
“تحوُّل ضروري: من العقوبات إلى الدعم الفعّال لإعادة بناء سوريا”
في خطوة هامة نحو معالجة آثار سنوات الحرب، تجدد منظمات حقوقية سورية ودولية دعوتها للاتحاد الأوروبي لإنهاء عقوبات عهد الأسد، والتي أُقرت رداً على الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق. إذ يمر اليوم أكثر من عقد من الزمن على فرض هذه العقوبات التي فرضت بأهداف إنسانية مشروعة. لكنَّ الظروف التي أُقيمت من أجلها هذه العقوبات قد تغيرت بشكل جذري مع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، مما يثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذه السياسات في سياق سوريا الجديدة. وقد بات الوقت مناسباً لإعادة تقييم السياسات الأوروبية تجاه سوريا، لضمان تكاملها مع أهداف إعادة الإعمار، وتعزيز الحوكمة الديمقراطية، وتحقيق العدالة الانتقالية.
أولاً: الأوضاع الجديدة في سوريا – هل العقوبات ما تزال مبررة؟
على الرغم من الموقف الإنساني الثابت للاتحاد الأوروبي، ودعمه المستمر للاجئين السوريين والمساعدات الإنسانية، فإن الظروف التي أفضت إلى فرض العقوبات قد تغيّرت بالكامل. لقد انهار نظام الأسد، وأصبح استمرار فرض العقوبات على أساس سلوكه هو تكرار لسياسات كانت موجهة ضد حكومة لم تعد موجودة. لذلك، أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه العقوبات بشكل يعكس الواقع السياسي الجديد في سوريا، ويعزز عملية الانتقال السياسي ويشجع على إعادة الإعمار.
ثانياً: تداعيات العقوبات على الاقتصاد السوري – آلام إضافية للشعب السوري
على الرغم من بعض التخفيفات التي تم إقرارها، إلا أن العقوبات ما تزال تُعيق الانتعاش الاقتصادي في سوريا بشكل ملحوظ. فبالإضافة إلى تقييد إمكانية التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية الدولية، لا تزال العقوبات تؤثر بشكل مباشر على البنى التحتية الأساسية مثل البنك المركزي وقطاع النفط. هذه القيود تمنع السوريين من الاستفادة من الإعفاءات المقررة، مما يفاقم من معاناتهم في توفير احتياجاتهم الأساسية مثل المياه والكهرباء والوقود. وبالرغم من توفر بعض الإعفاءات، إلا أن هناك غموضاً في تطبيقها، وهو ما يحدّ من تأثيرها الإيجابي في البلاد.
ثالثاً: المجتمع المدني السوري – هل العقوبات تعيق الانتقال نحو الديمقراطية؟
منذ بداية الأزمة السورية، لعب المجتمع المدني السوري دوراً محورياً في توفير الخدمات الأساسية، وتعزيز الحوكمة الشاملة، ودعم المساءلة في فترة ما بعد الأسد. ومع ذلك، العقوبات المفروضة على القطاع المصرفي تعيق جهود المجتمع المدني في دعم الانتقال السياسي السلمي. ويواجه العديد من منظمات المجتمع المدني صعوبة في تحويل الأموال من أوروبا إلى سوريا، مما يعرقل تقدم مشاريعها الإنسانية والتنموية في المناطق التي عانت من سنوات من الحرب.
رابعاً: الاستمرار في فرض العقوبات – إفساح المجال أمام الجهات الخبيثة
استمرار العقوبات في ظل الوضع الراهن يُعطي الجهات الفاعلة غير الرسمية مثل الميليشيات والعصابات الإجرامية حرية أكبر في العمل بشكل غير قانوني. على الرغم من أن العقوبات تهدف إلى معاقبة النظام السابق، فإن هذه الجهات الموازية التي تستفيد من الفراغ السياسي تصبح أقل تقييداً في غياب رقابة حقيقية، مما يُقوض من قدرة الاتحاد الأوروبي على دعم أولئك الذين يسعون لبناء سوريا ديمقراطية.
خامساً: الهجرة والمستقبل الاقتصادي – ضرورة التغيير
في وقت تعاني فيه سوريا من أزمة اقتصادية خانقة، فإن الاستمرار في فرض العقوبات يُعد عاملاً مهماً في زيادة ظاهرة الهجرة، حيث يمثل السوريون أكبر فئة من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي. ومن خلال رفع العقوبات، يمكن تسهيل الانتعاش الاقتصادي وتحقيق الاستقرار الداخلي، مما يسهم في تقليل الهجرة ويُعزز من فرص عودة السوريين إلى وطنهم بشكل آمن وكريم.
سادساً: العقوبات المستهدفة – العدالة والمساءلة
بينما نؤكد على ضرورة رفع العقوبات العامة التي تؤثر سلباً على الشعب السوري، لا بد من التأكيد على المساءلة القانونية لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. يجب أن تستمر العقوبات المستهدفة ضد الأفراد والكيانات الذين كانوا جزءاً من نظام الأسد وشاركوا في جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية، عبر نظام العقوبات العالمي لحقوق الإنسان (GHRSR) الذي أقرته أوروبا في 2020.
“التغيير الحقيقي يبدأ من دعم الشعب السوري في بناء مستقبله، وليس في إبقائه محاصراً”
إن رفع العقوبات عن سوريا هو خطوة نحو بناء سوريا جديدة قائمة على السلام، العدالة، والاستقرار. فبدلاً من الإبقاء على عقوبات غير ذات جدوى في سياق التحولات التي تشهدها البلاد، يجب على الاتحاد الأوروبي استبدال هذه السياسات بأدوات تعزيزية فعالة تهدف إلى دعم الشعب السوري في عملية الانتقال الديمقراطي، ومساعدة منظمات المجتمع المدني في تنفيذ برامجهم الإنسانية. العودة إلى التوازن، ووقف الاستهداف العشوائي للمدنيين، هي السبيل الوحيدة لتسريع إعادة الإعمار، وتوفير الأمن، وتسهيل عملية العودة الطوعية للاجئين.
نحن بحاجة إلى أن نتذكر دائماً أن بناء المستقبل السوري يبدأ بتغيير السياسات التي كانت تُفرض في سياق الحروب والأزمات، وأن الفرصة الوحيدة للمضي قدماً تكمن في العدالة، والمساءلة، وبناء الثقة بين الشعب والحكومة.
المنظمات الموقعة على البيان:
مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، التحالف الأمريكي من أجل سوريا، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المنتدى السوري، المنظمة السورية للطوارئ، بيتنا، يداً بيد للإغاثة والتنمية… (وعدد من المنظمات الأخرى).