أهالي محافظة درعا أموات على قيد الحياة في ظل سيطرة نظام الأسد
تجري الحياة على أكمل وجه في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرته فالطوابير ومنصات للتواصل الاجتماعي مجانية بلا إنترنت والاحتفالات الجماهيرية التي تدعم حكم نظام الأسد هي السبل المثلى للتصدي لوباء COVID-19 كورونا، أما عن أزمة الخبز فهي ليست إلا طريقة غير مباشرة للعودة للزمن الجميل وأفران التنور وخبز الصاج.
أزمات تليها أزمات والقابع في هذه المناطق كالقابع في الرمال المتحركة إن هو استسلم سيبقى غريقاً حتى يأتي آخر وينقذه وإن تحرك في هذه الرمال غرق أكثر فالأفرع الأمنية تتولى الأمر ليختفي كل من يعلو صوته ويطالب ويندد بواقع الحال ليختفي بين غياهب ذرات رملها أو سجونها التي لا تعد ولا تُحصى.
درعا تلك المحافظة التي ارتبط اسمها بالانتفاضة الشعبية والاحتجاجات السلمية في شهر مارس من العام 2011 التي قوبلت بالرصاص الحي من قبل نظام لم يعرف سوى لغة الحديد والنار طوال السنوات الماضية.
تحررت أجزاء كبيرة منها بعد ظهور فصائل الجبهة الجنوبية التي أخذت على عاتقها حماية المدنيين وإيقاف هجمات النظام، التي كانت مدعومة مما يعرف باسم مجموعة أصدقاء الشعب السوري ضمن غرفة العمليات العسكرية المشتركة والتي أطلق عليها اسم (موك) فتارة تشتد المعارك وتارة أخرى تهدأ وفي نهاية الأمر أعلن نظام الأسد السيطرة على محافظة درعا بالكامل من شرقها لغربها مدعوماً بسلاح الجو الروسي في حملة عسكرية هي الأشد والأعنف على المحافظة حسب وصف النشطاء هناك أفضت لما يسمى باتفاق المصالحة.
تم توقيع اتفاق المصالحة بالفعل بحضور ضباط من النظام وجنرالات روس وممثلين عن هيئات عسكرية ومدنية في المحافظة فيما عُرف باتفاق بصرى الشام الذي لم يطبق إلا قلة قليلة من بنوده فالمعتقلين ما زالوا داخل المعتقلات ولم تتوقف الاعتقالات ومقومات الحياة لم تتوفر حتى الآن فخرج من خرج للشمال السوري وبقي من بقي في المحافظة لتتعقد المسألة ويتطوع من كان سابقاً ضمن صفوف ما يعرف بالجيش الحر هرباً من الخدمة الإلزامية في جيش النظام في عدة أجنحة عسكرية ما بين الفيلق الخامس المدعوم روسياً والفرقة الرابعة المدعومة من إيران يديرها شقيق رأس النظام بشار الأسد وبين أفرع مخابرات الأسد ويبقى آلاف الشبان الآخرين متخلفين عن الخدمة العسكرية. ويحاول المدنيون في المحافظة التأقلم والاندماج في ظل سيطرة قوات النظام آملين أن تعود الحياة لسابق عهدها معولين على المسار السياسي فيما يتعلق بآمالهم في رحيل الأسد.
كيف يعيش المدنيون اليوم في درعا؟
لعل السؤال بسيط بعدد كلماته، كبير بما يحمله من معاناة لحقت بالأهالي هناك وفقاً لعدد من المقابلات التي أجريناها مع الأهالي.
الأستاذ (أ.م) أحد الموظفين المفصولين على خلفية آرائه السياسية قال عن الحياة بعد اتفاق المصالحة:
كانت الحياة تسير على ما يرام قبل سيطرة النظام على المحافظة وبدأنا بالاستغناء فعلاً عن فكرة وجود النظام وكان هنالك تجارب رائدة فيما يتعلق بإدارة المناطق المحررة واستطاع القائمون توفير الكثير من فرص العمل والقيام بالكثير من المشاريع المقدمة مما يعرف بمنظمات المجتمع المدني ولكن اليوم النظام لا يستطيع إطعام القلة من مؤيديه فكيف له بأن يطعم مئات الآلاف ممن عادوا لسيطرته في ظل جميع الأوضاع المتردية التي نعيشها سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وحتى النفسية.
وأضاف بأن المحافظة اليوم أشد ما تكون بحاجة للدعم الإغاثي والإنساني من الجهات التي ترفض تقديم المساعدة في ظل وجود الأسد ونظامه والذي بدوره أيضاً يفرض قيوداً على عملها ولن تنتهي أزماتنا إلا برحيل الأسد.
تنحدر قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي لتصل لنحو ثلاثة آلاف ليرة سورية للدولار الواحد تارةً وتعود للاستقرار ما بين 2500-2800 تارةً أخرى والدخل محدود والحبل على عنق المواطن الذي لا حول له ولا قوة معقود، لتتراوح معدلات الدخل من 20$ إلى 40$ أو 50$ في أحسن الأحوال وهي التي لا تكاد تسد رمق جوعهم وتغطي أبسط مستلزمات البقاء على قيد الحياة وليس المعيشة.
جرت في الفترة السابقة إعادة افتتاح لبعض الأسواق في المحافظة بعد توقف القصف والبراميل المتفجرة وبعض الأسواق في مركز محافظة درعا بعد توقف الأعمال العسكرية كسوق الشهداء في درعا المحطة.
ارتفاع كبير في الأسعار أدى لحالة معيشية مزرية في المحافظة القابعة جنوب البلاد فأصبح المواطن بين فكي كماشة تهاوي سعر الصرف من جهة وجشع التجار من جهة أخرى.
السيد أبو محمد رب لأسرة قوامها 7 أشخاص، في حديث خاص لنينار برس قال:
نعيش ظروفاً معيشية صعبة فنحن أموات على قيد الحياة فكما الميت لا يستطيع جلب رزقه، نعمل ليلاً نهاراً وبالكاد نجد ما يسد رمقنا فالأسعار باتت جنونية والحكومة لا تستطيع مساعدتنا فهي بحاجة لمن يساعدها فالزيارة اليوم لمحل الخضار على أقل تقدير تُكلف من 10 إلى 20 ألف ليرة سورية ومحل السمانة بالمثل هذا للحاجات الأساسية والضرورية أما عن اللحوم ومشتقاتها فهي رفاهية لا حول لنا بها ولا قوة. يتذرع التجار بسعر الصرف الذي ترتفع أسعار البضائع لدى ارتفاعه فقط ولا تنخفض مع انخفاضه.
ليكمل أبو محمد بأنه لتأمين احتياجات العائلة اضطر ولده الأكبر محمد لترك دراسته لمساعدته في المصروف والعمل على تأمين مستلزمات باقي إخوته ويختم بالعبارة المشهورة على لسان السوريين (الله يفرجها).
هذا وقد ازدادت معاناة السوريين في ظل دخول فصل الشتاء والغياب التام للحكومة عن التدخل فيما يخفف من معاناتهم خاصةً مع عدم توزيع مستحقات الشتاء للآن في غالبية المناطق أو توزيع حصص ناقصة لا تساهم في التقليل من عبء مصاريف على أقل تقدير ممكن، فيما لا تزال المحافظة تشهد فلتاناً أمنياً كبيراً وصراعاً على بسط النفوذ فيها ويعول الأهالي على أي خطوات دولية من شأنها إيقاف آلامهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”