fbpx

ورقة نقدية في قصيدة (ترفعي يا عين) للشاعر المغربي عبد السلام عبلة

1 619

الأديب المغربي عبد السلام عبلة

ولد الأديب المغربي عبد السلام عبلة في سيدي قاسم بالمغرب
يعمل مديراً لإحدى المؤسسات التعليمية في مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط
رئيس جمعية المواهب للتربية الاجتماعية سابقاً
صدر له: مجموعة قصصية بعنوان الصرخة أصدرتها وزارة الثقافة المغربية
مجموعة هي .. وأشياء أخرى مجموعة قصصية
رمانة مغمضة مجموعة صدرت عن دار كلمات عام 2012
له مقالات كثيرة في المجالين الاجتماعي والتربوي

يعتبر الشعر في الأدب العربي من أقدم الفنون الأدبية التي أرّخت للعرب وحملت إرثهم الأدبي وثقافتهم، ولذلك قيل عنه ديوان العرب.

وقد تعددت أغراض وسبل التغني به، إذ عمد الشاعر إلى التفنن في صياغة نظمه والتميز في إيجاد طرق تجعل شعره ذا نغمة خاصة ومنفردة، وقد اعتمد بعضهم على أسلوب خطاب خاص يكون طرفه الآخر إما حصانه أو محبوبه أو عضواً منه، وقد حظيت العين بحصة الأسد من ذلك، والشاعر المغربي عبد السلام عبلة سلك نفس النهج في قصيدة عنونها بـ (ترفعي يا عين)، يقول فيها:

 

ترفعي يا عين لا لا تدمعي

ترفعي زيدي ضياء والمعي

 

ردي على ساقي المآسي كأسه

غضي بطرف إذ يهل المدعي

 

عيشي الحياة إذ تريها أقبلت

ولرمشك في كحلها فلتنقعي

 

ليس البكاء شأو الرجال وعزهم

عبراتهم تأبى النوى للمنزع

 

أنت الحياة إذا خبت من نورك

ديجورها يغشى الورى بالمنبع

 

أنت الرقيب ومن دياري استأمنت

لفي حوالي ذا الثرى واستطلعي

 

لفي ولا ترخي جفوناً من كرى

وتجمري في وجه ذا الطامع

 

وتغزلي بالهدب في من جفنها

يخشاك صعقاً قاتلاً لو تسطعي

 

ولتمتطي لغواً عصياً نيله

يغشى الحشاء ولتحصدي ما تزرعي

 

أنا لقلب أن يرده سهمك

مرماك ما صوبت حتما تصرعي

 

كوني سلاحي، حيث ولت سيرتي

كوني ملاذ القلب كوني مرجعي

 

ترفعي يا عين دمعي غال

ولنعتلي صهو المزاج الألمعي.

 

انطلاقاً من العنوان (ترفعي يا عين) المتضمن لفعل أمر من ترفع بصيغة المخاطبة وياء النداء المتبوعة بمنادى نكرة مقصودة نستشف الأنفة والعزة والكرامة إذ دعوة العين للترفع وهي جارحة حساسة وفعالة في جسم الإنسان وأكثر الحواس فضحاً وإبانة، تعني أن الشاعر اختار عنوة هذا العضو لأنه مخبأ سر البشر، فمن خلال العين نقرأ الفرح والحزن والبغض والرقة، إذ الشرر يتطاير من العين في حالة الغضب والحب يتقطر من العين في حالة العشق والحزن ينفجر أودية دموع من خلال جفونها، ودعوة العين للترفع الذي هو صفة الأخيار حين يترفعون عن النقائص، هو خصلة غير بعيدة عن الشاعر الذي أعطى هذا العنوان لقصيدته لينبئنا عما تحتويه بين جنباتها من صفات تسبح بنا في فضاء أفلاطوني.

يبدأ الشاعر عبد السلام عبلة قصيدته بالتأكيد على دعوة العين للترفع ليضيف تأكيداً لفظياً آخر يتمثل في لا الناهية (لا لا تدمعي) وهذه المرة يأتي التأكيد على العين بالترفع عن أداء وظيفة من وظائفها وهي إسالة الدموع ما قد يظهر الضعف، ودعوتها للمعان والإضاءة ليسترسل الشاعر في إملاء ما على العين فعله وما عليها تجنبه، حيث يقول: (ردي على الساقي كأسه /عيشي الحياة/استطلعي/لفي ولا ترخي جفونا/تجمري في وجه ذا الطامع/تغزلي بالهدب…) فالشاعر عبد السلام عبلة في قصيدته ومن خلال حديثه للعين يجعلنا نمتلئ بالتفاؤل وحب العيش ورفض شرب كأس المآسي والامتناع عن البكاء الذي هو ليس شأو الرجال، إذ يذكرنا ببيت أبي فراس الحمداني (:أراك عصي الدمع شيمتك الصبر/أما للهوى نهي عليك ولا أمر.) إذ يقول: (ليس البكاء شأو الرجال وعزهم/عبراتهم تأبى النوى عن المنزع) فهذه الصورة الجميلة للعبرات وهي تأبى الابتعاد عن المنزع تضفي جمالية على القصيدة وتجعل فكرة الإباء ورفض الخضوع تطغى وتسمو عالياً. 

ويسترسل الشاعر عبد السلام عبلة ليوضح دور العين وأهمية نورها الذي إذا خبا غرق الورى في الظلام، وكيف أنها الرقيب والمستأمنة على الديار ليأخذنا إلى باب الغزل الذي كان في القصائد العربية القديمة غرضاً لابد منه ومدخلاً لكل المواضيع، لتنعكس الصورة عند الشاعر حيث تغدو عينه مصدر الصعق والقتل لو سطعت في حق المحبوب الي يسقط صريعاً من سهمها الذي لا يخيب مرماه.

ويكمل شاعرنا قصيدته على نفس النهج الذي ابتدأ به في خطابه للعين باستعماله أفعال الأمر (كوني/ترفعي) مرة لتكون سلاحه ومرة أخرى ملاذ قلبه ومرجعه ليخلص بنا في آخر بيت إلى قمة الشموخ والعلو والترفع عن إسالة دمعه الغالي، ليتغير الخطاب الذي كان بضمير المخاطبة التي هي العين إلى ضمير المتكلم الجمعي في قوله (لنعتلي) ليتم الالتحام بينه وبين العين ليعتليا صهو المزاج الألمعي.

فالشاعر عبد السلام عبلة بأسلوبه الجميل الأخاذ الذي لا يخلو من محسنات بديعية، يحملنا في رحلة شعرية تحتاج مزاجاً عالياً يصل مرحلة الانتشاء والارتواء من جمال الحرف وحسن التعبير بطريقة سلسة يتقنها شاعرنا لعمق ثقافته وخصوبة فكره وأدراكه وحسه الفني المرهف، كما هو حال باقي إنتاجاته الغزيرة والمتعددة التي تهيم في كل واد وفي مختلف الأغراض الشعرية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

1 تعليق
  1. عبدالسلام عبلة says

    شكرا جزيلا على هذا التناول الجميل، والذي أضفى على القصيدة رونقا وروعة، هذا السبر لأغوار القصيدة لاينبع إلا عن شاعرة من عيارك سيدتي، لك التقدير والمحبة

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني