالقول: “إننا نقوم بعملنا، ولا معنى لاجتماعنا من دون الحصول على المعلومات الميدانية”، وهذا يعني أنّ حجم التقصير بلغ درجة لا تُبرره تعقيدات الوضع القائم، وإنّ اكتفاء الأمين العام ومندوبيه بتوجيه الدعوات إلى كل الأطراف، من أجل تسهيل عمل فرق المنظمة، من دون أن تسمية تلك الأطراف، لهو أوضح تعبير عن العجز والتراخي.
تقول المنظمة إن المعابر كانت مغلقة، ومنها معبر (باب الهوى) المخصّص بقرار أممي لإدخال المساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حتى اليوم الرابع للزلزال، وتركت المنطقة أياماً لمصيرها، باستثناء المبادرات الأهلية المحلية أو الفردية، بدعوى تضرّر الطرق العامة، أو عدم حصولها على التصاريح اللازمة من الدول المتحكمة، أو سلطات الأمر الواقع: (روسيا، تركيا، النظام السوري، هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على معبر باب الهوى، أو المعابر من جهة النظام في محافظة إدلب)، أو أن مخازنها في الريحانية لا تكفي لما يفي بالغرض، الأمر الذي يستدعي السؤال: لماذا هي لا تفي بالغرض، ما دامت المساعدات مجدولة لمدة ستة أشهر، بغض النظر عن الزلزال؟
2- النظام
عمد النظام، منذ اللحظة الأولى للكارثة، إلى رسم الخطط لاستغلال الكارثة من أجل رفع العقوبات، كي تكون معبراً لخروجه من حالة العزلة، فتوجّهَ إعلامه وإعلام بعض الجهات المتعاطفة معه خارج سورية، بتكثيف حملة دعائية واسعة للترويج بأنّ العقوبات تمنعه من إنقاذ الأرواح وإغاثة المنكوبين في المناطق المتضررة، وأن الولايات المتحدة ودول الغرب تستخدم العقوبات كسلاح سياسي يجب أن يُرفع، وإلا فإن الدول التي فرضتها تتحمل المسؤولية عن تفاقم الكارثة، وأن من يريد أن يساعد يجب أن يرفع العقوبات أولاً، وإلا فلا معنى لمساعدته، متعمّداً الخلط ببين العقوبات والحصار. ومن جانب آخر، حاول الاستحواذَ على كل المساعدات القادمة عبر بواباته، بدعوى أنه الجهة الشرعية المسؤولة عن المناطق السورية كافة، وأنه سيقوم بإيصال المساعدات إلى مستحقيها، لكنه لم يفلح بذلك، وثمة شكاوى كثيرة من السوريين بسبب التقصير، ومع الأخذ بعين الاعتبار ضعف إمكانات النظام اللوجستية، التي زادت ضعفاً بفعل حربه على الشعب السوري، فإن كثيراً من المناطق المتضررة الواقعة تحت سيطرته لم يصل إليها إلا بعد أيام، ولم تشاهد آلياته وفرقه تُسهم في عمليات الإنقاذ في الأيام الأولى، ويكفي الاستشهاد بموقفه من قافلة مساعدات (قسد) التي توجهت إلى حلب، على رمزيتها، بغض النظر عن دوافع (قسد) المسيسة، أنه اشترط تسليمه 80% منها له، مقابل أن يسمح لها بتوزيع 20%، في حيّ الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية في حلب.
وعلى العكس مما قام به الرئيس التركي من المتابعة المستمرة في المناطق المنكوبة، والوعد بإعادة إعمار ما تهدّم خلال عام واحد، فإن رأس النظام لم يتحرّك، ولم يُلقِ كلمة، ولم يُواسِ الضحايا، ولم يزر منطقة منكوبة، واكتفى بزيارة إلى مشفى في حلب لالتقاط بعض الصور، ولم يعلن النظام عن المناطق المنكوبة إلا بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، وانصبّت جهود النظام وداعميه نحو استغلال كارثة الزلزال، لتحقيق مكاسب سياسية، وخاصة في رفع العقوبات وتطبيع العلاقات معه، وقد حقّق بعض غاياته، وخاصة قرار الرئيس الأميركي بايدن تعليق بعض العقوبات لمدة ستة أشهر.
3- تركيا
تركيا هي الدولة المنكوبة التي وقع على أراضيها الجزءُ الأكبر من الدمار والضحايا، وهي التي تلقّت القسط الأكبر من المساعدات من أكثر من ثمانين دولة وهيئة، ووصل إليه تسعون فريق إنقاذ متخصص مع الفرق الطبية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تركيا دولة ذات إمكانات كبيرة، وأن استعداداتها أكبر لمواجهة كوارث كهذه، بخاصّة أنها دولة تقع جيولوجياً عل فالق زلزالي طالما عانت منه تركيا، وكان كثيرٌ من الضحايا في المناطق التركية المنكوبة من السوريين، إذ بلغ عددهم حتى الآن 3841 قتيلاً، وهناك عشرات آلاف الجرحى وأعداد كبيرة من المشردين، ذلك أن عدد السوريين في الولايات التركية المنكوبة يُقدّر بنحو 1.7 مليون. ولا تبدو المبرّرات التركية، في إبقاء المعابر من تركيا إلى مناطق الشمال السوري التي ضربها الزلزال مغلقة لمدة أربعة أيام، وهي الأيام الحرجة في عمليات الإنقاذ، مفهومةً بدعوى تضرّر الطرق العامة بسبب الزلزال، حيث كانت السيارات تصل محمّلة بجثامين القتلى السوريين في الزلزال، عبر هذه المعابر من الأراضي التركية، إلى داخل الشمال السوري، ويضاف إلى ذلك أن العديد من السوريين الذين شرّدهم الزلزال يشكون من أن ثمة تمييزاً ضدّهم في تقديم الإيواء للمشردين منهم، وخاصة في بعض الولايات.
ويذهب معظم المتابعين والمحللين – مع ملاحظة حالة الإرباك التي أصابت المؤسسات التركية في مواجهة الكارثة – إلى أن الحسابات الانتخابية الوشيكة كانت بوصلة تحرّك كلّ من الحكومة التركية والرئيس التركي، فهو على ما يبدو لا يريد أن يعطي فرصة للمعارضة التركية، باتهامه بأنه اهتم بالسوريين على حساب الأتراك، في حين ترى المعارضة أن من مصلحتها أن يبرز للعيان فشل الحكومة في إدارة الأزمة، وذلك لحسابات انتخابية أيضاً. وقد سجّل سوريون كثر صوراً من التعامل السلبي تجاه السوريين، في بعض البلديات التي تسيطر عليها المعارضة التركية.
في المقابل، انصبّ غضب عدد كبير من السوريين على ما يُسمى “مؤسسات المعارضة السورية”، سواء الحكومة المؤقتة أو الائتلاف الوطني السوري، بأن المؤسستين غائبتان عن كارثة الزلزال، ولم يكن لهما أيّ دور، فالمؤسستان لا تملكان إمكانيات للتدخل والمساعدة، ويؤخذ عليهما أنهما باتتا خاضعتين للإرادة التركية، ولا تختلف فصائل ما يسمى “الجيش الوطني” عن هاتين المؤسستين، حيث لم تجرؤ جميعها على إعطاء رأي بقبول أو رفض المعونات الواردة من منطقة (قسد)، على رمزيتها، والتبرير أنّ (قسد) اشترطت التصوير، وعقد مؤتمر صحفي في مكان تسليم المساعدات، بهدف الاستثمار السياسي، وأن الحكومة المؤقتة تقبل مساعدات من العشائر في منطقة (قسد)، وقد تدفقت قوافل المساعدات فعلاً من أهالي مناطق شرق الفرات في الحسكة ودير الزور والرقة.
يواجه السوريون في الولايات التركية المنكوبة، ولا سيما الذين فقدوا سكنهم، صعوبات كثيرة، وعلى الرغم من السماح لهم بالانتقال إلى ولايات أخرى للإقامة في مناطق إيواء، أو لدى أقاربهم، فإنهم يواجهون صعوبات جمّة، فحتى لو تم تأمين مساكن لهم، فهم يحتاجون إلى الدخل، بعد أن فقدوا عملهم السابق بعد انتقالهم، خاصة مع ارتفاع إيجارات المنازل نتيجة للزلزال، ويحتاجون إلى العلاج الطبي، ويحتاج أبناؤهم إلى الذهاب الى المدارس، ويحتاجون إلى معالجة مشكلة فقد وثائقهم وغيرها من جوانب حياتية، وكل هذا ما زال غير واضح كيف سيُعالج. وقد سمحت لهم الحكومة التركية بالانتقال إلى الشمال السوري لمدة ستة أشهر، ولكن السوريين متشككون في إمكانية عودة من يدخل إلى الشمال السوري، ويقيم هناك لمدة ستة أشهر.
4- الولايات المتحدة الأميركية
منذ الساعات الأولى لكارثة الزلزال، لم تتوقف التصريحات الأميركية، بأنها مستعدّة لتقديم المساعدات للمناطق المتضررة كافة، في كلٍّ من تركيا وسورية، وفعلاً وصلت بواكير المساعدات إلى قاعدة إنجرليك التركية، بزمن قياسي، ومن ضمنها فرقة إطفاء مجهزة ومتخصصة بالتعامل مع الكوارث الطبيعية، ومع تأكيدها أن كل المناطق السورية المتضررة سوف تقدّم لها المساعدات، بناءً على تقييم الاحتياجات، وأن الإدارة لن تتعامل مع حكومة الأسد، وسترسل مساعداتها إلى المدن المنكوبة في مناطق سيطرة النظام عن طريق الأمم المتحدة، وأن العقوبات لا تشمل المواد الغذائية والصحية؛ فعلى ما يبدو أنّ الإدارة الأميركية قد خضعت لضغوط النظام، أو الأطراف الموالية له كروسيا وغيرها، أو ربما لضغط لوبيات داخل أميركا، فعمدت إلى إصدار قرارها تعليق العقوبات عن النظام لمدة ستة أشهر، وتشمل الموارد المتعلقة بكارثة الزلزال، حتى حركة تحويل الأموال، وقد دفع ذلك الأمر السيناتورين الجمهوريين عضوي الكونغرس الأميركي، مايكل ماكول وجيمس ريش، إلى إصدار بيانٍ انتقدا فيه خطوة الرئيس بايدن برفع العقوبات، قالا فيه: “إن السماح بمباشرة معاملات مع نظام الأسد، باسم الإغاثة الإنسانية، كان قراراً خاطئاً”، ووصفا الأمر بأنه “أقرب للصفعة على الوجه تم توجيهها للشعب السوري”[3]، وأضاف البيان: “إن السماح للحكومة السورية بالوصول إلى موارد، لدعم أنشطتها العسكرية، سوف يرسل رسالة سلبية للمجتمع الدولي وللسوريين، بأن رفع العقوبات يعني تراجع اجتماع المجتمع الدولي لمحاسبة حكومة دمشق، على انتهاكاتها لحقوق الإنسان والجرائم التي ارتكبتها”، ومع أن رفع العقوبات على هذا النحو لا يخدم في حالات الكوارث كثيراً، فإن الأمر يحمل رسائل سياسية -بما أنه صدر عن الدولة القادرة على التأثير في الملف السوري- سوف تشكّل مبرراً للدول المتحمسة لإعادة التطبيع مع النظام، وإعادته إلى جامعة الدول العربية، وطيّ صفحة جرائمه بحق الشعب السوري، مما سيضيف وصمة عار إضافية إلى سجل المجتمع الدولي، الذي تجاهل مأساة الشعب السوري على مدى سنوات الصراع.
5- إيران
كانت إيران أوّلَ دولةٍ أعلنت نيّتها إرسال مساعدات إلى سورية، وفعلاً وصلت طائرتان إيرانيتان إلى مطار حلب، في اليوم الثاني للزلزال، كانتا محملتين بمساعدات غذائية وطبية، وربما تكون إيران قد استأجرت معدّات في مدينة حلب للمساعدة في إزالة الأنقاض، وترافق ذلك مع استعراضٍ دعائي حاولَت من خلاله تبيين تعاطفها مع شعبٍ، قتلَت منه ميليشياتها عشرات الآلاف من المدنيين العزّل، ودمّرَت على امتداد الجغرافيا السورية، بالاشتراك مع الروس والنظام، أضعافَ ما دمّره الزلزال، حيث كانت الكاميرات وصور قاسم سليماني تلاحق التوزيع، مع إظهار المعدّات التي ألصقت عليها الصور، والمقابلات التي نشرت وتمدح الجهد الإيراني، لكن الأسوأ هو ما توارد عن قيام الميليشيات الإيرانية، التي تسيطر على مطار حلب، بالاستيلاء على المساعدات التي قدّمتها دول أخرى، ووصلت إلى مطار حلب، كالجزائر ودولة الإمارات، ثم توزيع قسم منها على أنها إيرانية، وبيع القسم الآخر في الأسواق. وكذلك افتتحت القنصلية الإيرانية في حلب، كجزء من عمل دعائي، بضعة مراكز إيواء في الجوامع والحسينات الشيعية، وقد ظهرت صور لإسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهو يتفقّد المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية، حتى قبل الرئيس السوري، في رسالةٍ تقول إننا موجودون هنا، وإننا أصحاب قرار.
6- روسيا
مارست روسيا ضغوطاً هائلة، لمنع وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة الخارجة عن سيطرة النظام عن طريق المعابر على الحدود التركية، طالبة تسليم المساعدات إلى النظام، كي يقوم هو بإيصالها إلى مستحقيها، ساعية بذلك إلى محاولة تعويم النظام من الباب الإنساني، بعد أن فشلت محاولاتها من الباب السياسي، وتدّعي روسيا أن ما تسمّيه “المنظمات الإرهابية”، التي تسيطر على الشمال السوري، قد تستخدم المعابر لأغراضها الخاصة، وقد منعت مجلس الأمن من إصدار أي قرار ليلة انعقاده حيال الكارثة، ولم تقبل بتجاوز آلية إيصال المساعدات بالسماح بفتح مزيد من المعابر مع تركيا، إلا بموافقة نظام الأسد، وهو الأمر الذي لجأت إليه الأمم المتحدة فعلاً.
7- هيئة تحرير الشام:
يضاف إلى الجهات الدولية والنظام في سياق تسييس الكارثة، هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على إدلب، وعلى قسم من ريف حلب الشمالي الخارج عن سيطرة النظام، حيث تبيّن أنها تمتلك إمكانات لوجستية، ومعدات ثقيلة على قدر كبير، استخدمتها في عمليات الإنقاذ على نطاق واسع، في المناطق التي تسيطر عليها، وتديرها باسم “حكومة الإنقاذ”، من دون أن تنسّق مع الحكومة المؤقتة، التي وقفت عاجزة عن تقديم أي شيء، سوى نداءات الاستغاثة، وقد حاول الجولاني أن يقدّم نفسه للعالم، من خلال استعراضاته الكثيرة في المناطق المنكوبة التي قامت حكومته في عمليات الإنقاذ فيها، على أنّه رجل مسؤول وعلى قدر المسؤولية، تجاه الناس الذين يعتبرهم شعبه، وقد صدرت تصريحات غير رسمية، عن عناصر مسؤولة في هيئته، بأنّه لن يسمح بمرور أية قوافل مساعدات، أياً كانت الجهة التي أرسلتها، والدخول عبر المعابر مع مناطق النظام، بدعوى أنه “لن يسمح للنظام بالاستفادة من الكارثة، سياسياً”.
8- التداعيات السياسية للزلزال على القضية السورية
يبدو أن حجم الكارثة التي خلّفها زلزال السادس من شباط قد يترك تداعياته على الملفّ السوري، سواء لجهة الدول المتدخلة أو المجتمع الدولي، أو لجهة التفاعلات الداخلية للشعب السوري، في شقّيه الإنساني والسياسي، وفي محاولة للبحث في إطار عمومي لتمظهر تلك التداعيات مستقبلاً، يمكن توقّع الآتي:
أ-على المستوى الإنساني
تأخرت المساهمات الأممية والدولية والتركية، من ناحية وصولها في الوقت الحرج، لإنقاذ الناس من تحت الأنقاض، وهنا تكون الساعات مهمّة، أو لتقديم بقية الخدمات اللوجستية، حيث تُرك الناس لمصيرهم، خلا المبادرات المحلية والفردية، وهذا سوف يترك ندوباً عميقة في نفوس السوريين عموماً، وسكان المناطق المنكوبة على وجه الخصوص، لقد حُشِر ملايين الناس الذين هُجّروا من مناطق “خفض التصعيد” في تلك المناطق، لحكمةٍ لا يستوعبها إلا النظام وداعموه الروس، ممّا ضاعف الخسائر البشرية والمادية بشكل كبير. ولذلك يُتوقع أن ينال السوريون تعاطفاً واسعاً من بقية دول العالم، وسوف تزيد المساعدات، بمختلف أنواعها، إلى المناطق المتضررة، ممّا قد يُخفّف من مشاقّ الحياة عند الناجين من الكارثة، على ألا يتولى النظام إيصالها وتوزيعها دون رقابة ومتابعة من الجهات المانحة، بما عُرف عنه من ضعف كفاءة وفساد مؤسساته وتوجيه استخدام المساعدات إلى غير مستحقيها، بما يرجّح ضرورة توجّه المانحين إلى عقد شراكات مع منظمات محلية من المجتمع المدني، في مختلف المناطق السورية، وأن تكون الجهات المانحة على دراية بتوزيع المساعدات وإيصالها إلى مستحقيها. وسيكون هذا تحدياً أمام الشعب السوري، بأن يقدّم تنظيمات مدنية قادرة على كسب ثقة الدول المانحة.
إن حجم الكارثة كبير والتعامل مع آثارها سيدوم زمناً طويلاً، وإنّ حجم المساعدات التي قُدّمت، أو سوف تُقدّم، سيكون كبيراً أيضاً، وهناك وعد بدعوة لمؤتمر مانحين، لمساعدة كلٍّ من تركيا وسورية في مواجهة آثار الكارثة.
وثمة نقطة مهمة برزت في هذه الكارثة، وهي تقارب السوريين وتعاطفهم المشترك في المناطق كافة، لدرجة خفّت معها حدة الاستقطابات التي باعدت بينهم، بفعل الصراع على مدى السنوات الماضية، وهذا شيء مهمّ، يمكن أن يشكل أرضيّة واعدة، يمكن البناء عليها، ولو بشكل أوّلي، وتوجيهها نحو بناء حالة وطنية مستقرة مستقبلاً، فقد برز تعاطف شعبي سوري في مختلف المناطق، مع جميع المنكوبين بمختلف المناطق، بما يتجاوز حدود مناطق السيطرة وحواجزها. وقد قُدمت مساعدات إغاثية من أهالي المناطق الشرقية إلى المناطق المنكوبة شمال غرب سورية، وقدّمت مساعدات إغاثية أيضاً من السوريين في مناطق سيطرة النظام إلى المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية.
وقدّم الزلزال الكارثي، على ضعف فاعلية منظمات المجتمع المدني، دليلاً آخر على حيوية وروح المبادرة والتعاون لدى الشعب السوري، ذلك أن معظم عمليات الإنقاذ، في الأيام الأربعة الأولى، تمّت بمبادرات فردية، وبأدوات بدائية، أسهمت في إنقاذ مئات الناس من تحت الأنقاض، وإيصال الجرحى إلى المستشفيات، وتقديم المواد الإغاثية حسب قدرة الناس، وهنا يبرز النموذج المشرّف والمهمّ، الذي قدّمته منظمة (الخوذ البيضاء)، التي تحمّلت العبء الأكبر والمجدي، بحكم خبراتها السابقة في عمليات الإنقاذ والإغاثة والتوثيق، وروح الإقدام التي يتميز به العاملون فيها.
ب- على المستوى السياسي
عقد مجلس الأمن الدولي، مساء 13 شباط/ فبراير 2023، جلسة مغلقة، لبحث الوضع الذي نجم عن الزلزال في كل من تركيا وسورية، وفشلت الجلسة في إصدار حتى بيان تضامن، بسبب الرفض الروسي للاقتراح الفرنسي ، بحسب ما تسّرب، بأن يُصدر المجلس قراراً تحت البند السابع، لكيفية التعامل الأممي مع الأطراف، التي تعرقل وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة في سورية، وفتح معابر إضافية لإيصال المساعدات الأممية، مهدّداً باستخدام حقّ النقض، بدعوى أن هذا إجراء سيادي من حق الدولة السورية، ولا داعي لإصدار مثل هذا القرار، مما يبيّن أن موسكو ما زالت عند موقفها بتعطيل مجلس الأمن تجاه ما يخص القضية السورية، بهدف إرغام المجتمع الدولي على التعامل مع النظام السوري، وفتح بوابات التطبيع معه. ويشير حضور إسماعيل قاآني في سورية، وجولته لتفقد المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية، إلى أنّ إيران ما زالت على موقفها، بل إنها تشدد من قبضتها على الوضع السوري، وهذا ما دعا إسرائيل إلى التهديد بأنها سوف تضرب أية قوافل تنقل أسلحة إيرانية إلى سورية تحت يافطة قوافل إغاثية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ تركيا غرقت في معالجة تداعيات كارثتها إلى أمد بعيد، مما يعني بداهة تأجيل مسار التطبيع مع النظام السوريّ، إن لم يكن قد تمّ طيّه نهائياً، إضافة إلى موقف الولايات المتحدة وقرارها برفع العقوبات لمدة ستة أشهر، أياً كانت دوافع ذلك القرار؛ فإننا نكون أمام حالة تدلّ على أن المواقف الدولية ومواقف الدول المتدخلة باقية على ما كانت عليه، مع إصرارها على إنفاذ استراتيجيتها في سورية، وأنّ المعادلات الحاكمة للصراع عند هذه العتبة باقية، ولم تُغيّر فيها الكارثة كثيراً، ولذلك يُستبعد، في هذه المرحلة، توقع توفر رافعة دولية، لمبادرات تجاه الحل في سورية، أو تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي.
[1]– موقع الشبكة السورية لحقوق الإنسان https://2u.pw/xx96TA
[2]– موقع الجزيرة https://2u.pw/beZHRJ
[3]– قناة الحرة https://2u.pw/HhRJJT