دمشق ترتجف برداً في الظلام، والكهرباء خارج نطاق التغطية
في ظل دعوة النظام لإجراء انتخابات رئاسية واعداً الناس بحياة جديدة وظروف أفضل وتغير الواقع وكأنه يملك عصاً سحرية ستقلب سوريا إلى سويسرا في غضون أشهر، تطفو إلى السطح مجدداً الأزمة الأكثر إزعاجاً للمواطنين ألا وهي أزمة الكهرباء التي مافتئت تتجدد طوال سنوات الحرب وخاصة في الشتاء إذ يزداد الطلب عليها نظراً لغياب المحروقات واعتماد المواطنين عليها بشكل رئيسي في التدفئة وخاصة مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة في المناطق الريفية والجبلية التي تكسوها الثلوج طوال فصل الشتاء، في هذا العام بالتحديد، ومع تطبيق قانون قيصر، الذي فرض حصاراً على النظام ومنع أي تبادل تجاري معه وفي ظل رفض داعمي النظام الرئيسين تقديم أي نوع من أنواع الدعم الاقتصادي مع أنهما من أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، ولكن انهيار الاقتصاد وتراكم الديون على النظام اضطرهما لقطع الدعم عنه، فازداد الوضع سوءاً وتعمقت مأساة المواطنين فبعد أن كان التقنين الصيفي ثلاث ساعات قطع مع ثلاث ساعات من التغذية تحول شتاء إلى 7 أو 8 ساعات انقطاع مع ساعة أو اثنتين فقط من التغذية وقد تصل إلى أيام بدون كهرباء وخاصة في المناطق التي استرجعها النظام بعد المصالحات، إذ تشهد الغوطة الشرقية والمنطقة الجنوبية غياباً تاماً للتيار الكهربائي.
وقد أخبرنا الشاب ه.ق أن النظام ورغم المصالحات لم يستطع مسامحة سكان تلك المناطق بل ينتظر أية فرصة لينتقم منهم، فعقلية النظام لم تتغير ولم تتطور ومازال يستمر في تطبيق سياسة العقوبات الجماعية.
ولم يقتصر انقطاع الكهرباء على انعدام التدفئة فحسب بل أدى أيضاً إلى توقف أعمال المواطنين التي تعتمد معظمها على الطاقة الكهربائية، وخاصة المهن اليدوية كالحدادة والنجارة والخياطة وقد اشتكى عدد كبير منهم من أن انعدام الكهرباء أجبرهم على الاستعانة بالمولدات التي تعمل بالبنزين غير المتوفر سوى في السوق السوداء والذي يبلغ سعر الليتر الواحد منه 1500 ليرة سورية كحد أدنى وقد يصل إلى 2000 أو 2500 خاصة أن الحكومة قد قررت تخفيض مخصصات البنزين المدعوم من 100 ليتر إلى 75 ليتر في الشهر الواحد، وحتى التقنين الجائر أصبح يشكل خطراً كبيراً على المواطنين بسبب عودة التيار الكهربائي بشكل مفاجئ وبتوترات عالية تؤدي لحدوث حرائق كبيرة كان آخرها في المزه وقدسيا واحترق عدد كبير من المحلات التجارية نتيجة ذلك بالإضافة إلى ما يسمى القطع الترددي الذي يحدث عند زيادة الحمولة الكهربائية فتنقطع الكهرباء وتعود بتواترات أقل تؤدي إلى احتراق الأجهزة الكهربائية أي كما يقول المواطنون (فوق الموت عصة قبر).
وقد ظهر معاون وزير الكهرباء حيان سلمان الذي هو بالأساس دكتور جامعي بالاقتصاد ولا يملك أي مقومات تخوله لتسلم هذا المنصب سوى أنه أحد أهم أبواق النظام مدافعاً عن واقع الكهرباء معللاً ذلك بالحصار المضروب على سوريا وبانخفاض كمية التوليد ومنع قسد دخول الفيول لمناطق النظام، وقد كانت قدرة محطات التوليد قبل الحرب تقدر بـ 7500 ميغا واط وأصبحت الآن 2700-3000 ميغا واط أي أقل من النصف وخروج عدد كبير من محطات التوليد عن الخدمة بالإضافة إلى كون المحطات الموجودة قديمة جداً ولم تخضع لأي تحديث أو إصلاح منذ بدء الحرب والدول الغربية كألمانيا وفرنسا واليابان كانت قد وقعت اتفاقيات لدعم قطاع الكهرباء لكنها تراجعت بسبب الحرب وبسبب رغبتها في تدمير سوريا ومنع تطورها كما ادعى وبشر المواطنين بأن ما أسماها الدول الصديقة قد وقعت اتفاقيات لبناء محطات توليد في حلب وحمص وعدرا ولكن تحتاج إلى سنوات لفعل ذلك، وعند سؤاله عن سبب غياب التقنين عن بعض المناطق برر قائلاً إن الوزارة لا تستطيع قطع الكهرباء عن المشافي والمراكز الأمنية والعسكرية لكن علمت نينار برس أن بعض أصحاب المطاعم والمصانع يقومون يومياً بدفع مبلغ 50 ألف ليرة سورية لكي لا يتم قطع الكهرباء عن منشآتهم الصناعية أما عن بيع الكهرباء للبنان فقد أعلن أن الكهرباء لا تعطى سوى لقرية لبنانية واحدة تقع على الحدود رغم الشكوك المتزايدة عن بيع الكهرباء للبنان للحصول على قطع أجنبي. وفي ظل غياب المحاسبة وانعدام حس المسؤولية وجد المواطن السوري نفسه مضطراً لاتباع أساليب العصور الحجرية في وسائل الإنارة والتدفئة كإشعال النار بواسطة مدافئ يوضع بها أي شيء قابل للاحتراق كالخشب والملابس القديمة وغيرها وأصبح المواطن يخشى أن يأتي عليه يوم يضطر فيه أن يشعل النار في جسده لينهي معاناته ومعاناة من حوله، ويبقى السؤال مطروحاً، إلى متى سيبقى المواطن هو الخاسر الأكبر في وقت الحرب وفي وقت السلم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”