ثلاثة أخطاء إيرانية قطعت بها شعرة معاوية مع أمريكا
قد يكون اعتبار الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل بالعدو العاقل لإيران انتهى تماماً بعد السابع من أكتوبر، وتَمّ قطع شعرة معاوية بين إيران والغرب، وكان الرئيس ترامب ومن يرى رؤيته من الدولة العميقة قد حاولوا قطع تلك الشعرة بإعلان الانتصار على داعش وبعد ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي من جانب واحد ووضع إيران تحت العقوبات القصوى ومن ثَمّ قتل ثاني أهم شخصية في إيران (بعد المرشد) قاسم سليماني قائد فيلق القدس ورمز أو مؤسس الهلال الشيعي، والذي كان في الظِلّ مهندس التخادم الأمريكي/الإيراني وهو من يدعم المعتدلين (كما يسمون) في إيران والذين توصلوا لاتفاق 2015 وعلى رأسهم الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف وفريقهما.
بعد مقتل سليماني تَمّ إبعاد المعتدلين ولم يستطع فريق الرئيس بايدن (وبعضهم يسميه فريق أوباما) إنجاز اتفاق نووي سعى إليه كثيراً.
أجهض الغول العقائدي الإيراني الذي نما وترعرع في كنف ولاية الفقيه وأصبح القوة الأقوى كما يبدو في صناعة القرار الإيراني.
هذا الغول العقائدي لم يحتمل أن يرى بعض خصيلات من شعر مهسا أميني لا يغطيها الحجاب فقتلها وقتل معها كل الإصلاحيين في مراكز القرار الإيراني.
وكانت بقايا أو أشلاء دبلوماسية إيرانية تفاوض الغرب في فيينا على اتفاق جديد مع الولايات المتحدة أو العودة للاتفاق السابق وقد يكون هذا هدف إدارة بايدن، أو حتى الوصول لاتفاق مؤقت، إلا أنّ العراقيل التي وضعها الغول العقائدي الإيراني أفشلت كل مساعي البقية الباقية من الدبلوماسية الإيرانية، وفهم الأمريكان أنّه لم يَعُد هناك مجال للالتقاء مع بعض الأهداف البعيدة مع الإيرانيين والاختلاف بغيرها من الأهداف، مع اختلاف شبه كامل في التكتيكات الآنيّة.
وبالطبع توجد ملفات كبرى عالقة ببن الأمريكيين والإيرانيين وليس فقط الملف النووي، كالملف العراقي، حيث يُعتبر النظام السياسي الحاكم في العراق هو نتيجة التفاهمات بينهما وأنّ انهياره قد يحدث بانهيار تلك التفاهمات، كما أنّ الاحتلال الإيراني في سوريا ملف مهم أيضاً، بسبب وجود قوات البلدين في مناطق تبعد عن بعضها عشرات الأمتار، ولم تكن الميليشيا الإيرانية تلك لتدخل سوريا بهذا الحجم لولا الموافقة الأمريكية، إضافة إلى ملف حزب الله وسلاحه المرشح للانفجار في أية لحظة.
أيضاً ملف اليمن من ضمن تلك الملفات، ولم يكن الحوثي ليصبح بتلك القوة لولا عدم الممانعة الأمريكية.
قدمت إيران نفسها للغرب كعدو عاقل يمكن الركون له كعمود استراتيجي لإدارة المنطقة وصرح أيضاً الرئيس السابق باراك أوباما بدور إيران المهم في إدارة الإقليم، وكان بسياساته مقتنعاً بهذا الدور وعمل على تكريسه لكن ضمن الضوابط الأمريكية وبما يخدم الأهداف البعيدة للاستراتيجية الأمريكية، كالحرب على الإرهاب الجهادي السني وإحداث الفوضى الخلاقة، التي يمكن ضبطها والتحكم بها في الإقليم مع الخط الأحمر الأمريكي الذي قد يكون الوحيد الحقيقي في المنطقة وهو أمن إسرائيل، الذي يسقط المساس به كل التفاهمات السابقة.
سارت إيران بما تشتهيه الرياح الأمريكية (ووفق أشرعتها) في المنطقة بتخويف دول الخليج العربي والضغط عليها، واستمرار لعبة القط والفأر بين إيران وإسرائيل على الأرض السورية وحتى داخل إيران نفسها، طالما أنّ الأمن الإسرائيلي مُصان وتحترمه أذرع جمهورية ولاية الفقيه، فقد كان حزب الله يؤدي دوره في تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل والتزم بروح القرار الدولي /1701/ بعد حرب 2006 ولم يلتزم بنصوصه، وكانت جبهة الجولان هادئة وهي أشبه بالمحمية الطبيعية حيث تتوفر كل الظروف المناسبة لتكاثر الطيور فيها نظراً لهدوئها التام، وإسرائيل تختار ما يناسبها من الأهداف لضربها دون أن يتم الرد عليها حتى إنّ الوسيط الروسي في سوريا دخل على الخط لضبط قواعد الاشتباك بينهما.
إسرائيل وإيران في الإقليم تريان أنّ العرب لا يستحقون ولا يستطيعون لعب دور حقيقي مهم في معادلات الإقليم، وهم يُقادون من قوى أخرى تسيطر عليهم ولو بشكل غير مباشر، ولم يخرب كل تلك التوافقات أو التفاهمات غير المكتوبة إلا الغول العقائدي الإيراني.
وكانت حجة السياسة الأمريكية التي سار عليها بل أسس لها الرئيس أوباما بأنّ الإسلام السياسي والجهادي الشيعي له مرجعية مركزية ومنضبط، بمعنى له رأس وأذرع والرأس يُسيطر بشكل كامل على النهايات الدقيقة للأذرع ويضبطها ولم يكن يعترض كثيرون من فريقه على تلك الخلاصة التي تَوصّل إليها بل طبقها على الأرض.
ارتكب الغول العقائدي الإيراني خطيئته الثانية بحق الغرب (على اعتبار أنّ الخطيئة الأولى كانت تعطيل الوصول لاتفاق نووي بل وصول إيران للعتبة النووية أو ما يسميه بعضهم قنبلة على الرفّ)، حيث تمادى الحرس الثوري بشراكته مع الروس ووصلت تلك الشراكة إلى حواف التحالف العسكري مع بوتين بحيث كانت الطرف الوحيد الذي جاهر بالانخراط المباشر مع الجيش الروسي بحربه على أوكرانيا وكان الناتو يراقب أسراب الدرون الإيراني وهي تقصف المدن الأوكرانية، وهذا اصطفاف عسكري ضد الناتو الذي يقف بكل قواه في الضفة الأخرى.
لا يهم رأي الآخرين فيما حدث صبيحة 7 أكتوبر، المهم ما فهمه الأمريكيون وحلفاؤهم منه وكيف تعاملوا معه.
اعتبرت الإدارة الأمريكية أنّ هجوم 7 أكتوبر هو 11 أيلول جديد، الهدف منه ضرب الولايات المتحدة نفسها عبر ضرب قاعدتها العسكرية المتقدمة في المنطقة، والجميع يعلم أنّ إسرائيل هي جيش غربي تم بناء دولة له، وهو مشروع إستعماري غربي متقدم وعضو في حلف الناتو ولكن بشكل غير رسمي.
وبسبب عدم تقدير الإيرانيين لعواقب تلك الضربة التي من المُرجّح أن يكون الغول العقائدي الإيراني في الحرس الثوري قد فعلها وقد يكون من دون استشارة أحد من مراكز صنع القرار، وبالتالي تَمّ الإطاحة بنظرية أوباما حول انضباط وتَعقّل الجهاد الشيعي وخضوعه للإرادة السياسية وبالتالي خرق أهمّ الخطوط الحمر، ولم يعد مُجدياً بعد ذلك الركون له أو الاعتقاد أنه يمكن التفاهم معه.
ويرى بعضهم أنّ الولايات المتحدة كانت تتوقع خطيئة ثالثة للغول الثوري الإيراني، أو على الأقلّ تحاول منع حدوثها وكان واضحاً التحشيد الأمريكي في المنطقة قبل السابع من أكتوبر، حيث تم نقل قاعدة السيلية كاملةً من قطر إلى الأردن والإعلان عن قاعدة عسكرية أمريكية في النقب في فلسطين المحتلة، وإرسال بعض الغواصات والقطع الحربية إلى المنطقة، وتَحوّل النقاط العسكرية الأمريكية في شرق الفرات من سوريا إلى قواعد حقيقية مع استمرار تحصينها وإرسال الإمدادات النوعية لها وتوسيع قاعدة التنف العسكرية.
قد تكون الولايات المتحدة توقعت ضربة في مكان آخر أقل حساسية لها من إسرائيل، لكن أتت الضربة عبر طوفان غزة وفي القلب الأمريكي.
وبالطبع كَشّر الغول العقائدي الإيراني عن أنيابه، بل غرزها في العجل اليهودي وتلك لن يَقبل بتجاوزها راعي ذلك العجل وسيسعى لعدم تكرارها بالتأكيد مُستقبلاً.
إنّ نفي إيران بصلتها بالعملية لا يُقنع أحداً، وإن كان ذلك صحيحاً فإنّ تلك الأذرع غير مُنضبطة ولا إدارة مركزية لها، وإن كانت تعلم (وهو المرجح) فإنّ غلطة الشاطر بألف، وعليها مواجهة العواقب أو بالأحرى الرباح والعواصف الآتية من الغرب.
وعندما غادر سكان الجليل الإسرائيلي مستوطناتهم في الشمال وقرروا عدم العودة إليها قبل زوال خطر حزب الله عسكرياً أو على الأقلّ كمرحلة أولى، خروج كل قوات النخبة التابعة للحزب من جنوب الليطاني و تطبيق القرار الدولي /1701/، القاضي بانتشار الجيش اللبناني في المنطقة وعدم السماح للحزب وحواشيه من الأذرع السنية بالوجود، حيث إنّ طوفان صور أو مزارع شبعا أو طوفان للجليل ممكن الحدوث مستقبلاً وتكرار طوفان غزة، ولا يكفي بناء السدود لتجنب الطوفان بل لابُدّ من تجفيف مياهه، وبالطبع فإنّ الخشية الغربية من هجرة كبيرة معاكسة من دولة الاحتلال إلى الخارج، حيث يُقدّر عدد المغادرين أو من ينوي المغادرة بـ 300 ألف ويُشكل هذا ضربة قاسية للمشروع الصهيوني الغربي الذي لم تعد إسرائيل فيه الملاذ الآمن لليهود في العالم.
تلقّت إيران ضربة أو خسارة استراتيجية كبرى، ولم تستطع المحافظة على شعرة معاوية مع إسرائيل وأمريكا والغرب، وارتمت في الحض الروسي الذي لطالما حاولت الاقتراب منه دون الوقوع فيه وستصبح أداة روسية مُستقبلاً، وخسرت إلى غير رجعة العرب الأقربون والبعيدون، وتخسر مجتمعات تحكمها بعد أن خرّبتها ووصلت بها إلى درجات الفقر بسبب الميليشيات التي تحكمها، وننتظر بعد الفراغ من الحرب الأطلسية على غزة ما سيكون الهدف التالي حزب الله في لبنان أم قطع الشريان الأبهر بين سوريا والعراق أم الاثنين معاً..
مقال رائع ومنطقي