ليل دمشق مظلم كواقعها وأزمة الكهرباء مستمرة في التفاقم
دخلت الكهرباء إلى سوريا في أواخر القرن التاسع عشر واستخدمت غالباً لإنارة الشوارع والمؤسسات الحكومية، وقامت بمشروع الإنارة الشركة العثمانية السلطانية للتنوير الكهربائي والتي قامت بتوليد كهرباء بطاقات عالية في شوارع العاصمة وقامت بتشغيل ترام كهربائي يغطي معظم أحياء دمشق ويسهل الانتقال فيما بينها ما جعل دمشق في تلك الفترة تضاهي المدن الأوروبية بتطورها وحضارتها، وبدأت الكهرباء في الدخول إلى المنازل إبان حكم الفرنسيين لسوريا.
ومع الاستقلال وتوالي الحكومات بدأت هذه الخدمة بالتطور والانتشار وشملت كامل الجغرافيا السورية، وتم تأسيس وزارة خاصة للكهرباء سنة 1974 وكانت مسؤوليتها إدارة قطاع الطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة في سوريا.
تمتلك سوريا تسع محطات لتوليد الطاقة الكهربائية وهي محطة حلب وهي خارج الخدمة تماماً ومحطة محردة ومحطة بانياس ومحطة الزارة وزيزون وهذه أيضاً خارج الخدمة ودير علي وجندر والناصرية ومنشأة التيم، وبالحديث عن محطة الناصرية التي تقع في جيرود في القلمون السوري والتي تعد محطة التوليد الرئيسية لدمشق وريفها وبعض أرياف المحافظات، ففي عام 2010 أعلنت الحكومة السورية أنها بصدد منح امتياز للقطاع الخاص للعمل بمحطة توليد الكهرباء في الناصرية، نظراً لحصولها على الكثير من العروض للاستثمار ومن دول عالمية مثل تركيا واليونان وكانت تسعى سوريا لجمع استثمارات تصل إلى 45 مليار لتحديث البنية التحتية المتهالكة بعد أربع عقود من السياسات الاقتصادية الفاشلة، وكما جرت العادة استمرت دراسة عقود الاستثمارات حتى عام 2011، وعندها قامت وزارة الكهرباء بتوقيع عقود استثمار مع شركة سيمنز الألمانية بقيمة 305 مليون يورو وكان هناك تعهد من الشركة الألمانية بزيادة إنتاج الطاقة في المحطة بجودة وكفاءة عاليتين وحد أدنى من الانبعاثات الغازية، ولكن في نهاية عام 2011 قرر الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات على النظام السوري ومنع أي استثمار في القطاعات الخدمية والنفطية، ما أدى إلى توقف هذا المشروع قبل البدء به، ومع اندلاع الحرب في سوريا تضرر قطاع الكهرباء بشكل كبير وباتت دمشق وغالبية المحافظات السورية بلا كهرباء وخاصة في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة فكانت الخطوة الأولى لتركيعها هي تدمير الخدمات كافة وعلى رأسها الكهرباء، وقد ساهمت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المناطق الشرقية من سوريا إلى حرمان محطات التوليد من مصادر الطاقة التي تشغل بها المحطات وهي الغاز بالدرجة الأولى يليه المازوت والفيول، وبسبب الدمار الكبير الذي لحق بهذا القطاع والذي أعلن عماد خميس وزير الكهرباء السابق في عام 2016 بأنه يقدر تقريباً بحوالي 4 مليار دولار، لجأ النظام إلى توقيع عقود مع حليفيه الروسي والإيراني فقامت إيران بتوقيع 4 عقود أولها في محطة حمص لإنتاج الطاقة المتجددة، وتسليم القطاع الخاص الإيراني محطة توليد كهربائية في مدينة اللاذقية، وأعلن فيما بعد أن إحدى الشركات الإيرانية قدمت عروضاً لإعادة تأهيل وتشغيل محطة حلب بتكلفة 93 مليون دولار ويعد ثاني اتفاق لشركة إيرانية لتأهيل محطة حلب، أما روسيا فاتجهت إلى محطات الطاقة الكهرومائية ووضعت يدها على سدين في منطقة الإدارة الذاتية بالإضافة إلى سد تشرين في مدينة حلب وقد كان تبرير النظام لإدارة روسيا للسدود بأن عنفات التوليد المائية تعرضت للسرقة والنهب وعجز الدولة عن تعويض كل تلك الخسائر، والجدير ذكره أن المواطن السوري لم يلاحظ أي تحسن ملحوظ في وضع الكهرباء إذ مازال التقنين موجوداً ويلاحظ ازدياد ساعاته في أيام الحر والبرد الشديدين والتي قد تصل إلى أكثر من 16 ساعة يومياً.
وفي مطلع هذا الأسبوع أعلنت حكومة النظام عن تعرض خط الغاز العربي الذي يمد محطات التوليد بحاجتها من الوقود إلى تفجير، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن كامل العاصمة وريفها بالإضافة الى المنطقة الجنوبية والوسطى وقد اتهمت عناصر من داعش بالقيام بالتفجير مع العلم أن خط الغاز يقع بين مدينة عدرا الصناعية ومدينة ضمير اللتان تخضعان لسيطرة شديدة من النظام والروس، ما آثار الشكوك حول طبيعة التفجير أو الجهة التي تقف وراءه وقد أعلن وزير الطاقة أن خط الغاز عاد إلى العمل خلال يوم واحد بسبب أعمال الصيانة السريعة، وأن الكهرباء ستعود إلى وضعها الطبيعي خلال أيام وهذا ما يزيد الشكوك حول صحة رواية النظام، ويعتقد بعضهم أن الحريق مفتعل للتغطية على بيع الكهرباء للبنان وتبقى التكهنات كبيرة حول طبيعة الحريق ومن يقف خلفه لكن الأكيد أن المواطن السوري هو كالعادة من يدفع الثمن.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”