fbpx

3+1 تحالف جديد مركزه سوريا

0 4٬024

لم يتمكّن الرئيس ترامب من سحب قواته من سوريا عام 2019 بعد إعلانه إنجاز المهمة التي أتت لأجلها مع التحالف الدولي الذي يقوده، وهو هزيمة تنظيم د ا ع ش.

إذ كانت عقبات كبرى تحول دون ذلك الانسحاب، وتمكّنت مؤسسات الدولة العميقة، وخاصة البنتاغون، من ثنيه عن ذلك، حيث كانت هزيمة التنظيم الإرهابي وقتل قاسم سليماني ليسا كافيين لسحب القوات الأمريكية…

كان الاحتلال الإيراني والروسي لسوريا طاغياً على المشهد، ولإعلان انتصاره النهائي كان لا بدّ من خروج أو إخراج القوات الأمريكية، وبالتالي ستكون مهمة إخراج القوات التركية والقضاء على حلفائها في الثورة السورية أمراً محتَّماً، وبالتالي يكون الانتصار الروسي الإيراني كاملاً…

بعد القضاء على د ا ع ش وعدم الوفاء الروسي بالتفاهمات مع الولايات المتحدة في سوريا، من ناحية إنجاز حلٍّ سوري برعاية روسية دون الضرب بعرض الحائط بالمصالح الأمريكية،

أقرّت واشنطن قانون قيصر وأبقت على قواتها شرق الفرات، وعرقلت بذلك حسم الملف السوري عسكريّاً وسياسيّاً…

كانت نِيّة الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا عند توفّر الظرف المناسب، ولم يكن في أولوياتها إنشاء كانتون كردي، بل أن تكون ذات كلمة في أي حلٍّ سوري نهائي، أو كما كنّا نسمع التحليلات الرغبوية عن عزم أمريكا تقسيم تركيا بدايةً من سوريا أو غيرها من المهام التي نظّر لها بعضهم.

لم يكن أحد يضع في حسبانه مآلات النهاية للحدث السوري، حيث حدث الانتصار الساحق لقوى الثورة السورية وسرعة انهيار النظام وتفكك الهلال الشيعي في سوريا وتبخّر الإنجاز الروسي، وكل ذلك جرى في ذهول وخلال عشرة أيام فقط….

بالطبع، لم يرغب كثيرون بسقوط الأسد، ولكنهم لم يكونوا على استعداد للدفاع عنه للحيلولة دون وصول حكم جديد من الأغلبية وذو خلفية إسلامية، ومن أهمّ هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية…

ساد الارتباك المشوب بالحذر والترقّب موقف الولايات المتحدة من الإدارة السورية الجديدة، وبالطبع كانت سابقاً على تواصل غير مباشر معها عبر الأتراك، ولكن ضمن نطاق أمني ضيّق.

كانت الولايات المتحدة أمام مشهد سوري كبير ومفاجئ، وبالطبع ممكن تجييره لصالحها، حيث تم كنس الاحتلال الإيراني وقطع الهلال الشيعي وبتر أحد أهمّ أذرعه دون أن يكلّفها ذلك رصاصة واحدة أو إنفاق دولار واحد، وتم إدخال الغريم الروسي في غيبوبة في غرفة العناية المشددة، ولم يبقَ لموته في سوريا إلا قطع الخراطيم التي تمدّه بالحياة، وتلك تحدث بكبسة زر……

كانت إدارة بايدن في آخر أيامها، وعهدت بالموقف الأمريكي حيال الإدارة السورية لإدارة الرئيس ترامب، والتي أجرت تقييماً دقيقاً ومباحثات مطوّلة، وخاصةً مع الحلفاء في المنطقة، ومراقبة خطوات الإدارة السورية على الأرض، ناهيك عن تصريحاتها…

تتعامل الولايات المتحدة عادةً مع رجل قوي قادر على ضبط أنصاره وإنفاذ أوامره إلى أدنى مستوى فيهم، ووجدت في الرئيس الشرع ذلك الرجل القوي وصاحب الكاريزما والقرار على أنصاره.

كانت الضمانة السعودية – القطرية – التركية للعهد الجديد من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تبلور موقف أمريكي من الإدارة السورية، ويمكن القول إنّ الولايات المتحدة وجدت الفرصة المناسبة لحلّ كثير من مشاكلها في سوريا، والتأسيس لشراكة مستقبلية، وترتيب جيوسياسي جديد للإقليم بالانفتاح على الإدارة الجديدة…

قبل رفع العقوبات الأمريكية والقمة بين الرئيسين الشرع وترامب في الرياض، كانت المفاوضات بين أصدقاء الإدارة السورية وواشنطن تتقدّم وترسم خطوات يظهر أثرها على الأرض، ولم يكن لقاء القمة إلا تتويجاً لتلك التوافقات التي حصلت، حيث تموضعت سوريا في مكان جديد في قلب الشرق الأوسط، متناغم مع البوصلة الدولية، ويتناقض كليّاً مع المحور الشرقي، بحيث شكّلت سوريا عقدة الربط بين العالم السنّي (الخليج والأردن وتركيا) الصديق للولايات المتحدة.

بماذا استفادت الولايات المتحدة من الإنجاز السوري؟

1- التخلص من أعباء ومخلّفات ورقة داعش التي انتهت عسكريّاً، ولكنها تركت آثارها الجانبية من آلاف المعتقلين في السجون، بالإضافة إلى مخيم الهول الذي يضم عشرات الآلاف من عوائل المقاتلين، ورمي تلك المشكلة إلى الحكومة السورية التي تعهّدت بحلها، وبالتالي لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى مرتزقة محليين (قسد) لإدارة ذلك الملف.

2- إصلاح العلاقات مع الحليف التركي التي تضرّرت كثيراً في العقد الأخير بسبب تهديد الأمن القومي التركي من قسد، لأنّ التحالف العميق بين أنقرة وواشنطن أهمّ بكثير من أن يتضرّر من تلك المشكلة.

3- التخلص من الوجود الروسي في سوريا، وهو من أهمّ الأسباب التي أخّرت الانسحاب الأمريكي من سوريا.

4- الإضعاف الكبير للمشروع الإيراني في المنطقة بعد خروج سوريا منه، وإحكام الخناق على حزب الله.

5- إضعاف الموقف التفاوضي لإيران في المفاوضات الحالية مع إدارة الرئيس ترامب، وفي حال فشل المفاوضات وبروز خيار عسكري، كانت النقاط العسكرية الأمريكية في سوريا بمثابة أهداف سهلة لضربها من ميليشيات الحرس الثوري.

6- إمكانية انضمام سوريا مستقبلاً إلى السلام الإبراهيمي عندما تسمح الظروف بذلك…

تحالف 1+3

لم تكن تصريحات السفير الأمريكي في تركيا والمبعوث الأمريكي إلى سوريا حول خطأ سايكس بيكو وعدم جدوى التدخلات الغربية في المنطقة عن عبث، بل كلام مسؤول ويعنيه توماس باراك جيداً، حيث تتّجه الولايات المتحدة في استراتيجيتها إلى المحيط الهادئ لتركيز جهدها هناك بعد تأمين خطوطها الخلفية في الشرق الأوسط بتحالف أصدقاء، دون الانخراط بقوات كثيرة أو التدخل في شؤون المنطقة ودولها، بمعنى أنّ الولايات المتحدة لم تعد راغبة بلعب دور الشرطي الدولي والإقليمي، بل بإنجاز تحالفات إقليمية بين أصدقائها تبدأ أمنية وتتطور لاحقاً حسب انسجام ومصالح الدول المتعاقدة، مع إشراف أو مظلة أمريكية.

وكان الاجتهاد الأمريكي – التركي لضمان خروج الجيش الأمريكي من سوريا مع ضمان عدم عودة داعش أو الميليشيات المرتبطة بإيران إلى سوريا، وضمان أمن المنطقة واستقرارها، وضمان محاربة المخدرات وعدم تصدير لاجئين، وباقي المسائل الأمنية، حيث تمّ عقد لقاء عمّان منذ عدة أشهر بين خمس دول متجاورة، وهي سوريا وتركيا والعراق والأردن ولبنان، وتم الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات، وذلك لتشكيل منظومة أمنية إقليمية برعاية أمريكية.

وبسبب وجود العامل الإيراني المعيق في كل من لبنان والعراق، وعدم امتلاك الحكومتين للقرار السيادي المستقل، تم التوافق بين الدول الثلاث الباقية لتشكيل تحالف لمحاربة الإرهاب، يكون مقرّه في دمشق، بين سوريا وتركيا والأردن، برعاية أمريكية، وهو من سيتولى محاربة د ا ع ش في سوريا، ومنع عودة التهديد الإيراني للمنطقة، حيث تم عقد باكورة اجتماعاته في دمشق في 19 أيار الماضي.

هذا التحالف الإقليمي سيحلّ بديلاً عن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والذي سينتهي عمره في تشرين الأول القادم بعد عشر سنوات على ولادته، وخرجت تصريحات أمريكية كثيرة تفيد بأنّ السحب المتدرّج للجنود الأمريكان من سوريا وتقليص الانتشار سيُبقي على قاعدة عسكرية واحدة للدعم اللوجستي فقط.

وسنرى قريباً تنفيذ توجيهات الرئيس الأمريكي لقادته العسكريين بالتواصل مع دمشق وزيارتها والتباحث مع نظرائهم السوريين، حيث من المتوقع قريباً وصول وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، تأسيساً لعلاقات بين سوريا وأمريكا مختلفة عن العلاقات طوال المئة سنة الماضية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني