fbpx

حضور المرأة السورية في تركيا في المجال السياسي

1 296

يطرح حضور المرأة السورية في المجال السياسي بصورة عامة أسئلة تحتاج إلى إضاءة شفّافة، فهذا الحضور بقي ضيّقاً بصورة عامة قبل الثورة وبعد تفجّرها، ويمكن البحث في أسباب هذا الضيق في الحضور لدى قوى الثورة ومؤسساتها، ولدى الحركات السياسية، التي ولدت خلال هذه المرحلة، التي شهدت تغيّرات عميقة في بناء المجتمع السوري.

الثورة السورية منذ تفجّرها رفعت شعار مبدأ إزالة نظام الاستبداد السياسي في البلاد، بغية بناء نظام سياسي يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية بين مكونات المجتمع جميعها دون تمييز، وعلى قاعدة حقوق الإنسان والحريات بصورة عامة، من أجل إطلاق قدرات الفرد السوري في المبادرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. الخ، للوصول إلى مجتمع يعمل على ردم هوة التمييز بين الجنسين.

ولكن مفهوم المساواة على صعيد الدور والفعالية بين الجنسين، بقي بعيداً عن الذهنية الفكرية والسلوك العملي لدى الجهات التي تصدّرت المشهد السياسي للثورة. فهذه الجهات لم تأت من مقدمات رؤيوية فكرية تقول إن الثورة السورية هي ثورة حرية الانسان السوري وكرامته، وبالتالي هي معنية بإطلاق قدراته في العمل والتفكير والابداع، دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الثقافة، بل أتت من أجل إسقاط نظام الاستبداد ودحره دون أن تأخذ بالحسبان أهمية تسخير طاقات الفرد السوري من الجنسين في هذه المعركة.

لقد بقيت النظرة إلى فعالية المرأة الثورية والسياسية وغيرها من المجالات نظرةً مشدودة إلى عدم الثقة بقدراتها، وهذا ليس غريباً على مجتمع ينظر إليها على أنها أقل قدرة من الرجل في إدارة الشؤون المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هذه النظرة متوغلة في الوعي الباطني للمجتمع، الذي يتسم بعقلية ذكورية واضحة.

إن النظر إلى المرأة السورية على أنها غير كفؤ على المشاركة مع الرجل في تغيير البنية السياسية لنظام الاستبداد في بلادها، يجد لنفسه سلوكاً عملياً في بنية مؤسسات الثورة (الائتلاف والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض) والموجودة جميعها على أراضي الدولة التركية، حيث تكون نسبة حضور المرأة السورية في هذه المؤسسات نسبة ضعيفة، وهذا يتنافى مع جوهر الثورة السورية التي نادت بالمساواة والحريات والفرص المتكافئة.

تقول المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكلّ إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاً أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتّع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأيّ قيدٍ آخر على سيادته”.

هذا التمتع بالحقوق يشمل الذكور والإناث في كل مجتمع وبلد في العالم، إذ ذهب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أبعد من ذلك على مستوى المشاركة والحضور السياسي في المؤسسات السياسية الوطنية سواء الرسمية منها أم الأحزاب والتيارات السياسية.

لقد نصّت المادة 21 من الإعلان العالمي أنه: “لكلّ شخصٍ حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون في حرية، وأنه لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حقُّ تقلّد الوظائف في بلده، وإرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت”.

المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضحة حيال مشاركة المرأة في إدارة الشؤون العامة في بلدها، أي تقلّد المناصب السياسية دون تمييز، فهل هذه المعايير موجودة في الحياة السياسية لقوى الثورة السورية؟ وهل المرأة السورية المقيمة في تركيا استطاعت لعب هذا الدور والفعالية السياسيتين في مؤسسات الثورة المختلفة؟ وهل شغلت دوراً قيادياً بنسبة جيدة في الحياة السياسية للأحزاب والتيارات السورية في تركيا؟.

إن مؤسسات قوى الثورة السورية والأحزاب والتيارات لا تزال جميعها بعيدة عن مشاركة فعلية للمرأة السورية في الحضور فيها، وإن نسبة الحضور غير معقولة، فهي تقل عن ثلاثين بالمئة بكثيرٍ، إذ تطغى على هذه المؤسسات والأحزاب هيمنة ذكورية واضحة، ولعل ذلك يكمن في وجود تيارات فكرية وسياسية لا تثق بقدرات المرأة القيادية، وبضرورة مشاركتها في الحياة السياسية في بلادها، إضافة إلى نمط التفكير الذي يسود ويقول إن مجال حضور المرأة يكون محصوراً بدرجة أولى في العناية بإنجاب الأطفال وتربيتهم والعناية بالأسرة.

هذه النظرة تنطوي على أمور مختلفة تسيء للمرأة السورية، فهي نظرة غير علمية وعقلانية، لأنها ببساطة تنطوي على هدر طاقات نصف المجتمع (أي طاقات النساء)، ولا تعترف بقدرة النساء على إدارة المؤسسات الوطنية والسياسية منها بالدرجة الأولى، كما تنطوي على نظرة دونية للمرأة في حجبها لحقوقها بممارسة الشؤون العامة، سيما منها القيادة السياسية، كما تنطوي هذه النظرة على وضع المرأة في مربع يقلّل من حقوقها وحرياتها، إذ يجعلها تابعة للرجل الذي يقوم بالإنفاق على الأسرة، ومن يُنفق يسود.

السيدة سكينة حسن وهي قيادية كردية سورية في حزب البارتي المنتمي للمجلس الوطني الكردي أحد مكونات الائتلاف الوطني السوري فتقول: “المرأة السورية متقدمة على مثيلاتها في دول المنطقة، في التعليم والمشاركة السياسية منذ تأسيس الدولة السورية، لقد ظهرت المرأة السورية في أعظم صورها من خلال المظاهرات المطالبة بالحرية، وكانت تواجه الرصاص والاعتقال، وتتحدى الموت من أجل الحرية”.

سكينة حسن
سكينة حسن
سكينة حسن

وتتابع السيدة سكينة: “ولكن مع الأسف شاركت بالثورة ولا تزال لكنها لم تأخذ حق المشاركة في مؤسسات الثورة على قدر تضحياتها لا في الائتلاف ولا في الحكومة المؤقتة ولا في منظمات المجتمع المدني ولا في هيئة التفاوض إلا بنسبة ضئيلة لا ترتقي إلى حجم تضحياتها، ولكن يجب التذكير أن المرأة السورية كانت ضحية لكثير من الأمور كالاعتقال والخطف بما في ذلك القاصرات”.

يقول السياسي القيادي في الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية المهندس هديب شحاذة: “من أفضل مشاركات المرأة في المجال السياسي كانت في بداية انطلاق الثورة، وتحديداً في المرحلة السلمية وقبل أن تتحول إلى العسكرة. قدمت مساهمات حيوية في المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية والتعليم، وكانت حاضرة في المظاهرات، إضافة لدورها كمعيلة لأسرتها”.

هذيب شحادة

ويضيف شحاذة: “أما حضورها في المشهد السياسي في مؤسسات الثورة كما في الائتلاف والحومة المؤقتة وهيئة المفاوضات، فقد انتزعت مكانتها نسبياً، وكان لها حضور في العملية السياسية، وحجز حصة للمرأة في مؤسسات صنع القرار، تقارب ثلاثين بالمئة في بعض المؤسسات الدولية التي أتاحت للمرأة الحضور فيها”.

ويرى شحاذة أن المرأة منذ عام 2019 قدمت تسع من النساء السوريات إحاطات رفيعة المستوى أمام مجلس الأمن الدولي، وعكس الاهتمام المتزايد بدور المرأة في المشهد السوري، ورغم هذا الحضور النسبي ورغم اضطلاع المرأة السورية بدور قيادي في بعض التجمعات والهيئات، لكنها لا زالت تواجه تحديات في حضور المرأة في الأحزاب الحياة السياسية وما زالت التشريعات التمييزية قائمة”.

ويتابع شحاذة: “ولا بدّ من الإشارة إلى أن حضور المرأة في الأحزاب والتيارات السياسية السورية التي نشأت في الثورة كان واضحاً وجلياً في تركيا أكثر من المناطق المحررة، ويعود ذلك إلى المناخ السياسي المتاح والداعم لدورها في مستقبل سوريا، وعلى كلّ المستويات.

أما في المناطق المحررة فهناك معوقات كثيرة وتحديات قاسية والتركيز على تأمين الاحتياجات المعيشية اليومية هو الشغل الشاغل وهذا لم يمنع من ظهور بعض الهيئات والتجمعات الخجولة التي تزرع بارقة أمل أن القادم أفضل”.

هذه الحقائق لا تزال ماثلة للعيان، فليس هناك قرار سياسي لقوى الثورة يحدّد نسبة حضور المرأة في المؤسسات القيادية، رغم أن هذه المؤسسات يجب أن تكون رافعة لحقوق مشاركة المرأة السورية في صنع مستقبل بلادها.

نستطيع القول: إن المرأة السورية رغم كل تضحياتها لم تنل حقوق المشاركة الفعلية في صنع مستقبل بلادها عبر حجم مشاركتها الفعلي في المؤسسات القيادية للثورة، وهذا يدل على أن الثورة كانت تحتاج إلى ثورة فكرية متزامنة مع الثورة السياسية، تتأسس على حقوق الإنسان وعدم التمييز بين الجنسين.

يقول الباحث السوري محمد سالم: “لا يوجد مستوى عالي من مشاركة المرأة السورية في هذا المجال (السياسي)، وهذا طبيعي لأن هناك تصحّر تعرّضت له البلاد طوال سنوات طويلة تحت حكم النظام، فحدث فقد في الكوادر السياسية في الجنسين “الرجال والنساء” على حدٍ سواء”.

محمد السالم

الناشطة النسوية عضوة الحركة السياسية النسوية منى فريج فتقول: “للأسف عن وجود النساء كحضور سياسي يمكن القول إنه لا يزال خجولاً بعد أحد عشر عاماً من الثورة السورية، بكل أسف في كل الأجسام السياسية المرأة ليس لها حضور، وإن وجدت فحضورها خجولٌ جداً، وهذا يعود للعقلية الذكورية التي يمتلكها الرجال، وهم قائمون على التشكيلات والأجسام السياسية السورية المعارضة”..

منى فريج

إذاً، يمكننا القول إن الذكورية كنمط تفكير وحياة لا يزال هو المسيطر بقوة على حياة السوريين رغم مرور أحد عشر عاماً على قيام الثورة السورية.

ويرى الباحث سالم أن مجتمعنا أميل للمشاركة في المواضيع السياسية من قبل الرجال لأنها أخطر على النساء إذا ما كنّ مستهدفات من النظام، أما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني نلاحظ أن مشاركة المرأة في هذا المجال أكثر، أولاً لأن هناك نوع من التشجيع من الداعمين الدوليين، لأن فيه نوع من الجندرة، وأحياناً يكون حضور النساء أكثر مما يخلق حساسية لدى الشباب، سيما أن حالة الجندر هنا تتقدم على حالة امتلاك الكفاءات”.

أما الأحزاب والتيارات السياسية السورية التي نشأت في الثورة، فينطبق عليها ما ينطبق على مؤسسات الثورة، لأننا جديدون على هذا الأمر، ونشاط المرأة فيها ضعيف، والأمر يحتاج لزيادة الوعي السياسي في المجتمع.

وفق ما تقدم، يمكننا القول إن شغل المرأة للمراكز القيادية في مؤسسات الثورة حالياً، وفي مستقبل سوريا بعد الانتهاء من نظام الاستبداد يحتاج إلى كفاح حقيقي على صعيد تثبيت حقوق الانسان وزيادة مساحة الوعي بها من خلال ضخٍ فكري يسلط الضوء على أهمية دور المرأة في بناء مجتمعها جنباً إلى جنبٍ مع شريكها الإنساني الرجل.

أما الناشطة النسوية سوسن دحمان عضوة شبكة المرأة السورية (شمس) فتقول: “لا يزال حضور المرأة في المجال السياسي حضوراً خجولاً وضعيفاً، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة سعي المعارضة إلى تغيير في واقع المرأة والسعي لزيادة وعيها وحضورها في المجال السياسي، ونتمنى أن تكون نسبة حضورها في مجال السياسة والقيادة أكبر، والمشاركة في صنع القرار لتأخذ حقها في المجتمع”.

سوسن دحمان

إن الحاجة إلى تغيير نسبة مشاركة النساء في الشأن السياسي والشأن العام الوطني هي حاجة حاسمة في تدارك الزمن وعدم هدر طاقات نصف المجتمع، هذا النصف بمقدوره تقديم المبادرات الفاعلة لتطوير حياة المجتمع والدولة السوريين، وهذا ما لحظته الأمم المتحدة، والتي أشركت النساء في أعمال اللجنة الدستورية من خلال منظمات المجتمع المدني، أو من خلال فريق الاستشارة الذي أسسه المبعوث السابق للأمم المتحدة ديمستورا.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني