fbpx

قلعة جعبر.. ابنة حضارة بدّلتها الأزمنة

0 350

ليست القلاع التاريخية مجرد أبنية هندسية عظيمة فحسب، بل هي كائنات تحتفظ في أحجارها وأسوارها وبواباتها العظيمة بصور الذين مروا بها وبنوا أمجاداً. لهذا يمكننا أن نقول إن قلاع بلادنا تشهد على تاريخ عظيم لإنساننا الذي بناها.

قلعة جعبر هي إحدى شواهد هذا التاريخ، فهذه القلعة التي تتوسط بحيرة سد الفرات، هي قلعة عظيمة، كانت قبل ملء بحيرة السد تقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات. وتبعد عن مدينة الطبقة السورية قرابة 13 كم، وعن مدينة الرقة قرابة 53 كم.

سمّيت قلعة جعبر بهذا الاسم نسبة لرجل يدعى جعبر بن سابق القشيري، وهذا الرجل كان يعيش أيام حكم السلاجقة، وتحديداً في عهد الملك السلجوقي جلال الدين بن ألب أرسلان، حيث أخذ هذا الملك هذه القلعة من جعبر عام 986م.

تتكون القلعة من أجزاء متعددة، تبدأ بالسورين الخارجيين، إذ يحمي هذان السوران القلعة وبيوتها ومنشآتها، ويفصل بين السورين ممر صغير. السوران يضمان عدداً من أبراج المراقبة والحماية، وقد تمّ بناؤها بصورة أبراجٍ مضلّعةٍ أو أبراج نصف دائرية. لكن يد الزمان والإنسان خرّبت هذه الأبراج وهدمتها ولم يتبق منها سوى القليل، الذي بقي شاهداً على عظمة هذه القلعة الهامة.

القلعة مستطيلة الشكل، فبالإضافة إلى السورين، ثمة بوابة كبيرة تقع في الجهة الغربية، تمّ تشييدها من الآجر، البوابة تُفضي إلى باحة، وتنتهي إلى برج عليا الدفاعي، الذي يبعد مسافة مئة متر عن البوابة.

وهناك نفق في جهة الباحة اليسرى، يقود هذا النفق إلى سطح القلعة، ويبلغ طوله قرابة خمسين متراً.

كذلك تمّ بناء مسجد وسط القلعة، لا تزال مئذنته شاهدة عليه وقائمة حتى تاريخنا الحالي. أما بيوت الأمراء فقد بنيت في الجهة الجنوبية للقلعة، أما المدافن فقد كانت محفورة في الصخر، ويعتقد أنها مدافن تعود للعهد البيزنطي.

بُنيت قلعة جعبر، (والتي كانت تحمل اسم قلعة دوسر، نسبة إلى دوسر غلام ملك الحيرة النعمان بن المنذر)، على هضبة صخرية كلسية، ترتفع عن سطح البحر347 متراً، من الآجر، وهو الطين المشوي. لكن هذه القلعة آلت لاحقاً إلى قاطع طريق يدعى جعبر القشيري.

تعرضت القلعة لحصار الملك السلجوقي جلال الدين، الذي حاصرها مدة يوم ونصف ثم اقتحمها، وقايض بها قلعة حلب مع سالم بن مالك، حيث بقيت القلعة بيد الأخير إلى أن استولى عليها نور الدين الزنكي عام 1168م. ومع ذلك بقيت هذه القلعة عرضة للغزو وحكم أمراء مختلفين، إلى أن اجتاحها المغول، ودمروا كثيراً من معالمها، وكانوا في طريقهم إلى حلب لاحتلالها، وقد جرى ذلك عام 1260 للميلاد.

يوجد في القلعة متحف يضم آثارها الباقية، تم فتحه أمام الزائرين والسياح. 

تعتبر قلعة جعبر المحاطة بمياه بحيرة سد الفرات معلماً أثرياً هاماً، حيث يقصدها السيّاح من خارج البلاد أو من داخلها، للتعرف على معالمها، ولهذا تمت عمليات ترميم لبنائها، وكذلك إضاءتها، لتصير معلماً سياحياً تاريخياً، ما يجعلها مفردة من مفردات تاريخ المنطقة الشاهد المستمر على حضارة شعوب هذه البلاد.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني