fbpx

الجولان أيضاً

0 302

يرزح الشعب السوري تحت سيطرة قوى احتلال متعددة داخلية وخارجية، وهو ما ينطبق على الجولان السوري المحتل من قبل الدولة الصهيونية. حيث يتعرض الجولان لأشكال متعددة من الاستغلال والظلم المنسي من قبل المعارضة السورية وإعلامها للأسف، ومنه ما نشهده اليوم من استيلاء القوات الصهيونية على جزء من أراضي الجولان المحتلة، كي تشيد شركة “إنرجكس” للطاقة البديلة الصهيونية، 32 توربينة ارتفاع الواحدة منها 220 متراً. حيث يهدد هذا المشروع الصهيوني قرى مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وجودياً، ويدمر اقتصاد القرى الزراعي، ويعرض سكانها لمخاطر صحية نتيجة الضجيج والوميض والأمواج الصوتية، الأمر الذي فجر موجة غضب واحتجاج ونضال سورية جديدة داخل الجولان المحتل في الأيام القليلة الماضية.

إذ تكتسب هذه الجولة النضالية التي تشهدها أراضي الجولان المحتل أهمية مضاعفة، على صعيد حقوق سكان المناطق المحتلة، وعلى الصعيد الوطني السوري أيضاً، نتيجة اعتبارات متعددة، أهمها توقيتها في أعقاب المحاولات الصهيونية والأمريكية الرامية إلى تشريع احتلال الجولان، وبغرض تسليط الضوء على متاجرة نظام الأسد بهذه القضية الوطنية المركزية، ومن أجل التأكيد على وحدة النسيج الاجتماعي السوري وعلى وحدة المسار النضالي التحرري من جميع قوى الاحتلال الداخلية والخارجية، وكذلك كي نتجاوز خطاب المعارضة القاصر الذي عمل على حصر الثورة السورية بجزئية إسقاط الأسد، وأخيراً بغرض العمل على استثمار نضالات التجمعات السورية المناطقية وفق منظور وطني شامل يعود بالفائدة على سورية وشعبها.

فمن المفيد تسليط الضوء بشكل متكرر؛ على دور نظام الأسد في إدامة احتلال الجولان حتى الآن، وفي كيفية تقويض المحاولات الشعبية التي سعت إلى دعم قضية الجولان والنضال من أجل استعادتها وتحريرها انطلاقاً من الأراضي السورية غير المحتلة، وكذلك بما يخص دور النظام في محاصرة النازحين السوريين من الجولان، وتعميم التخلف والفقر والظلم في أوساطهم. كما بات من الضروري أيضا تجاوز أخطاء تجزئة النضال الثوري وحصره بمهمة وحيدة تتمثل في إسقاط الأسد، فالمشاكل والمعضلات التي دفعت السوريين للثورة كثيرة ومتعددة، بل ومازالت قائمة في المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، وهو ما يثبت أن تجاوز نظام الأسد شرط ضروري لكنه غير كاف لتأسيس سورية التي نريد. وعليه لا يصح الاستمرار في مسار تهميش جميع القضايا السورية الاجتماعية والاقتصادية والوطنية كقضية الجولان، تحت ذريعة أولوية تجاوز الأسد. بل على العكس سوف يساهم النضال من أجل الحقوق السورية المستلبة وطنياً واجتماعياً واقتصادياً في دك حصون الأسد، وفي هدم ركائز حكمه الاستبدادي، ما يسهل من مهمة تجاوزه مستقبلاً نحو بديل حقيقي وطني واجتماعي واقتصادي وطبعاً سياسي.

حيث عبرت الجموع السورية الثائرة في الـ 2011، عن رغبتها في نيل التحرر الوطني الكامل، وواجهت قوى الأمر الواقع المسيطرة أسدية كانت أم ظلامية ورجعية، وفق قدراتها وإمكانياتها وحين حانت أو سنحت الظروف بذلك. كما عبرت الكثير من المظاهرات عن مركزية التحرر من الصهيوني، وهو ما انعكس من خلال تمازج الكتلة الاجتماعية المبعدة من الجولان المحتل (النازحين) مع الثورة السورية، عبر مشاركتهم وتنظيمهم لنشاطاتها. في حين يبدو المطلوب اليوم تمازجاً معاكساً بين حاضنة الثورة الاجتماعية ومثقفيها من ناحية، والقوى الشعبية المنخرطة في التصدي للاعتداءات الصهيونية حالياً، والمحتمل حدوثها مستقبلاً. فهذا ما يبني جسور الثقة بين مختلف التجمعات السورية التي فرقتها جغرافياً قوى الاحتلال الداخلية والخارجية، ويوضح كذلك أهداف الثورة السورية وجوهرها الحقوقي والوطني، كما يعري زيف خطاب الأسد وداعميه من مدعي الوطنية والمقاومة.

وهو ما لمسه ائتلاف اليسار السوري والشباب السوري الثائر جيداً في بدايات الحركة الثورية، حيث عبروا عنه في نشرتهم الدورية وشعاراتهم ومظاهراتهم التي نظموها في المدن والبلدات السورية التي وجدوا فيها، كشعار “من أجل تحرير فلسطين نريد إسقاط النظام” و”من أجل تحرير الجولان نريد إسقاط النظام” وغيرها من الشعارات التي ربطت مطالب السوريين الاقتصادية والاجتماعية بأسبابها السياسية الداخلية. إذ نحتاج اليوم لمثل هذا الربط والوضوح في الأهداف والأغراض والوسائل، التي تعبر عن طبيعة التغير الشاملة لجميع النواحي الوطنية التحررية، والاقتصادية الناجمة عن الاقتصاد الريعي، والسياسية عبر فصل السلطات واستقلاليتها وتأسيس نظام ديمقراطي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.

وعليه فإن الحراك الاحتجاجي الذي تشهده الجولان اليوم، وأي حراك اجتماعي سابق أو لاحق في أي بلدة أو من مدينة سورية، كالذي شهدته مدن السويداء والرقة ودرعا وإدلب ودير الزور؛ هو جزء من الحركة الثورية السورية التي انطلقت في الـ 2011، وبالتالي فهو منا جميعا ولنا جميعا أيضاً، نتحمل مسؤولية إنضاجه وتطويره ورفده وحمايته طبعاً، تماماً كما نتحمل مسؤولية وضعه في سياقه الوطني الشامل، كي نفتح الباب أمام توسعه وانتشاره على المستويين المنطقي والوطني. إذ لابد من الأخذ بعين الاعتبار واقع التشتت السوري القائم اليوم برعاية قوى الاحتلال المتعددة، هذا الواقع الذي يفرض على كل منطقة سورية مهام وطنية آنية مختلفة من حيث المظهر ومتطابقة من حيث المضمون، فجميعها مناطق خاضعة لقوى احتلالية داخلية أو خارجية لا فرق يذكر هنا، كونهم جميعهم يمارسون ذات النهج القمعي والإجرامي والاستغلالي والنهبي تجاه سكان المناطق الخاضعة لهم، وتجاه سائر المناطق المتحفزين للانقضاض عليها.

لذا ونتيجة لهذا الواقع المشتت جغرافياً وسياسياً علينا أن ندرك مدى صعوبة عودة الحركة الثورية في غالبية المناطق السورية كما كانت في الـ 2011، لصالح تكرار مظاهر ثورية مناطقية هنا وهناك، ذات طابع مطلبي أحياناً وطابع صدامي أحياناً أخرى، وفق الظرف والخبرة والوعي النضالي والمعرفي. إذ يتطلب توسع هذا النضال المناطقي كي يشمل مجمل سورية، لجملة من العوامل كاستعادة الثقة بين التجمعات السورية المناطقية، وتجذير وبلورة الرؤية الوطنية الثورية، والمساهمة في دعم النضالات المناطقية من قبل مجمل السوريين بغض النظر عن مكان الوجود الحالي أو السابق، وفق قدرات كل منطقة وكل شخص. وبالتالي فإن نجاح النضالات المناطقية السورية المتكررة في أكثر من بلدة ومدينة من ناحية، والنجاح في انتشارها في سائر المدن والبلدات السورية من ناحية ثانية، مرهون بمدى تضامننا مع بعضنا بعضاً وتشابكنا ومؤازرتنا لهذه النضالات، دون أي ذريعة تنتقص من مشروعيتها وثوريتها وأهميتها وطبعاً من طبيعتها الثورية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني