وضع المرأة الليبية قبل الثورة وبعدها
مقدمة:
تحتاج
دراسة أوضاع المرأة الليبية إلى معرفة البنية الاجتماعية، التي تعيش فيها، سواءً
على صعيد سياسي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو غير ذلك. وتحديداً في زمن يبدأ من
مرحلة استقلال البلاد عن الاستعمار عام 1951م.
إنّ
البنية الاجتماعية الليبية تقوم على خصائص قبلية، حكمت هذا النسيج الاجتماعي منذ
قرون عديدة. ولاتزال القبلية عاملاً فاعلاً في منع تطور بنى المجتمع الليبي نحو
مرحلةٍ تنحلّ فيها القبلية لمصلحة دولة القانون والمؤسسات، التي يتحول المجتمع فيها
إلى أفرادٍ متساويين في الحقوق والواجبات تحت ظلّ دستورٍ فاعل. ولهذا يمكننا القول
“إنّ مشكلات المرأة الليبية تكمن في أمرين اثنين: الأول الثقافة الاجتماعية
القديمة التي تحطُّ من قيمة المرأة، وتنظر إليها نظرة دونية أقلّ من الرجل،
والثاني ممارسة التمييز ضدها رغم وجود القوانين التي تحكمها، وتحفظ لها
حقوقها”(1).
ويمكن
لنا القول إن المجتمع الليبي لا يزال يحتفظ بثقافته الرجعية، الأمر الذي ينعكس
سلوكاً اجتماعياً يومياً يقوم به أفراده بصورةٍ عامة تجاه المرأة بكلّ حالاتها.
وهناك دائماً محاولة لتأطير الفعل الاجتماعي للذكور، على أنه فعل يستمدّ قيمته
الاجتماعية من تعاليم الدين الإسلامي، في وقت يجهل فيه هؤلاء موقف الدين الإسلامي
من حقوق المرأة الاجتماعية، أو غيرها. وتذهب هذه الدراسة إلى إضاءة كل العوامل
المؤثرة على وضع المرأة عبر مراحل عديدة.
المرأة الليبية بعد الاستقلال:
لا
يمكن تجاهل دور المرأة في المجتمعات المعاصرة من حيث دورها السياسي والاقتصادي
والاجتماعي. فالمرأة التي تشكّل نسبة خمسين بالمئة من المجتمع، هي قوة تنموية هامة
ترفد الاقتصاد الوطني بجهودها المختلفة على الأصعدة كافة. و”كان الدستور
الليبي الذي وقعت المصادقة عليه عام 1951 قفزة نوعية في تاريخ المرأة الليبية،
ففرض إلزامية التعليم الأساسي، ما منح الكثير من النساء فرصاً أكثر للتحصيل
العلمي، وبالتالي الانخراط في العمل في مجالات مختلفة، ما قدّم للمرأة المساواة في
العمل، فتبعته نهضة نوعية في سوق العمل الليبي”(2).
إنّ
دستور ليبيا لعام 1951 منح المرأة مساواة مع الرجل في حقول الحياة العامة
المختلفة، إذ اعتبر الدستور في مادته الحادية عشرة “الليبيون لدى القانون
سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص، وفيما
عليهم من الواجبات والتكاليف العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين أو المذهب
أو العنصر أو اللغة أو النسب أو الآراء السياسية والاجتماعية”(3).
إنّ
دستور عام 1951 وتعديلاته شكّل قاعدة انطلاقٍ وعملٍ للمرأة الليبية في المجالات
التعليمية والفئوية والاقتصادية. إذ سمح هذا الدستور للمرأة الليبية بتشكيل أطر
عمل نسوية خاصة بها، وهو ما يعني بداية الخروج من وضع المرأة السابق الذي جعلها
جزءاً من تبعية اجتماعية هي “التبعية القبلية” إلى وضعٍ جديدٍ يسمح لها
أن تكون فرداً متساوياً أمام القانون العام في البلاد. وقد ظهر هذا الجهد
الاجتماعي النسوي من خلال تشكيل إطار عملٍ للحركة النسائية الليبية تحت مسمى جمعية
النهضة النسوية، وقد لعبت السيدة حميدة طرخان المعروفة باسم “حميدة العنيزي”
دوراً رئيسياً في هذا الاتحاد. إذ قامت “بتأسيس جمعية النهضة النسوية عام
1954، حيث كانت أول جمعية نسوية مقرها بنغازي تطالب بحق النساء في تقلّد مناصب
سيادية وعلمية عليا”(4).
هذه
الفعاليات يمكن الإشارة إليها على أنها فعاليات نخب نسوية محدودة، لم تستطع جهودها
أن تُحدثَ تفككاً بنيوياً في بنى المجتمع الليبي القبلية، وهذا أمر طبيعي، إذ أن
تفكيك البنى الاجتماعية القبلية لا يتمُّ فقط من خلال نصوصٍ دستورية، أو مجموعة
قوانين فحسب، بل من خلال تفكك الدور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبنى القبلية
أمام ظهور بنى جديدة، تقوم على أرضية تطور عميق في العلاقات الاقتصادية والسياسية
وانعكاسها اجتماعياً. لذلك بقي المجتمع الليبي القبلي “الذكوري” في خانة
عدم تقدير المرأة ودورها في التنمية الاجتماعية العامة، حسب العادات والتقاليد
السائدة آن ذاك، والتي لا تزال متفشية رغم التطورات السياسية المختلفة. هذه
العادات والتقاليد تنهض على قاعدة دور القبيلة في الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية في البلاد. إنّ “عدم وجود تقدير لعمل وأهمية دور المرأة في العمل
حيث العادات والتقاليد تحدّ من أهمية المرأة العاملة، واعتبار عملها عير مجدي
ومحدود الآفاق، ما يؤثر سلبياً على المرأة ويحدُّ من طموحاتها في تولي مناصب
تنفيذية وتقنية، واعتبار أن دورها الطبيعي يقتصر على المشاركة في وظائف خدمية
بسيطة، والاكتفاء بالتزاماتها الاجتماعية الأسرية”(5).
إن
وصول معمر القذافي إلى الحكم في الأول من سبتمبر/ أيلول عام 1969 لعب دوراً في تحديد
ملامح جديدة لتطور حال المرأة الليبية، إذ فتحت التشريعات الجديدة الباب للمرأة
لاقتحام أبواب العلم والخدمة الاجتماعية، بما في ذلك انتسابها لقوى الأمن والجيش
في البلاد. وفي هذا الإطار لم تستطع هذه الخطوات أن تغير في جوهر تبعية المجتمع
الليبي القبلية. حيث أبقى نظام القذافي الحالة القبلية، ووظفها في حكمه السياسي.
ما يعني غياب استراتيجية تنموية شاملة لدى هذا النظام. هذه الاستراتيجية كانت
تحتاج من أجل بنائها إلى تطويرٍ عميقٍ في العلاقات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية في البلاد. فتوظف الثروات الناجمة من استثمار حقول النفط الوطنية في
تصنيع البلاد وتطوير قدراتها الزراعية وتعميق بناها الاجتماعية الجديدة الناتجة عن
التطور المقصود في عمليات الإنتاج الاجتماعي والفكري والثقافي.
ولكن
إذا أردنا مقارنة وضع المرأة الليبية في مرحلة حكم القذافي مع وضعها فيما بعد سقوط
نظام الحكم عام 2011، يمكننا القول “كانت المرأة الليبية أثناء حكم القذافي
تتمتع بحريةٍ وأمنٍ نسبيين، وتعدُّ من أفضل النساء في العالم العربي وفقاً
للإحصائيات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”(6).
ورغم
أن ليبيا دولة صادقت على اتفاقية “سيداو CEDAW”
التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979. هذه الاتفاقية في جوهرها مهّدت إلى القضاء
على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ولكن ليبيا وضعت بعض التحفظات على بعض بنود
الاتفاقية، والتي لا تتوافق مع الشريعة الاسلامية. لذا بقي وضع المرأة الليبية
وضعاً خاضعاً للبنى الاجتماعية القائمة، وهذا ما تجلّى بعد ثورة عام 2011 التي
أسقطت جماهيرية معمر القذافي.
المرأة الليبية بعد الثورة:
أحدث
سقوط نظام القذافي بفعل ثورة السابع عشر من شباط عام 2011 م هزّةً عميقةً في بنية
الدولة والمجتمع الليبيين، وأظهرت الأحداث اللاحقة تفكك مؤسسات الدولة وانقسام
البلاد وفقاً للقوى السياسية المسيطرة في كلّ منطقة من مناطقها. هذه الثورة أصدرت
بياناً يتضمن خمسة أهدافٍ رئيسية، يأتي في مقدمتها “بناء دولةٍ ليبيا الموحدة
الحرة المدنية الكاملة السيادة، ووضع دستور تستمدّ شرعيته من إرادة الشعب وثورة 17
فبراير المظفّرة، ويستند إلى احترام حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة، والفصل
بين السلطات واستقلال القضاء.. الخ”(8).
هذه
الثورة أحدثت خلخلة عميقة في بنية مؤسسات الدولة، ما أضعف حالة الأمن والاستقرار، ما
دفع الليبيين إلى الاحتماء بالبنى الاجتماعية الأساسية لديهم “القبيلة”.
وظهر مع هذه الحالة القبائلية التيار الإسلاموي الليبي، هذا التيار يستمدّ رؤيته
من التيارات الإسلامية الأخرى المتمثلة بتنظيم “حركة الإخوان المسلمين”،
ولا يرى دوراً ندّياً للمرأة في بناء مجتمعها، أو لعب دورٍ في الشأن العام وقيادة
البلاد. لهذا وجدت المرأة الليبية نفسها خارج دورٍ حقيقي في تحديد اتجاهات ونتائج
ثورة شباط عام 2011، سيما “بعد وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم في ليبيا،
وجدت المرأة الليبية نفسها مبعدةً تماماً عن المشهد السياسي، وحتى الاجتماعي
والثقافي في ظلّ وضعٍ أمنيٍ متأزمٍ وفوضى الميليشيات المسلحة”(9).
وقد
ظهر أول تراجع عن حقوق المرأة ودورها الاجتماعي من خلال ما أعلنه السيد مصطفى عبد
الجليل عن رفع القيود القانونية القائمة على تعدد الزوجات. هذه القيود كان قد
فرضها نظام القذافي. وقد أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً في 26
أيار عام 2013 م بيّنت فيه “تقهقر دور المرأة الليبية، واختفائها من المشهد
السياسي الليبي تماماً بعد الانتخابات البرلمانية في حال لم يكن لها حضور بارز في
اللجنة المكلفة بصياغة أول دستور لليبيا بعد الثورة”(10).
وقد
لاقت قرارات الإسلاميين بحقّ المرأة وحرياتها وحقوقها انتقادات واسعة لدى جمهور
النساء الليبيات. وقد تبيّن أن المرأة الليبية بعد الثورة على نظام حكم القذافي
خسرت كثيراً من مواقعها المتقدمة السابقة في المشاركة بالشأن الوطني العام. إذ أن
الإسلاميين رفعوا شعاراتٍ رنانةً تثني على المشاركة الفعالة للمرأة الليبية في
الثورة، وتعدها بحرياتٍ وضماناتٍ دستورية أكثر، وتمثيلٍ برلماني أكبر، ولكنها لم
تجد سوى الوعود. هذه الثورة خلخلت بنى الدولة والمجتمع القديمين إلى حدٍ ما،
ولكنها لم تستطع أن تطرح برنامجاً تنموياً شاملاً، ورؤية سياسية ديمقراطية، بحيث
تلعب المرأة الليبية دوراً هاماً في هذا التطور الذي يحتاجه الليبيون للتقدم
بمجتمعهم إلى الأمام.
الإسلاميون
كما تقول الأستاذة الزهراء لنقي عمدوا إلى “اختزال الإسلام في الأوامر
والنواهي”(11). وهذا يدلّ على عدم فهمٍ للشريعة الاسلامية باعتبارها فهماً
منضبطاً يرتكز على التفاعل مع الزمان والمكان، أي لا يمكن تثبيت النصوص ورؤيتها في
كلّ مرة كما هي مع تغيّر الزمان والمكان، أي درجة التطور الاجتماعي العام. ولذلك
يظهر موقف الإسلاميين باعتباره موقفاً قيميّاً واحداً لا سبيل للجمع بينه وبين
موقفٍ قيميٍ آخر أدى إلى التضييق على النساء كما ذهبت إليه السيدة الزهراء لنقي.
إنّ
نساءً لبيباتٍ عديداتٍ ساهمن بصورة فعالة في الثورة الليبية، التي خلعت معمر
القذافي. وقد وصلت بعض النسوة إلى البرلمان الجديد، وهذا يتطلب إعادة النظر بكل
المواقف والقرارات، التي من شأنها إحداث تهورٍ على مستوى حقوق المرأة الليبية
الجديدة.
هذه
الحقوق ينبغي أن تشير صراحةً إلى دور المرأة في المشاركة السياسية والاجتماعية
والاقتصادية بصورة ندية وعلى قدم المساواة مع الرجل. وتحديداً في نصوص الدستور
ومشاركة المرأة في صياغته.
إنّ
مساواة المرأة للرجل دستورياً تعني بالضرورة إتاحة نفس الحقوق والواجبات لكليهما،
وهي مساواة تنبني على الأهلية القانونية وعلى الإنصاف.
إنّ
الضامن الرئيسي لترسيخ حقوق المرأة الليبية ودورها في بناء المجتمع والدولة يحتاج
إلى أن تكون “النساء عندنا في الفترة هذه يسعين إلى العمل السياسي بشكلٍ كبير
يتعمّقن بإنشاء منظمات، ويطالبن بحقوقهن”(12).
وحتى
تتحقق المساواة لا بدّ أن يمنع دستور البلاد وجود أي تمييزٍ بناءً على النوع الاجتماعي
أو الجنس. وهذا يتطلب إلغاء أو تعديل أنظمةٍ وقوانين وضعت المرأة في خانة التمييز
والانتهاكات، بما في ذلك العنف الأسري، وقوانين الأحوال الشخصية، التي لا تزال غير
قادرةٍ على توفير المساواة بين الرجل والمرأة، وخصوصاً ما يتعلق منها بقانون
الجنسية المبهم.
لقد
حيّت الأمم المتحدة في تقرير صادر عنها بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يصادف في
8 مارس/آذار عام 2014 “الدور الذي لعبته المرأة الليبية إبان الثورة، كما
حيّت مشاركتها في انتخابات لجنة الستين المكلّفة بإعداد الدستور في بداية المرحلة
الانتقالية التي بلغت نسبتها 40,8% “(13).
ورغم
ذلك فإن المرأة الليبية باتت تحذر المجاهرة برأيها في موضوع سياسي وطني، لأنها إن
عبّرت عن هذا الرأي، وكان رأياً مختلفاً عن آراء جماعات سياسية أو قبلية، فإنها
ستتعرض إلى حملاتٍ تنال من سمعتها وكرامتها الإنسانية، وتحديداً من خلال مواقع
التواصل الاجتماعي، التي تُظهرُها بمظهرٍ مشوه. وقد تعمد إلى تهديدها بحياتها
وحياة عائلتها.
لقد
تبيّن جلياً أنّ المرأة الليبية مثلها مثل باقي شقيقاتها في الدول العربية الأخرى،
التي شهدت انتفاضاتٍ وثوراتٍ شعبيةً تعرّضت ولا تزال رغم مشاركتها في هذه الثورات
إلى الاقصاء والتهميش أثناء التحوّل الديمقراطي، هذا التهميش عائد إلى أسباب
اجتماعية وثقافية”(14).
الإسلاميون والمرأة الليبية:
لعب
الإسلاميون بعد الثورة الليبية عام 2011 م دوراً محبطاً حيال تحسين أوضاع المرأة
الليبية في الجوانب السياسية والحقوقية والاجتماعية، وتظهر عقبات كبرى بوجه نضال
المرأة وجهدها حيال مسألة مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية في البلاد. هذه العقبات هي اليوم أكبر بكثير من عقبات واجهتها الحركة
النسائية الليبية بعد الاستقلال وقبل الثورة. وتتمثّل هذه العقبات بالرؤية الفكرية
للتيار الإسلاموي، الذي أصبح يلعب دوراً خطيراً بخصوص حريات المرأة التي تتعارض مع
فكر هذا التيار. ويُعتبر تسلل الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي الليبي أساساً
في حالة التدهور العام لكلّ أوضاع البلاد. إذ أعلن الإسلاميون تحرير ليبيا
واعتبارها دولةً إسلاميةً في 23 أكتوبر عام 2011 م.
وبيّنت
سلوكيات التيار الإسلاموي السلبية حيال المرأة الليبية طبيعة هذه السلوكيات
المعادية لتطور وضع المرأة الليبية، إذ يتمّ استبعاد النساء من العمل بالشأن
العام، إذا لم يكنّ محجباتٍ كما حدث مع مذيعة ليبية تُدعى سارة المسلاتي.
الأيديولوجيا
الإسلاموية لتيار الإخوان المسلمين مشتقّة من فهمٍ خاطئ لموقف الاسلام من المرأة.
وهذا ما جعل دور المرأة يتراجع إلى الدور الثاني، أو الدور الملحق بالرجل.
الإسلاميون
جعلوا وضع المرأة الليبية في حالة تراجعٍ كبيرٍ عن وضعها منذ استقلال البلاد عام
1951. إذ تعيش المرأة الليبية صراعاً لأجل البقاء على قيد الحياة، والاحتفاظ
بعملها بموجب النظرة الدونية لها، التي ينظر من خلالها التيار الإسلاموي إلى
المرأة باعتبارها مجرد كائنٍ من الدرجة الثانية.
هذه
النظرة تجد لها قاعاً اجتماعياً ليبياً، لا يزال ينظر إلى المرأة على أنها مجرد
كائن من الدرجة الثانية، ولا يصلح سوى للمهن التقليدية المرتبطة تاريخياً بجنس
النساء كالتعليم والصحة.
ولكن
المرأة الليبية ورغم العقبات الكبرى بوجهها، تعمل بجهدٍ كبيرٍ من أجل خلق منظمات
خاصة بها، تدافع عن حقوقها السياسية والاجتماعية، إذ “أسست زهرة لنقي مع سلوى
بوقعيعيص “منبر المرأة الليبية” من أجل السلام، الذي يُعدُّ
منظمةً غير حكومية، تعمل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين على المستويين
الاجتماعي والسياسي”(15).
إذاً
يمكن القول أنّ أيديولوجيا الإسلام السياسي الليبي بصورته الموجودة ترتكز على بنى
اجتماعية ما قبل وطنية هي “القبائلية”، والتي تسود فيها نمطية التفكير
الذكوري على حساب التفكير الإنساني الذي لا يميّز بين المرأة والرجل.
هذه
الأيديولوجيا لم يفعل المجتمع الدولي الذي تدخل في الصراع الليبي أن يحدّ من
تأثيرها، بل كان له دور سلبي في ترسيخ استبعاد المرأة من العملية السياسية في
ليبيا.
المجتمع
الدولي لم يبذل جهداً في الإصرار على وجود النساء في محادثات السلام، بالرغم من
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 حول المرأة والأمن والسلام الذي تمّ تبنيه في عام
2000 م.
إن
تراجع دور المرأة الليبية في بناء ليبيا الحديثة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً لن
يخدم عملية النهوض التنموي الشامل، الذي لا يزال بعيداً عن التحقق في ظلّ
الانقسامات السياسية الكبرى في البلاد.
المرأة الليبية والعمل:
الأوضاع
السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي أوضاع حاسمة في تقرير دور المرأة الليبية في
المشاركة ببناء وطنها عبر لعب دور كبير في هذه المجالات. فالنساء الليبيات اللائي
شاركن في الشأن العام سواءً قبل الثورة أو بعدها، من خلال قيادة منظمات إغاثية، أو
منظمات مدنية. لعبن دوراً في تأسيس الحركات السياسية، وشاركن في صنع القرار فيها.
لم يستطعن لعب دورهن بشكلٍ متقدمٍ نتيجة الأوضاع الأمنية المتردية في البلاد. هذه
الأوضاع لعبت دوراً في دفع النساء إلى الامتناع عن العمل. ولعلّ الظروف السياسية
والأمنية في البلاد منعت المرأة من حرية التنقل من أجل العمل. وذلك تفادياً لحدوث
عمليات اختطاف بحقهنّ، ولذلك انحصر عمل المرأة الليبية في الأماكن القريبة من
سكنها.
إن
المرأة الليبية التي نجحت في تطوير قدراتها العلمية والبحثية، ودخلت في سوق العمل،
لم تستطع أن تُزيد من نسبتها في هذه السوق. فهذه النسبة لا تزال منخفضة بسبب
الأوضاع الاجتماعية، التي تشكل حاجزاً أمام عملها. إذ لا يزال التمييز بين الجنسين
قائماً، وتحديداً النظر إليها باعتبارها ذات قدرات عمل منخفضة.
إن
النظر إلى جملة القوانين الليبية بما يتعلق بحماية حقوق المرأة وضمان هذه الحقوق،
يفصح عن وجود تشريعات وطنية عمالية مبنية على مبدأ المساواة والتكافؤ، وهذه
التشريعات تمنح مزايا مهمة للمرأة. ولكن مشكلة المرأة الليبية لا تتعلق بالقوانين
والتشريعات، وإنما تتعلق بوعي المجتمع الذكوري، وتقبله لهذه القوانين والتشريعات
والعمل بها.
المجتمع
الذكوري الليبي لا يزال يفكّر بطريقة نمطية تنظر إلى المرأة بصفتها ” حريماً
“، ولا يستطيع رؤيتها بصفتها امرأة إنساناً إلى جانب شقيقها الرجل الإنسان،
واللذان تقع عليهما مهمة بناء الدولة والمجتمع الليبيين على أرضية تنموية شاملة
بعيداً عن ذهنية التعطيل الاجتماعي السائدة في المجتمعات العربية التي لا تزال
بناها الاجتماعية في مرحلة ما قبل وطنية.
إذاً
إن مشكلة المرأة الليبية تتعلق بأمر غياب أو ضعف النظام الرقابي الوطني، الذي تقع
عليه مسؤولية تنفيذ القوانين والأنظمة والتشريعات. فتصير هذه التشريعات والأنظمة
مجرد رسائل إيهام موجهة إلى الخارج، تقول إن ليبيا تمتلك نصوصاً تشريعية تُنصف
المرأة الليبية. وهذا صحيح على الورق فحسب.
الهوية الضائعة:
يمكن
الاستدلال على تحرر المجتمع من خلال موقفه من المرأة وحقوقها، وهذا الموقف هو في
الحقيقة موقف من تفعيل طاقات المرأة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب
طاقات الرجل من أجل النهوض التنموي على كل الأصعدة. وكذلك هو مساواتها مع الرجل في
حق الحصول على الجنسية لأولاها حين تكون متزوجة من رجل ليس من مواطني بلادها.
والمرأة
الليبية التي تزوجت أو ستتزوج من رجل غير ليبي لا يمكنها الحصول ببساطة على
الجنسية لأولادها أو لزوجها كما يحصل مع الرجل الليبي. فليبيا لا تزال ضمن التأطير
القبلي الاجتماعي، فالقبيلة تنظر إلى المرأة التي تتزوج من رجل من خارج القبيلة
على أنها انسلخت من كيانها الاجتماعي لتلتحق بكيان اجتماعي جديد. ويقف خلف هذه
النظرة القبلية مسألة الملكية التي ستؤول إلى أجانب فيما لو تزوجت الليبية من رجل
من خارج القبيلة والبلاد. لذا لا تزال هذه النظرة ذات جذور عميقة في عادات وتقاليد
ووعي المجتمع الليبي الذي لا تزال الذهنية القبلية تحكمه.
“إنّ
خلفية التمييز ضد المرأة ينبع بالدرجة الأولى من الحذر إزاء “الآخر” أو “الغريب”،
والذي جُبل عليه المواطن الليبي. ومن أهم أسباب هذا الحذر الخوف على الثروة، فضلاً
عن خوفٍ من إحداث خللٍ في التركيبة السكانية “الديمغرافية” في المناطق
الجنوبية من البلاد خاصة”(16).
المرأة الليبية ودورها الثقافي:
لا
يمكن لثقافة المرأة في مجتمعها أن تتطور في ظلّ غياب تطور بنى الثقافة الوطنية.
وهذا الأمر يمكن تلمسه في الحالة الليبية، إذ “إن ليبيا قد ظلّت تعيش حتى
أواخر القرن التاسع عشر في عزلةٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ عن بقية أقطار الوطن العربي.
وقد تسبب الحكم العثماني الجائر في إحداث مثل هذه النتيجة، بحيث أن الحكم العثماني
لم يُقم طوال القرون الخمسة منذ سنة 1551 م بأي مشروع من المشايع الثقافية، ولا
حتى سعى لتطوير أي بنية من بنى المجتمع الليبي الثقافية”(17).
إن
غياب البنى الثقافية خلال زمن طويل أدّى إلى ملء الفراغ عبر ما يمكن تسميته
“الكتاتيب الاسلامية” و”الزوايا الدينية”، أي حلقات تعليم
اللغة والدين من قبل شيوخ الدين. فهذه النماذج لعبت دوراً في الحفاظ على اللغة
العربية، وعلى الهوية الثقافية الليبية، ومنعت تذويبهما في البوتقة الثقافية
الاستعمارية. ولكنها في الوقت ذاته لم تبن ثقافة جديدة، لذا بقيت البنى الثقافية
ذات قدرات هزيلة، وهذا سينعكس بالضرورة على المرأة الليبية وثقافتها وتعلمها في
تلك المرحلة. المرأة الليبية هي امرأة تمارس دورها ووجودها عبر إطار اجتماعي اسمه
“القبيلة” البدوية. فهذه القبيلة التي تُدير شؤون حياتها الاقتصادية في
مناطق وجودها، وتحديداً في الشأن الزراعي، وتربية الحيوانات، أفردت للمرأة دوراً
في دعم جهود الرجل الاقتصادية. لكن المجتمع الليبي ورغم الأطر البنيوية التقليدية
السائدة “الذهنية القبلية المشرّبة برؤية دينية ذات اجتهادات خاصة” تعرض
إلى شيء من تفكك هذه الأطر، والتي لم تذب كحالةٍ موجودة. إذ أن لا بدّ للانتقال من
حالة البداوة إلى حالةٍ حضرية من تغيّر عميق في بنى الاقتصاد والانتاج والثقافة
المرتبطة بهما. وهذا مشروع وطني ليبي يحتاج إلى جهود جبارة لقوى تعمل على تغيير
البنى الاجتماعية السائدة من أجل تطور لاحق.
إن
تحرير المجتمع الليبي من بناه المتخلفة سيساهم بالضرورة في تحرير المرأة الليبية، ويعزّز
دورها الاجتماعي إلى جانب الرجل في بناء الدولة الليبية الحديثة.
إن
حالة الانقسام السياسي التي لا تزال موجودة تحتاج إلى وعي وطني أوسع وأعمق، يتجاوز
الذهنية الأيديولوجية العصبوية، وكذلك يتجاوز الذهنية الفكرية المرتبطة بمفهوم
ودور القبيلة في الحياة الليبية العامة.
ثبت بالمراجع:
1-
www.dw.com دور المرأة الليبية يصدم
بالثقافة الذكورية 21/9/2010
2-
Jusoor.ly/wp
المرأة في سوق العمل الليبي واقع وتحديات إعداد هالة بوقعيقيص
ومحمد تنتوش أكتوبر 2017
3-
Ar.wikisource.org
دستور المملكة الليبية المتحدة دستور عام 1951
4-
Elbiro.net
الحركة النسوية في ليبيا – نضال نسوي مستمر
6-
Alarab.co.uk
لا أحد يسمع رأي المرأة الليبية – يمينة حمدي 30/9/2018
7-
Mawdoo3.com
ما هي اتفاقية سيداو – غادة الحلايقة 28/2/2018
8-
www.aljazeera.net
ثورة فبراير الشعب يسقط الجماهيرية 23/2/2016
9-
www.alhurra.com
نساء ليبيا حاضرات في الثورة مغيبات بعدها نيفين الباح
10-
www.hrw.org حقوق المرأة في ليبيا
الجديدة 26/5/2013
11-
Assafirarabi.com
حقوق المرأة الليبية في الدستور 26/2/2015
12-
www.aljazeera.net
دور المرأة في الثورة الليبية – هناء الحبشي 15/5/2012
13-
Meemmagazine.net
لماذا غيبت المرأة الليبية عن الحياة السياسية 1/11/2017
14-
www.almesbar.net
المرأة في العالم العربي وتحديات الاسلام السياسي الكتاب السادس
والسبعون ابريا 2013
15-
Ar.qantara.de
وضع المرأة السياسي في ليبيا في ظل الصراع المسلح على السلطة –
فاليري شتوكر 2/8/2014
16-
Legal-agenda.com
ابن الليبية المتزوجة من أجنبي هوية ضائعة وحقوق تائهة جازية جبريل محمد 8/7/2016
17-
www.allugah.com
الحركة الثقافية للإبداع النسائي في ليبيا د. محمد أنظر 30/10/2016
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”